الشيخوخة.. خطر يهدد اليابان بـ”الفناء” الديموغرافي

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

اليابان دولة ارتبط اسمها دائمًا فى الأذهان بالتقدم والرقي وااإزدهار الاقتصادي والتكنولوجي، وكما هى سباقة فى كل العلوم والمجالات، فالدولة الآسيوية لها السبق أيضًا في شيء جديد، لكن هذه المرة ليس الأمر بالجيد أبدًا، حيث تسبق اليابان دول العالم فيما يتعلق بتراجع معدل المواليد في مقابل شيخوخة السكان بشكل متسارع.

ناقش وزراء المالية وحكام المصارف المركزية لدول مجموعة العشرين، للمرة الأولى إشكاليات مرتبطة بشيخوخة السكان وانخفاض الولادات، مثل زيادة تكاليف الرعاية الصحية والنقص في اليد العاملة والخدمات المالية الخاصة بالمسنين.

ولم يأت اختيار اليابان التي تترأس القمة لهذا الموضوع بشكل عشوائي، إذ قد تصبح قريبا أكبر بلد “فائق الشيخوخة” في العالم، ما يعني أن 28% من سكانها ستفوق أعمارهم 65 عاما، على أن تصل نسبتهم إلى نحو 40% في عام 2050.

وحرصت اليابان التي تعيق هذه المشكلة نموها الاقتصادي، على نقل خبرتها إلى الدول الأخرى، ودعت ثالث قوة اقتصادية في العالم شركاءها وبصورة خاصة الأصوات الأقل تطورا إلى التحرك قبل فوات الأوان.

قوائم انتظار

في عام 1994 قامت الحكومة اليابانية بإطلاق أولى مبادراتها حيث قامت وزارة التعليم والصحة والشئون الاجتماعية والعمل والبناء بدمج مواردهم لتنفيذ خطة الملاك، وهي مبادرة لتوفير دعم أفضل لرعاية الأطفال للآباء العاملين، كما واصلت الإدارات الوطنية والمحلية المتتالية بذل الجهود من خلال اتخاذ تدابير إضافية لزيادة عدد مرافق الرعاية النهارية، ورغم كل هذه الجهود، إلا أنه في المناطق الحضرية الرئيسية لا تزال هناك قوائم انتظار للأطفال ليلتحقوا بمراكز الرعاية النهارية، وهو أحد الأسباب في انخفاض معدل المواليد لانشغال الوالدين بالعمل، وذلك حسب ما نشرته وسائل الإعلام اليابانية.

وفي ظل انخفاض معدل المواليد في اليابان بشكل متسارع، انخفضت معدلات التحاق الأطفال بمرافق الرعاية النهارية في المناطق النائية، ما دفع بعض تلك المرافق للإغلاق بشكل كامل، كذلك على مدار السنوات الـ15 الماضية كان ما يقرب من 500 مدرسة ابتدائية وثانوية في المتوسط يغلق كل عام، حيث انخفض عدد المواليد في السنة إلى أقل من مليون طفل لأول مرة في عام 2016، وانخفض أكثر حتى عام 2017 إلى 946 ألف طفل.

الحياة السريعة

في مايو ذكر مكتب الإحصاء أن عدد الأطفال تحت سن الخامسة عشرة في اليابان يبلغ نحو 15.22 مليون في الأول من أبريل الماضي، وانخفض 180 ألفاً، أو بنسبة 1.2%، مقارنة بالعام الماضي، وهو أدنى عدد منذ أن أصبحت البيانات المقارنة متاحة في 1950، وعدد الأطفال في اليابان بالنسبة لمجموع السكان يعادل نسبة 12%.

حسب آخر إحصاء يبلغ عدد سكان اليابان 126.906.092 نسمة، وانخفض عدد السكان من سنة الأساس 1950 بمعدل 1.6%، وبدأ الانخفاض الحاد في 2005، حيث بلغ معدل النمو السكاني سالب 0.26%، ويتوقع أن ينخفض عدد سكان اليابان إلى 108.94.446 نسمة في العام 2050، بمعدل نمو سنوي سالب 0.57%.

وبقي معدل المواليد في اليابان منخفضاً، وسط عدم توفر الدعم المناسب للنساء العاملات اللائي ما زلن يتحملن عبء إنشاء المنزل والأدوار التقليدية الأخرى، إضافة إلى ساعات العمل الطويلة والتكاليف العالية للتعليم، كما أن الشباب في سن الزواج باتوا يفضلون العيش في العزوبية بحرية خالية من التكاليف والأدوار المجتمعية مقارنة بالمتزوجين.

وقد ذكرت دراسة أجرتها الحكومة اليابانية في 2015 عزوف الشباب عن الزواج إلى طابع الحياة السريع والمشاغل الكثيرة وأوقات الراحة القليلة، الأمر الذي من شأنه تقليل فرص الشباب من الجنسين في الالتقاء وقضاء أوقات استجمام أطول والتعرف على بعضهما بشكل كافٍ يقنعهما بالانخراط في الزواج.

