مركز الإنذار المبكر: حالة اللاحدود.. التهريب بين سوريا ولبنان والمتغيرات الإقليمية

يوسف بنده

رؤية

تُعد قدرة الدولة على ضبط حدودها ومنع كافة مظاهر خرقها، أبرز دلائل السيادة والسيطرة التي تعبر عن قوتها واستقرارها على مستويات أمنية واجتماعية واقتصادية وسياسية، وهو ما لا ينطبق على الحدود السورية اللبنانية، كاستثناء تاريخي وجغرافي يجعل من الصعب الفصل التام بين لبنان وسوريا على مستويات اقتصادية واجتماعية ناهيك عن السياسية. وتوفر حالة المناطق الحدودية بين سوريا ولبنان، مدخلًا لفهم أعمق لواقع العلاقة بين البلدين، وذلك على امتداد تحولات العلاقة السياسية بين الدولتين مع انسحاب القوات السورية من لبنان، وتسارع الأحداث والمتغيرات في كل من البلدين، والتي كانت ذروتها اندلاع الحرب في سوريا. 

شهدت هذه التحولات تفشي نقل السلاح من وإلى سوريا بمستويات متدرجة ومتعددة منذ 2011 وحتى الأن، وذلك بخلاف حركة تهريب البضائع والسلع والأفراد، والتي تعتبر “حالة طبيعية” نشأت مع نشأة الحدود نفسها، حتى وإن جرمتها قوانين الدولتين بشكل رسمي. وهو ما أدى إلى  تكيف سلطات الدولتين مع وجوده، بل وحتى إدارته عبر أنماط متعددة تختلف بمرور الوقت وحسب الحاجة، خاصة وأن متغيرات العقد الماضي لم تكن محصورة بخصوصية العلاقة بين الدولتين، وكذلك أوضاع كل منهما الداخلية، ولكن أيضاً بمتغيرات إقليمية ودولية جعلت هناك حاجة وضرورة لاستمرار حركة التهريب وإدارتها وفق معايير متعددة ديناميكية، أقلها على المستوى السياسي العقوبات على سوريا والانهيار في لبنان.

بانوراما التهريب بعد 2011

شكلت الحرب في سوريا المرحلة التي شهد فيها التهريب بين البلدين الطفرة الأهم والأشمل، للدرجة التي جعلته بصورته الاعتيادية أمرًا “مشروعًا” بل ومحبذًا على وقع أزمة كورونا وعقوبات” قيصر،” وأن ينخفض سقف المطالبات الأممية للحد منه ومقاومة ما يخص الاتجار وتهريب البشر، فيما تتقاطع كل من واشنطن وموسكو وتل أبيب وطهران فيما يتعلق بحركة نقل الأسلحة على جانبي الحدود، وذلك كأولوية مطلقة تجعل ما دونها أمراً معتاداً، بما في ذلك مثلاً حركة تهريب المخدرات من سوريا إلى لبنان إلى الخارج وخاصة الدول الخليجية، والتي باتت تشكل في الآونة الأخيرة نقطة خلاف بارزة بين عواصم هذه الدول وبيروت، وذلك في تناقض لما يحدث من تقارب بينهم وبين دمشق.

من أهم ملامح هذه الطفرة هو نشأة ما أطلق عليه لاحقاً معابر التهريب غير الرسمية، والتي تتراوح حسب مختلف التقديرات بين العشرات إلى ما يتجاوز المئة معبر على طول الحدود اللبنانية -السورية من الشمال وحتى الجنوب الشرقي، نُقل عبرها خلال السنوات ال10 الماضية ما يتجاوز ما قيمته 20 مليار دولار من السلع والبضائع والوقود، وذلك بخلاف قيمة المخدرات والسلاح.

 أهم ما يميز هذه المعابر، بخلاف تغير مواقعها وأهميتها باستمرار طبقاً لحجم تدفق البضائع والأشخاص والمشهد الأمني والعسكري، هو خضوعها لسلطة الأمر الواقع بعيدًا عن سلطة الدولة الرسمية في البلدين، بما يعني أنها تخضع لسلطة شبكات النفوذ والمصالح المستفيدة من عمليات التهريب، والتي تتكون من نسيج أضداد براجماتي يجمع المسؤولين الرسميين بالمسلحين المعارضين بقادة المليشيات وزعماء العشائر والعائلات التي تقطن المناطق الحدودية.

للاطلاع على التقرير الأصلي، اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا