لماذا لا تستطيع أوروبا الاستقلال عسكريًا عن الولايات المتحدة؟

5 عقبات تواجه أوروبا في طريقها للاستقلال العسكري عن واشنطن

آية سيد
لماذا لا تستطيع أوروبا الاستقلال عسكريًا عن الولايات المتحدة؟

قد يستغرق الأمر 10 سنوات أو أكثر كي تطور أوروبا قدرات كافية لحماية نفسها.


أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بشأن روسيا والناتو، التساؤلات بشأن قدرة أوروبا على الدفاع عن نفسها.

وتزداد المخاوف لأن الدول الأوروبية تعتمد بشدة على الولايات المتحدة للحصول على بعض القدرات الحيوية، وقد يستغرق الأمر 10 سنوات أو أكثر كي تطور أوروبا قدرات كافية لحماية نفسها، وفق ما جاء في تحليل نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أمس الأربعاء 21 فبراير 2024.

هل تستطيع أوروبا تدبر أمرها؟

في التحليل، طرح أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، ستفين والت، نظريتين راسختين لهما علاقة بقدرة أوروبا على تنظيم أمورها. الأولى هي نظرية توازن القوة، أو توازن التهديد. وتتوقع النظرية أن يدفع تهديد خارجي خطير على الأمن الأوروبي معظم الدول الأوروبية إلى توحيد قواها لردع التهديد.

وهذا الدافع سيزداد قوة إذا فهمت هذه الدول أنها لا تستطيع الاعتماد على أحد من أجل الحماية. والزيادات الأخيرة في الإنفاق الدفاعي الأوروبي، وقرارات السويد وفنلندا بالانضمام إلى الناتو، توضح ميل الدول المهددة إلى تحقيق التوازن التام، وهذا يدفع إلى التفاؤل بشأن استعداد أوروبا لتولي قدر أكبر من المسؤولية الدفاعية.

متى انضمت دول الناتو إلى الحلف؟ scaled

متى انصمت دول الناتو إلى الحلف

لكن النظرية الثانية تجعل هذه النتيجة غير مؤكدة. ولأن الأمن “مصلحة مشتركة”، تميل الدول في تحالف ما إلى الانتفاع مجانًا من جهود الدول الأخرى، على أمل أن شركاءهم سيفعلون ما يكفي لإبقائهم سالمين وآمنين.

مأزق الناتو

أشار والت إلى أن هاتين النظريتين معًا تبرزان المأزق الذي يواجهه الناتو اليوم. والخبر السار هو أن الأعضاء الأوروبيين في الناتو لديهم قدرات كامنة أكبر بكثير من روسيا. فهم يمتلكون عدد سكان أكبر بـ3 أو 4 مرات من روسيا، واقتصاداتهم مجتمعة أكبر بـ10 مرات من اقتصاد روسيا.

ولا تزال الكثير من الدول الأوروبية تملك صناعات سلاح متطورة، وأعضاء الناتو الأوروبيين وحدهم ينفقون على الدفاع 3 أضعاف ما تنفقه روسيا كل عام.

عقبات في الطريق

حسب والت، الخبر السيء هو أن جهد تشكيل قوة دفاع أوروبية قادرة يواجه عقبات كبرى. الأولى هي أن أعضاء الناتو الأوروبيين لا يتفقون بشأن مستوى، أو حتى هوية، مشكلاتهم الأمنية الرئيسة. بالنسبة لدول البلطيق وفنلندا، روسيا هي الأخطر الأكبر. أما بالنسبة لإسبانيا وإيطاليا، تمثل الهجرة غير الشرعية تحدي أكبر.

والثانية هي أن أولئك الذين يريدون أن تفعل أوروبا المزيد يواجهون مأزقًا حساسًا، وهو إقناع الشعب بوجود مشكلة خطيرة، وإقناعهم أن حل المشكلة لن يكون مكلفًا أو صعبًا.

ولذلك يجب أن يصدق الأوروبيون أن روسيا خطيرة، لكن يجب أن يصدقوا أيضًا أنهم يستطيعون التعامل مع المشكلة حتى إذا لم تقدم الولايات المتحدة الكثير.

الأسلحة النووية

العقبة الثالثة التي أشار إليها والت هي الدور الغامض للأسلحة النووية. فإذا اعتقدت الدول أن الأسلحة النووية يمكنها ردع الأعمال العدائية واسعة النطاق، ستقل الحاجة إلى بناء قوات تقليدية كبيرة ومكلفة.

لكن إذا لم تكن الدول واثقة في الاعتماد على الردع النووي الموسع، أو لا تريد التهديد باستخدام الأسلحة النووية للرد على التحديات الصغيرة، سترغب في امتلاك المرونة التي توفرها القوات التقليدية.

إنفوجراف| الأسلحة النووية الأمريكية في أوروبا

الأسلحة النووية الأمريكية في أوروبا

الصناعات الدفاعية

العقبة الرابعة هي أن الدول الأوروبية لا تزال تفضل الاستثمار في صناعاتها الدفاعية وقواتها المسلحة، بدلًا من التعاون لتوحيد الأسلحة واستحداث استراتيجية وخطط دفاعية مشتركة.

أما العقبة الأخيرة، حسب والت، فهي تناقض أمريكا بشأن تشجيع أوروبا على الاعتماد على نفسها. فالولايات المتحدة أرادت أن يصبح شركاؤها الأوروبيون أقوياء عسكريًا ومتحدين سياسيًا، لكن ليس بدرجة كبيرة. والسبب هو أن هذا الترتيب عظّم نفوذ أمريكاعلى ائتلاف من الشركاء القادرين لكن التابعين.

تحمل المسؤولية

رأى والت أن أوروبا لن تبذل المزيد من الجهد إذا كان قادتها مقتنعون بأن الولايات المتحدة “ستفعل كل ما في وسعها” تحت أي ظرف. ولذلك فإن الشكوك المتنامية بشأن الالتزام الأمريكي ستمنح الأوروبيين حافزًا قويًا لحشد قدرتهم الاقتصادية وإمكاناتهم العسكرية الكامنة بفاعلية أكبر، بدافع المصلحة الذاتية.

وبالتالي، يتعين أن يشجع المسؤولون الأمريكيون هذا التطور، بغض النظر عمن سيربح الانتخابات الأمريكية المقبلة. وقال والت إن عملية إعادة الأمن الأوروبي إلى الأوروبيين يجب أن تكون تدريجية، كجزء من تقسيم جديد للعمل عبر الأطلسي.

وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة سيدفع أوروبا إلى تحقيق التوازن بقوة أكبر، وكذلك فإن التحرك ببطء لكن بثبات في هذا الاتجاه سيمنح حلفاء واشنطن الوقت للتغلب على معضلات العمل الجماعي التي ستنشأ حتمًا.

ربما يعجبك أيضا