الميزانية والشيخوخة

في مذكرة نشرت بمناسبة قمة مجموعة العشرين، أوضح صندوق النقد الدولي أن “الشيخوخة تزيد الضغط على الميزانيات العامة لأنها تتطلب زيادة في إنفاقات التقاعد والصحة”.

ولليابان خبرة في هذا الإطار، إذ تبلغ نسبة دينها 230% من ناتجها المحلي الإجمالي، ولذلك، يقوم المتقاعدون بادخار أموالهم خشية تخفيض معاشاتهم التقاعدية، فيما يتردد الأصغر سنا في الإنفاق خوفا من المستقبل.

ويؤكد صندوق النقد أيضا أن ثروة هذه الدول ستتأثر حتما بالنهاية بينما ينخفض عدد الأشخاص المنخرطين في سوق العمل أكثر وأكثر.

في حالة اليابان، تجد العديد من القطاعات “الرعاية الصحية – الزراعة – البناء..” صعوبة في التوظيف، إلى درجة أن عدد عروض العمل فيها وصل إلى 163 عرضا مقابل 100 طلب، مع معدل بطالة شديد الانخفاض بنسبة 2.4%.

وبالإضافة إلى الإصلاح الضروري لأنظمة التقاعد والصحة، تدعو المنظمات الدولية أيضا إلى حث النساء والعاملين الأكبر سنا على الانخراط في سوق العمل للتصدي لانخفاض اليد العاملة.

مجموعة العشرين تشيخ

أكد وزير مالية اليابان “تارو آسو”، ما نقوله هو التالي: “إذا بدأت آثار الشيخوخة الديموغرافية بالظهور قبل أن تصبحوا أغنياء، فلن يعود بوسعكم حينها اتخاذ أي إجراءات فعالة”.

ومن جهته أكد الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية “أنخيل غوريا” -في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية على هامش الاجتماع المالي- أنه إذا كان هذا التوجه يطال “العالم أجمع، فإن مجموعة العشرين تشيخ بوتيرة أسرع”.

وتابع: “هذا الاتجاه سيستمر، وأنا أخشى ذلك، ليس أمرا نستطيع وقفه فجأة”.

وفي البيان الختامي، قالت المجموعة: إن التغيرات الديموغرافية.. توجد تحديات وفرصا لكل دول مجموعة العشرين، والمشكلة تتطلب سياسات ضريبية ومالية ونقدية وهيكلية.

تضمّ مجموعة العشرين دولا ذات مواصفات مختلفة، من اليابان المتقدمة في السن إلى السعودية والهند وأفريقيا الجنوبية ذات المجتمع الشاب.

ويسهم طول متوسط العمر المتوقع وتراجع معدل الولادات في زيادة أعداد المسنين بشكل كبير في الدول الغنية مثل ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وكوريا الجنوبية، بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي قامت بسلسلة دراسات حول المسألة.

وأشارت المنظمة إلى أن هذه المشكلة باتت تطال أيضا الاقتصادات الناشئة مثل البرازيل والصين. وبحلول عام 2050، سيتضاعف عدد السكان الذين تفوق أعمارهم الستين عاما في العالم، وسيتخطى المليارين.

وفي تقرير جديد، قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية :” تعتبر اليابان أحد أعلى معدلات انخراط كبار السنّ في سوق العمل داخل المنظمة”، لكن مع بلوغهم سن التقاعد تجري إعادة تعيينهم في وظائف متدنية النوعية وبأجور منخفضة.

وترى المنظمة أنهم يستحقون أفضل من ذلك، داعية إلى الاستفادة من كفاءاتهم وخبراتهم.

الفجوة تتسع

ذكرت الأمم المتحدة أن كبار السن في العالم أصبحوا أكثر عددا من الأطفال الصغار للمرة الأولى في التاريخ.

وبحسب تقديرات المنظمة الأممية، زاد عدد من تجاوزت أعمارهم 65 عاما على عدد الأطفال دون الخامسة، بحلول نهاية 2018.

وتشير الأرقام إلى أن عدد المنتمين للفئة الأولى في مختلف أنحاء العالم يربو على 705 ملايين نسمة، بينما لا يتجاوز عدد من هم أقل من الخامسة من العمر نحو 680 مليونا.

وتشير الاتجاهات السائدة حالياً في هذا الشأن إلى أن هناك تفاوتا متزايدا بين الكبار والصغار في السن سيتجلى بشكلٍ أكبر بحلول عام 2050، ففي ذلك العام سيكون عدد أفراد الشريحة العمرية فوق 65 عاماً ضعف من تتراوح أعمارهم من يوم واحد إلى أربع سنوات.

وترمز هذه الفجوة الآخذة في الاتساع إلى توجه يتقصى أثره الباحثون في علم السكان منذ عقود، وهو ذاك المتمثل في أن غالبية دول العالم تشهد ارتفاعاً في متوسطات الأعمار، وتراجعاً في عدد المواليد.

ربما يعجبك أيضا