“الطابون”.. رمز التراث الفلسطيني يشهد إقبالا في رمضان

محمود

محمد عبد الكريم

يعد الطابون “التنور” لونا من ألوان التراث الشعبي الفلسطيني عمره مئات السنين، يكاد يتلاشى نهائيا من الريف الفلسطيني، بسبب التحول إلى الحضر الذي تشهده القرى الفلسطينية والمجهود الذي يحتاجه، وكثافة دخانه، وظهور وسائل طهي أسرع وذات مجهود أقل.

 تعتمد صناعة الطابون على ما هو متواجد في الطبيعة الفلسطينية، شكله نصف كروي له فتحة في السقف ذات غطاء معدني له مقبض، يمكن رفعه لإدخال الرغيف باليد يوضع داخل حفرة داخل  الأرض بحجمه، ويصنع من الطين، ويوضع فيه الرضف “حصى ناعمة ملساء”.

ويصنع الطابون، من التربة الحمراء الخالصة المعروفة باسم السمقة، ويخلط بها القش الناعم “التبن”، وتنقع التربة في الماء لمدة يومين قبل أن تعجن جيدًا ويصنع منها قاعدة الطابون على شكل حلقة، وتترك لتجف في الظل لليوم الثاني، ويضاف على القاعدة عدة ادوار وتترك لتجف قبل صنع باب الطابون الذي يحتاج إلى دقة في الصنع، ويسمى في هذه المرحلة بـ “القحف” قبل أن يترك لمدة أسبوعين حتى يجف تماما  ويوضع في مكانه المخصص، وهي غرفة صغيرة تأخذ هي الأخرى نفس المسمى  للطابون، ثم تشعل النار بداخله وخارجه بحرارة متوسطة ليحترق القحف ويصبح صلبا كالصلصال.

وفي اليوم الثاني، توضع في الطابون حجارة صغيرة تسمى الرضف وتغطى بغطاء الطابون، ثم يوضع روث الحيوانات حوله من جميع الجهات ويترك لليوم الثاني حتى يتم احتراق الزبل بالكامل، ويصبح الطابون لا دخان له  وجاهزا للخبيز.

ويستخدم روث الحيوانات كوقود لإبقاء الطابون مشتعلا حيث لا تقارن تكلفة استخدام الروث، بتكلفة أسطوانة الغاز التي يبلغ سعرها قرابة 20 دولارًا، بينما روث الغنم لا يكلف قرشا واحدًا لتوفره بكثرة ويوميا من روث الغنم والماشية.

في بلدة الزاوية، إلى الغرب من مدينة سلفيت، تستقبل المواطنة نوال عبد الكريم شقير 47 عاما قائمة من المأكولات “معظمها أكلات تراثية) من زبائنها في البلدة، من أجل طهيها في طابونها الخاص، في تقليد عاشه الريف الفلسطيني لعشرات السنوات قبل أن يتلاشى.

شقير، التي تدير آخر طابون في البلدة، تضع قائمة الطعام لليوم التالي، بعد أن تقوم بتجهيز مسلتزمات طابونها، من روث الحيوانات وتنظيف حجارته من بقايا الوجبات السابقة، في عمل محبب إلى نفسها، كما أنه لا يخلو من التعب والجلوس مطولاً لمتابعة ومعاينة ما أدخلته للطابون.

ولا تتوقف خدمة الطابون على الخبز فقط، إذ تتعدد استخدامات الطابون من صنع المعجنات والحلويات إلى طهي صواني الطعام من خضروات ولحوم.

شغف شقير بإعداد الطعام والخبز في الطابون يعود لطفولتها، حتى إنها تتمسك بلباسها للثوب الفلسطيني المطرز، وحفظها للأغاني والأهازيج التراثية، وما تعلمته من والدتها التي امتهنت حرفة وصناعة صواني القش.

 يثني الصائمون الذين يرسلون إلى شقير لتعد لهم وجبة الإفطار، على حُسن عملها واتقانه، والنكهة المميزة لما يتذوقونه من إعداد طابونها، كالدجاج المشوي وصواني اللحمة والكباب و”مثومة البندورة”، والبطاطا والخضراوات المشوية، بالإضافة إلى الخبز وأقراص الزعتر والسبانخ والجبنة.

 شقير قالت: المذاق يختلف عن أي مطبخ عادي أو مطعم مهما كانت درجة رقيّه، الأمر يعود إلى طبخها كما يقولون على نار هادئة، ما يجعل جميع الوجبات تخرج من الطابون وهي في كامل نضجها “استوائها”.

يعد الطابون لونا من ألوان التراث الشعبي الفلسطيني عمره مئات السنين، يكاد يتلاشى نهائيا من الريف الفلسطيني، بسبب التحول إلى الحضر الذي تشهده القرى الفلسطينية والمجهود الذي يحتاجه، وكثافة دخانه، وظهور وسائل طهي أسرع وذات مجهود أقل، رغم أنه شكّل في السابق مصدر دخل لكثير من الأسر، خاصة تلك التي كانت تنتج الخبز والمناقيش والمعجنات بكميات كبيرة للمخابز والبيوت.

وهذا ما تحاول إسرائيل استهدافه، في خربة أم الخير البدوية جنوبي الخليل، الواقعة في الاستهداف الإسرائيلي في دائرة التضييق على ساكينها من عرب الهذالين بغية تهجيرهم واقتلاعهم من أرضهم.. والمطلوب طابون عائلة سليمان الهذالين.

ويروي منسق اللجنة الوطنية لمقاومة الجدار والاستيطان راتب الجبور بمحافظة الخليل لـ”رؤية”، تفاصيل القصة التي دفعت بجيش الاحتلال لأن يستهدف بـ”التصفية” طابونا للخبز للمرة الثالثة على التوالي، بعد أن حكمت المحكمة العسكرية الإسرائيلية، على صاحبه بمبلغ 100 ألف دولار، إن لم يعلن تبرأه من “الطابون” المصنف بـ”الخطر” على أمن وصحة مستوطني مستوطنة “كرمئيل” المقامة على أراض خربة أم الخير بمحافظة الخليل جنوب الضفة الغربية.

ويقول الجبور إن وقاحة جيش الاحتلال ومستوطنيه بلغت حدا فاق الخيال، فلم يكتفوا بسرقة الأرض واحتلالها، بل ها هم اليوم يعيدون هدم الطابون للمرة الثالثة بذريعة أنه مصنف خطر على صحة عائلة المستوطن يعقوب جولدشتاين من مستوطنة كرمئيل، بسبب رائحة الطابون الذي يعمل كاي فرن تقليدي بالحطب.

ويضيف الجبور هذا الهدم جاء بعد رفع المستوطنين قضية في محكمة الاحتلال العسكرية، طالبوا فيها عائلة الهذالين البدوية التي لا تملك قوت يومها من الخبز بتعويض مالي مقداره 100 ألف دولار، لأنهم يتضررون من رائحة طابون الخبز الذي يملكه الهذالين.

وتقع خربة أم الخير جنوب الخليل، ويقطنها نحو 100 فلسطيني من عائلة واحدة، تعتمد في طهيها للطعام وإعداد الخبز على تنور تقليدي، حيث تعرض التنور لعدة اعتداءات ومحاولات هدم من قبل المستوطنين، بذريعة أنه يصدر رائحة كريهة.

 

ربما يعجبك أيضا