تشاد ما بعد «ديبي».. تداعيات محتملة في الداخل ودول الجوار

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

عانت دولة تشاد لعقود من الاشتباكات الداخلية والنزاعات الحدودية.. آخر أحداثها مقتل الرئيس إدريس ديبي في معارك مسلحة. حيث أعلن جيش تشاد عبر التلفزيون الرسمي، الثلاثاء، مقتل ديبي وتشكيل مجلس عسكري لتولي السلطة في البلاد لمدة 18 شهرا بقيادة نجل ديبي، الجنرال محمد كاكا الذي يقود الحرس الرئاسي. وقال الجيش في بيانه المتلفز إن «رئيس الجمهورية إدريس ديبي إيتنو لفظ أنفاسه الأخيرة مدافعا عن وحدة وسلامة الأراضي في ساحة المعركة».

وأوضح الجيش أن ديبي (68 عاما) قتل أثناء «مواجهته إرهابيين قادمين من ليبيا في الشمال»، وأنه كان يتفقد القوات التشادية المقاتلة، في منطقة زيكي بإقليم كانم شمالي البلاد، والذي تشهد معارك ضارية بين القوات الحكومية وحركات مسلحة، وقد أسفرت عن مقتل المئات.

تشاد

تفاصيل التطورات التي سبقت مقتل ديبي

مقتل الرئيس التشادي جاء بعد يوم واحد من فوزه بفترة رئاسية سادسة، وبنسبة 79% من الأصوات، ليضيف خمس سنوات جديدة لسنوات حكمه الـ 34 التي حكم فيها البلاد بالحديد والنار، وبرعاية فرنسية خاصة منعته من كل محاولات الإطاحة .

الأنباء الأخيرة من معركة شمال ماو بدت سيئة جداً، حيث أن التصريحات الأخيرة أظهرت موت أكثر من 400 شخص من كلا الطرفين من بينهم كبار الجنرالات من قوات ديبي .

أحداث متسارعة شهدتها الساحة السياسيه في تشاد، وسط تبادل للاتهامات بين الحكومة والمعارضة حول الانتخابات الرئاسية ومن يتحمل تصعيد الموقف، في حين تطرأ المخاوف من حدوث انفجار في المشهد السياسي الهش في تشاد، غداة الانتخابات الرئاسية التي قاطعها العديد من أحزاب المعارضة، لتعلن «جبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد» (FACT) «فاكت» وهي جماعة سياسية عسكرية أسسها ضباط منشقون من الجيش منذ 2016م، بقيادة محمد مهدي علي، عن تمرد يهدف إلى إسقاط إدريس ديبي.

قُتِل إدريس ديبي بعد عقود من الاستبداد والفساد، تسعى فرنسا لإبقاء نظامه من خلال نجله والحاشية العسكرية المحيطة به، في مشهد أقرب لـ«التوريث» مع الفارق في طبيعة الأنظمة في القارة السمراء.

فرنسا

النفوذ الفرنسي

تشاد ليست دولة فقيرة، وإنما هي دولة نفطية على أرضها ثروات هائلة، اكتشفت النفط في عام 1996م في منطقة حوض دوبا يوجد بها ما يزيد عن 800 مليار برميل نفط، وقامت بتصدير البترول لأول مرة عام 2003…لكن الفساد الإداري كحال معظم بلدان أفريقيا حالت دون الاستفادة من هذا النفط.

إدريس ديبي حاكم تشاد الذي قتل اليوم برصاص المعارضة، درس العلوم العسكرية في فرنسا، وكان قائد الجيش في تشاد التي يظللها النفوذ الفرنسي. بدعم فرنسا أطاح بالرئيس السابق حسين حبري الذي هرب إلى السودان سنة 1989 وشكّل جبهة الإنقاذ الوطني، واستولى ديبي على السلطة 1990م. فترة حكمه كانت من أطول فترات الزعماء الأفارقة حكما، فقد كان حليفا مقربا من فرنسا التي رعته ودعمته، أنفق عوائد النفط على شراء السلاح بدلا من ضخها في البنى التحتية والتعليم والصحة .

المنطقة التي تشكل اليوم دولة تشاد، شهدت أحداثا شائكة ومعقدة عبر التاريخ. مع نهاية القرن التاسع عشر ضعفت الممالك الإسلامية التي كانت تحكم البلاد، ووقعت المنطقة تحت سيطرة قائد عسكري سوداني يدعى رابح بن الزبير .

خلال تلك الفترة كانت القوى الاستعمارية الأوروبية – بريطانيا وإيطاليا وفرنسا – كانت قد توغلت في القارة، وتوجهت أطماع الفرنسيين صوب تشاد وحاولت قوات رابح التصدي لها، لكنه هزم مطلع القرن العشرين. أدخلت تشاد تحت اتحاد أفريقيا الاستوائية الفرنسية الذي تأسس عام 1910 وهو تقسيم إداري فرنسي ضم مستعمرات غنية بالموارد الطبيعية .

غير أن فرنسا وحدت صعوبة في إدارة تشاد والسيطرة على البدو من سكانها واقتصر اهتمامها على استخراج القطن دون أن تولي السكان أو الأرض أهمية كبرى. فهجرت قرى لإقامة مزارع القطن وفرضت عمالة إجبارية وضرائب على المواطنين وغيرها من أشكال الاستعمار .

