المونيتور| الإمارات نموذجًا.. كيف تسعى دول الخليج لتكون أكبر مصدر للطاقة النظيفة في العالم؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

تتقدم الكهرباء بوتيرة متسارعة لتصبح شريان الحياة للاقتصاد العالمي في عصر تحول الطاقة؛ ما يؤكد الأهمية الحاسمة لتخزين الكهرباء، وقال “جيرارد ميستراليت”، الرئيس الفخري لمجموعة الطاقة الفرنسية “إنجي” وشركة “سويس” لإدارة النفايات والمياه: “لا يمكن نقل الكهرباء لمسافات طويلة، بينما أصبح من الممكن الآن، وهذه نقطة جديدة تمامًا، تخزين وتصدير الهيدروجين المنتج من الكهرباء”.

ويأتي الهيدروجين الأخضر، وهو ناقل طاقة صديق للبيئة يتم الحصول عليه عن طريق تقسيم جزيئات الماء باستخدام التحليل الكهربائي المدعوم بالطاقة المتجددة، كوقود نظيف في المستقبل لتشغيل عمليات النقل والصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة مثل صناعة الصلب.

أما بالنسبة لدول الخليج العربي، والتي لديها أعلى معدلات التعرض للطاقة الشمسية في العالم، فإن احتمال تصدير كميات كبيرة من الكهرباء المتجددة على شكل الهيدروجين ستكون فرصة رائعة لها؛ إذ تحاول تنويع مواردها بعيدًا عن عائدات النفط والغاز. ففي دولة الإمارات العربية المتحدة، شكلت ثلاثة كيانات مملوكة للدولة “ائتلاف أبوظبي للهيدروجين” لتصبح الإمارة الغنية بالوقود الأحفوري مصدرًا رئيسيًّا للهيدروجين الأزرق والأخضر.

وفي تصريحات لـ “المونيتور” قال ميستراليت: “إن توسع سوق الهيدروجين هو جزء من حركة شديدة الضخامة والعمق لتحويل أنظمة الطاقة في العالم نحو مصادر الطاقة الخضراء”. وعلى الرغم من الاختلاف الكبير في التقديرات، قال تقرير صادر عن الاتحاد الأوروبي: إن المحللين يتوقعون أن الهيدروجين النظيف يمكن أن يلبي 24٪ من الطلب العالمي على الطاقة بحلول عام 2050.

ومع ذلك، يظل الهيدروجين الأخضر أغلى بكثير من أنواع الوقود الأخرى، حيث قدرت وكالة ستاندرز آند بورز أن تكاليف إنتاج نقل الطاقة الصديقة للمناخ ستحتاج إلى “أن تنخفض بنسبة تزيد عن 50٪ لتصل إلى 2.0- 2.5 دولار/كجم” لتصبح “بديلًا قابلًا للتطبيق للوقود التقليدي”.

* زيادة احتياطيات الغاز

يُعد تحديد أنواع الوقود البديلة في غاية الأهمية بالنسبة لمصدري النفط في الخليج، الذين يخططون للاستفادة من البنى التحتية الحالية التي تبلغ قيمتها مليار دولار، والخبرات الكبيرة في صناعة الطاقة للاحتفاظ بمكانتهم كموردين عالميين للطاقة. قال ميستراليت إن تطوير الهيدروجين “جزء أساسي من تحول صناعة الطاقة في تلك الدول”.

ومع ذلك، ليس كل الهيدروجين صديقًا للبيئة، حيث إن 98٪ من إنتاج الهيدروجين النقي يتضمن طرقًا كثيفة الكربون باستخدام الغاز الطبيعي أو الفحم، وفقًا لما أفاد به بنك “HSBC”. ففي الواقع، يتطلب إنتاج الهيدروجين الرمادي والبني والأسود الوقود الأحفوري، في حين أن الهيدروجين الأزرق أقل خطرًا حيث يتم التقاط غازات الاحتباس الحراري المنبعثة أثناء الإنتاج وتخزينها.

سيكون الائتلاف الثلاثي الإماراتي إحدى أداوت شركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك) لاستكشاف الهيدروجين الأخضر، إلا أن الرئيس التنفيذي للشركة، “سلطان أحمد الجابر”، أقر أيضًا بأنه سيتم إيلاء اهتمام خاص لزيادة قدرات إنتاج الهيدروجين الأزرق الحالية للاستفادة من “احتياطيات الغاز الكبيرة في البلاد”. وأضاف أن دولة الإمارات في وضع جيد لتصبح “أحد أكبر منتجي الهيدروجين الأزرق الأقل تكلفة في العالم”.

* أكبر مصدر للهيدروجين في العالم

مثل هذه الفرص الاقتصادية أثارت شهية المملكة العربية السعودية أيضًا، فالمملكة تخطط لبناء أكبر محطة هيدروجين خضراء في العالم تعمل بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح في مدينة نيوم العملاقة المستقبلية، كجزء من طموح أوسع لتصبح أكبر مصدري الهيدروجين في العالم. وصرح الرئيس التنفيذي للمشروع بأن المشروع “محوري” لجعل المدينة “رائدة عالمية” في إنتاج الهيدروجين الأخضر.

ولكن على الرغم من فرص السوق، لا يزال نقل الهيدروجين يمثل تحديات استثنائية ومكلفة، لا سيما الحاجة إلى درجات حرارة منخفضة للغاية، فقد أطلقت أول ناقلة هيدروجين سائل في العالم، “سويزو فرونتير”، في عام 2019 في اليابان، وتم تبريدها إلى سالب 253 درجة مئوية.