توابع الاستعمار

تمتد فترة الاستعمار الفرنسي لتشاد من عام 1900 – 1960 وكانت لها توابع مدمرة لاحقا، تركيزها الإداري على جنوب البلاد، وإهمالها للشمال أسس لتطور النزاعات الداخلية لاحقا . كما عقدت فرنسا اتفاقيات مع القوى الاستعمارية الأخرى – بريطانيا وإيطاليا – لرسم حدود تشاد مع جاراتها دون مراعاة النزاع القبلي في تلك المناطق وهو ما تسبب في نزاعات حدودية ما تزال آثارها مستمرة إلى اليوم .

بدأت قبضة فرنسا الاستعمارية تخف بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبعد مراحل من الصراع، نالت تشاد استقلالها رسميا في الأول من أغسطس عام 1960 لتبدأ صفحة جديدة ملطخة بماضيها الشائك.

الحكومة الجديدة قيدت النشاط السياسي وفرضت نظام الحزب الواحد في الجنوب، فتشكلت المعارضة المسلحة في الشمال ذي الإغلبية المسلمة والتي سعت لإسقاط النظام وتقليص النفوذ الفرنسي في البلاد، قبل أن يتطور النزاع إلى حرب أهلية استمرت سنوات وتدخلت فيها عدة أطراف من بينها ليبيا وفرنسا والسودان.

ليبيا والخطر القادم من تشاد

كثيرا ما يتركز الحديث عن تشاد حول سوء أوضاعها الأمنية والاقتصادية والتوترات الحدودية مع جاراتها وبالأخص ليبيا والسودان. بعد سيطرة معمر القذافي على الحكم في ليبيا، قدمت الأخيرة الملاذ والدعم المادي لفصائل المعارضة شمالي البلاد ثم احتلت قطاع أوزو عام 1973 الذي تتنازع الدولتان على تبعيته استنادا إلى اتفاقية إيطالية فرنسية لم يجر التصديق عليها واستمر النزاع إلى أن وافق الطرفان على التحكيم الدولي وعاد الإقليم إلى السيادة التشادية بعد انسحاب ليبيا .

استمرت العلاقة بين ليبيا وتشاد متقلبة بين العداء والصداقة وسط اتهامات مستمرة من تشاد بتدخل ليبيا في شؤونها الداخلية وتسليح فصائل المعارضة .

أمام المتغيرات الحاصلة في دولة تشاد، ينبغي على حكومة ليبيا الجديدة أن تولي اهتماما بتأمين الحدود، فالمليشيات التشادية تصنف ضمن أخطر المليشيات في أفريقيا كونها تمتلك السلاح والقدرة على المناورة وسرعة بناء التحالفات مع الانقلابيين، هذه المرونه هي من دفعت مئات الانقلابيين للتحالف معهم.

بشير

السودان.. علاقة مماثلة

علاقة مماثلة تربط تشاد بالسودان، فالدولتان تجمعهما صلات قبلية وتجارية متقاربة، ومع اندلاع أزمة دارفور في السودان عام 2003 لجأ نحو 200 ألف سوداني إلى تشاد وعزز الصراع من الاشتباكات الحدودية الموجودة أصلا بين البلدين والاتهامات المتبادلة بدعم لمتطرفين في الجانب الآخر.

بعد سنوات من الأزمة، وتحديدا في مارس 2008 توصل الطرفان إلى اتفاق مصالحة ينص على ضبط حدود البلدين وعدم دعم حركات التمرد .

على الرغم من حدة كل المتغيرات الداخلية في السودان، إلا أنه من الخطورة الشديدة عدم الاهتمام وتجاهل الصراع الذي يدور في تشاد بين الحكومة والمعارضة، فالفترة الانتقالية في السودان لا يمكنها احتمال حرب أهلية أخرى على الحدود الغربية للبلاد .

اقتصاد هش رغم الثروات الطبيعية

مع بداية القرن العشرين قلبت صفحة جديدة في تشاد، استولى إدريس ديبي على السلطة في 1990 حيث انتخب رئيسا للبلاد في أول انتخابات متعددة الأحزاب منذ الاستقلال . أخمد في عهده عدة محاولات للانقلاب، محكما قبضته على الرئاسة عبر تقييد الصحافة وسجن المعارضين لأكثر من 30 عاما .

رغم وعوده بتحقيق السلام والاستقرار الاقتصادي، إلا أن النتائج على أرض الواقع كانت ضعيفة، إذ تشير الأرقام إلى انخفاض نسبة الفقر بين عامي 2003 – 2011 بنسبة 8% ، حيث أثقل كاهل البلاد استمرار النزاعات الداخلية والاشتباكات الحدودية بالإضافة إلى الديون الخارجية والاعتماد على النفط بشكل أساسي منذ اكتشافه عام 2003 في بلد يتمتع بثروة حيوانية ضخمة ويعيش أغلب سكانه على الزراعة .

تقارير دولية تعتبر اقتصاد تشاد هشا وعرضة لمخاطر كبيرة مثل تقلب أسعار النقط وانعدام الأمن الإقليمي فيظل نشاط لجماعات المتطرفة المسلحة في المنطقة .

سلط الضوء العربي على تشاد مطلع العام 2019 بعد استئناف علاقاتها مع إسرائيل التي كانت قد قطعتها عام 1972 إثر العدوان الإسرائيلي على الدول العربية، واعتبر رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، تلك الخطوة بانطلاقة في تطوير العلاقات بين الاحتلال والعالم الإسلامي في إشارة إلى تشاد ذات الإغلبية المسلمة (52%).

ربما يعجبك أيضا