ومن المقرر أن يبدأ تشغيل المصنع في نيوم في عام 2025 لإنتاج حوالي 240 ألف طن من الهيدروجين الأخضر و1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء القائمة على الهيدروجين، وهي ناقل طاقة أسهل في النقل من الهيدروجين الغازي. فيما امتنعت شركة “أكوا باور” المطورة والمشغلة لمحطة الطاقة السعودية، وهي جزء من مشروع بقيمة 5 مليارات دولار، عن إبداء أية تعليقات حول الموضوع.

وفي سبتمبر 2020، صدَّرت شركة النفط العملاقة “أرامكو” السعودية أول شحنة من الأمونيا الزرقاء في العالم إلى اليابان، التي تخطط بدورها لخفض اعتمادها على واردات النفط والغاز والفحم لتصبح مجتمعًا قائمًا على الهيدروجين، ومحايدًا للكربون بحلول عام 2050.

محطات تحلية تعمل بالوقود الأحفوري

تواجه دول الخليج منافسة شديدة في السباق على ريادة صناعة الهيدروجين العالمية. وعلق وزير الطاقة الأسترالي على ذلك قائلًا: إن البلاد لديها “ميزة تنافسية طبيعية” لتكون “رائدة على مستوى العالم” في تصدير الهيدروجين. أما على الصعيد العالمي، أُعلن عن مشاريع هيدروجين خضراء بقيمة تزيد عن 150 مليار دولار في الأشهر التسعة السابقة لشهر ديسمبر 2020.

وأشار ميستراليت إلى أن القدرة التنافسية لإنتاج الهيدروجين الأخضر في دول الخليج قد “تتأثر أيضًا بغياب موارد المياه العذبة بكميات كبيرة”؛ فقد تم تصنيف الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بين الدول العشر الأكثر تعرضًا للإجهاد المائي في العالم لعام 2040، ويجب توفير المياه العذبة اللازمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر من خلال محطات تحلية المياه كثيفة الاستهلاك للطاقة، والتي – على النقيض من ذلك – تعمل بالوقود الأحفوري.

ومع ذلك، قد يتغير هذا مع إعلان نيوم في يناير 2020 عن صفقة لبناء أول محطة تحلية “قبة شمسية” تعتمد على الطاقة الشمسية لإنتاج المياه العذبة.

وعلى الرغم من التكاليف الباهظة لتحلية مياه البحر، فإن الحصول على الكهرباء منخفضة التكلفة للغاية هو العنصر الحاسم في إنتاج الهيدروجين، وقد تموضعت دول الخليج في هذا الاتجاه جيدًا، حيث حصلت أبو ظبي في عام 2020 على أقل تعريفة للطاقة الشمسية في العالم، فيما انخفضت تكلفة الطاقة الشمسية، على الصعيد العالمي، بنسبة 82٪ في العِقد الماضي لتصبح أقل تكلفة للكهرباء على الإطلاق.

* لم يحن الوقت لسحب استثمارات الوقود الأحفوري

ومع ذلك، ينظر دعاة حماية البيئة إلى طموحات دول الخليج في الهيدروجين بمزيد من الشكوك. فمن جانبه، قال “أحمد الدروبي”، الناشط البارز في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة السلام الأخضر، لموقع “المونيتور”: “لا نرى هذه التحركات على أنها تغيير واضح في النهج ما لم يتم تنفيذها بالتزامن مع استراتيجية واضحة لسحب الاستثمارات من الوقود الأحفوري”.

وفي الواقع، لا يزال الوقود الأحفوري يهيمن على سوق الطاقة العالمي، حيث بلغ الطلب العالمي على النفط الخام 100 مليون برميل يوميًّا في عام 2019.  كما أن دول الخليج، التي تمتلك أقل تكاليف لإنتاج النفط على مستوى العالم، لا تبتعد عن إنتاج الوقود الأحفوري، فهي تظهر وكأنها آخر من قدم على إزالة الكربون من العالم.

وتعتبر الإجراءات المناخية في المملكة العربية السعودية “غير كافية” للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل من درجتين مئويتين هذا القرن، وذلك وفقًا لتحليل “كلايميت أكشن تراكر”، وهو تحليل علمي يتتبع الإجراءات الحكومية للحفاظ على المناخ.

أما في الإمارات العربية المتحدة، فقد اكتشفت حقول نفط برية ضخمة في نوفمبر 2020، ومن المتوقع أن تزيد طاقة إنتاج النفط من 3 ملايين برميل يوميًّا في عام 2016 إلى 5 ملايين بحلول عام 2030. وقال الرئيس التنفيذي لشركة أدنوك: “لن نترك أي فرصة دون تغيير”. فيما تُصر صحيفة “فايننشال تايمز” على أن النفط الإماراتي سيظل مطلوبًا في عصر تحول الطاقة.

لكن أحمد الدروبي أكد أن ثروات دول الخليج تمتد إلى ما هو أبعد من امتلاك أكبر موارد النفط والغاز في العالم، حيث تشمل، على وجه الخصوص، “وفرة من مصادر الطاقة المتجددة”. ولذلك فإن الأنشطة المستدامة “يجب أن تكون في طليعة السياسات الحكومية”.

ومن المرجح أن تختار المنطقة، التي أضعفتها الآثار الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط، طريقًا وسطًا، حيث ينبغي عليها الحفاظ على تدفق عائدات الهيدروكربونات للحفاظ على الاحتياجات المالية قصيرة الأجل، مع تشكيل المستقبل من خلال الاستثمار في بيئة نظيفة. وفي عام 2015، قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي: “بدأنا في خطواتنا الأولى واستعداداتنا المبكرة لاستدامة مواردنا لوداع آخر قطرة نفط”.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا