القس “برانسون”.. “ورقة اللعب” لأردوغان في مواجهة ترامب

يوسف بنده

رؤية

رفضت محكمة تركية الأسبوع الماضي التماساً جديدا بالإفراج عن القس الموضوع قيد الإقامة الجبرية ويحاكم بتهم على صلة بالإرهاب، وهي الثغرة القانونية التي كانت من الممكن أن تكون طوق نجاه للعلاقات التركية الأمريكية.

وضاعف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرسوم الجمركية على تعرفة الألومنيوم والفولاذ التركيين، فردت تركيا بزيادة الرسوم الجمركية على العديد من المنتجات الأمريكية، وهددت بالرد بالمثل إذا فرضت واشنطن مزيداً من العقوبات.

وأدت المواجهة الدبلوماسية إلى تدهور العملة التركية مقابل الدولار.

اللجوء إلى الدستورية

وفي تطور جديد، أعلن محامي القس الأمريكي اندرو برانسون المحتجز في تركيا، اعتزامه اللجوء إلى المحكمة الدستورية في تركيا للاعتراض على احتجاز موكله.

وفي تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية، قال اسماعيل جيم هالافورت، أمس الإثنين، إنه سيقدم، في غضون شهر، اعتراضا لدى المحكمة على وضع موكله قيد الإقامة الجبرية ومنعه من السفر إلى الخارج.

وسيكون محامي برانسون قد استنفد كل الطرق القانونية المتاحة له في تركيا لإخلاء سبيل موكله في حال رفضت المحكمة الدستورية الاعتراض، كما فعلت من قبل المحكمة التي تدنوها في المرتبة، وعندئذ يمكنه التقدم بشكوى لدى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورج.

كانت محكمة تركية في أزمير، رفضت يوم الجمعة مجددا الإفراج عن برانسون. 

وكانت السلطات التركية قد ألقت القبض على برانسون في 2016، بتهمة تقديم الدعم لحزب العمال الكردستاني المحظور (بي كيه كيه)، وحركة الداعية التركي فتح الله كولن المقيم في الولايات المتحدة، والذي يحمله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المسؤولية عن محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في يوليو .2016 وأضاف هالافورت أن الدعوى ترتكز على “أقوال عبثية تماما لشهود هوية بعضهم بقيت قيد السرية”، مشيرا إلى أن الواقعة سياسية الدوافع كما هو الحال مع الصحفية والمترجمة الألمانية ميسالي تولو التي جرى إلغاء قرار حظر السفر الصادر بحقها.

وتابع هالافورت حديثه قائلا: “هل لا يزال هناك أحد يقول جادا إن تركيا لديها قضاء مستقل؟”، وقال: “أندرو برانسون بريء والأمر نفسه ينطبق على تولو”، وأعرب عن سروره بإتاحة إمكانية السفر بالنسبة لتولو.

ترامب مستاء

وقد عبّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خيبة أمله من سلوكيات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وردوده فيما يتعلق بقضية القس أندرو برانسون المحتجز في تركيا منذ أكثر من 21 شهراً. 

وقال ترامب: لن تكون هناك أية تنازلات لتركيا فيما يتعلق بقضية برانسون، وإن أردوغان لم ينفّذ الشقّ الخاص به لإطلاق سراح برانسون، بعد أن كان قد اتفق معه على أنه سيطلب من إسرائيل إطلاق سراح المواطنة التركية “إبرو أوزكان” التي كانت قد اعتقلتها إسرائيل واتهمتها بالإرهاب في منتصف يوليو/ تموز.

وقد استبعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس الإثنين تقديم أي تنازلات لتركيا لإطلاق سراح القس الأمريكي أندرو برانسون المحتجز لدى أنقرة، وقال إنه غير قلق من أن يكون للرسوم الجمركية الانتقامية التي فرضها أثر يضر بالاقتصاد الأوروبي.

ولفت ترامب إلى أن علاقة بلاده بتركيا “لا يمكن أن تمضي في اتجاه واحد، ولن يستمر الأمر على هذا النحو بالنسبة للولايات المتحدة”، في إشارة حملت إمكانية التصعيد من قبله، وإلى نفاد صبر بلاده على ممارسات الحكومة التركية وسياساتها. 

وقال ترامب -في مقابلة مع رويترز في المكتب البيضاوي- إنه ظن أنه أبرم اتفاقا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عندما ساعد في إقناع إسرائيل بإطلاق سراح مواطنة تركية محتجزة. وأضاف أنه كان يعتقد أن أردوغان سيرد على ذلك بإطلاق سراح القس أندرو برانسون.

وقال: “أعتقد أن ما تفعله تركيا مؤسف للغاية. أعتقد أنهم يرتكبون خطأ فادحا. لن تكون هناك تنازلات”.

سياسة المقايضة

على غرار الأدوات الإيرانية في إدارة أوراق التفاوض، كانت تهدف تركيا من وراء احتجاز القس الأمريكي برانسون، الضغط على الإدارة الأمريكية لتسوية بعض الملفات العالقة بين البلدين، منها ملف جماعة الخدمة وزعيمها فتح الله كولن، المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، وقضايا أخرى مثل قضية بنك خلق/ الشعب المتهم بتخطي العقوبات الأمريكية على إيران، إلى جانب المشاكل الجمركية والتجارية بين البلدين.

وسياسة المقايضة ليست جديدة على قيادة العدالة والتنمية اذ سبق وعرض الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مبادلة القس الأمريكي المسجون في تركيا، مقابل تسلم رجل الدين فتح الله كولن، الذى يعيش بالمنفى في الولايات المتحدة، ويتهمه أردوغان بتدبير محاولة فاشلة للإطاحة به من السلطة في عام 2016.

وقال أردوغان: “أعطونا “كولن”، وسنحاكم أندرو برانسون أمام المحكمة ونسلمه لكم”.

وخاطب أردوغان الولايات المتحدة، الخميس، قائلا: “هل يوجد لديكم نظام قضائي، ونحن لا يوجد لدينا؟” مضيفا أن برانسون يمثل أمام المحكمة، أما كولن فلا يواجه محاكمة.

ويستند أردوغان في تطبيقه لاستراتيجية “المقايضة” على مرسوم صدر في أواخر أغسطس 2017، يطلق يده في عقد صفقات لمبادلة الأجانب المحتجزين في بلاده، مقابل أتراك موقوفين أو محكومين في دول أخرى.

واستخدم أردوغان هذا المرسوم كورقة للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، حيث طلب من واشنطن تسليم فتح الله كولن، المتهم من قبل أنقرة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب في 2016، مقابل إطلاق سراح القس الأمريكي أندرو برانسون، والذي ألقي القبض عليه في تركيا بأكتوبر 2016، بتهمة الانتماء إلى شبكة كولن.

تسوية ملف بنك خلق

كشفت تقارير صحفية عن جانب جديد يتعلق بموضوع القس الأمريكي برانسون المعتقل في تركيا وموضوع بنك خلق التركي.

وقالت التقارير: ان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفضت عرض تركيا الإفراج عن القس أندرو برانسون لقاء وقف ملاحقة بنك خلق التركي المهدد بغرامات أمريكية بمليارات الدولارات، وفق ما أفادت صحيفة وول ستريت جورنال أمس الإثنين.

وذكرت الصحيفة أن تركيا طلبت وقف التحقيق الجاري في بنك خلق الذي قد تفرض عليه غرامات بتهمة مساعدة إيران على تجنب العقوبات الأمريكية.

ولكن الإدارة الأمريكية قالت إنها لن تبحث مسألة الغرامات ومسائل أخرى موضع خلاف بين الجانبين قبل إطلاق برانسون، وفق ما نقلت الصحيفة عن مسؤول كبير في البيت الأبيض.

ونقلت عن المسؤول -الذي لم تذكر اسمه- أن “حليفاً حقيقياً في حلف شمال الأطلسي ما كان سيوقف برانسون من الأساس”.

التغطية على الأزمات الداخلية

تساعد أزمة القس الأمريكي، الرئيس التركي في التغطية على أزمة بلاده الداخلية المتعلقة بانهيار الليرة، حيث لا تعد الخلافات مع الولايات المتحدة هي السبب الرئيس في الأزمة، ومع ذلك يجد أردوغان في أزمة القس “برانسون” فرصةً لإشغال الرأي العام وإلقاء اللوم على الولايات المتحدة الأمريكية.

ويقول المحلل التركي، إرغون باباهان، في تقرير له: أردوغان الذي يعد المسؤول الأول عن معظم الكوارث الاقتصادية الحالية التي تضرب البلاد وجد طوق النجاة متمثلا في صورة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حتى بعد أن أدت تغريدة واحدة منه إلى توجيه ضربة قاضية إلى الليرة المنهارة أصلا.

ومع علمه بحجم المخاطر المالية التي تواجه البلاد، لم يفوت أردوغان الفرصة لإحراز هدف سياسي جديد، وبدأ على الفور في إلقاء اللوم على الولايات المتحدة في المشاكل الاقتصادية التي تواجهها تركيا، حتى ولو انطوى ذلك المسلك على خطر حدوث المزيد من التقلبات لقيمة الليرة غير المستقرة في الأساس.

والآن يزعم المسؤولون الأمريكيون، وحتى لو عن غير اقتناع كامل، أن تغريدة ترامب تسببت في الأزمة المالية الأخيرة في تركيا، لكن الرسالة لم تجد سوى آذان صماء في تركيا.

أما وسائل الإعلام التركية هذه الأيام فهي مجرد بوق إعلامي لأردوغان يعمل فقط لنشر ما يريد، وليس ما يحدث على أرض الواقع.

وقد حذر وزير الاقتصاد السابق محمد شيمشك منذ شهور من أن تركيا على وشك الدخول في أزمة اقتصادية طاحنة، ووبخه أردوغان جراء ذلك التحذير. 

الورقة الرابحة

ويستطرد الخبير التركي، إرغون باباهان، أنه مع تصاعد الخلاف مع واشنطن حول احتجاز القس الإنجيلي أندرو برانسون، نجح أردوغان في ضرب من ثلاثة إلى خمسة عصافير بحجر واحد:-

1- نجح في إلقاء كامل اللوم على الأزمة المالية والتبعات الطبيعية لسنوات من سوء الإدارة على الولايات المتحدة وترامب. وحتى إذا ارتفعت معدلات التضخم إلى 100 في المئة وانخفضت قيمة الليرة إلى 20 مقابل الدولار الواحد، فإن المواطنين الأتراك سيلقون باللوم على ترامب، وليس على أردوغان.

وسيدفع مؤيدوه والقوميون الذين يزعمون أن سياسات أردوغان تعمل على توسيع موارد الاقتصاد التركي بحماس وإصرار بأن كل المشاكل التي تواجه تركيا سببها هجمات الإمبرياليين والصهاينة والمبشرين الإنجيليين. بل والأكثر مدعاة للقلق أن بعض القطاعات من المواطنين ستورث هذا الاعتقاد إلى الأجيال القادمة.

2- سيتم النظر مرة أخرى إلى أردوغان باعتباره زعيما تجرأ على مواجهة الولايات المتحدة، وخاصة بين مؤيديه من الإسلاميين المخلصين في تركيا وخارجها. أما حقيقة أنه تناطح مع بوتين قبل أن يغير موقفه 180 درجة ويعتذر له فستذهب في طي النسيان، مثلها مثل حقيقة أنه يحاول الآن التقرب من ألمانيا التي كان قد اتهمها في السابق باتباع “ممارسات النازية”.

3- سوف يتفاخر الآن بانخفاض قيمة الليرة بنسبة 50 في المئة باعتباره نجاحا ينبغي الاحتفاء به، خاصة مع حشد جهود المواطنين ورجال الأعمال للعودة بسعر الصرف مرة أخرى إلى 5.50-6 ليرة مقابل الدولار من 7.20 ليرة، حتى على الرغم من أنهم يعرفون أن ضغوط التضخم ستؤدي إلى هبوط قيمة العملة بشكل تدريجي آجلا أو عاجلا.

4- سيكون أيضا بإمكان أردوغان تقويض المعارضة وتحييدها في نهاية المطاف. وبدلاً من مناقشة الأسباب الحقيقية للأزمة المالية، اصطفت أحزاب المعارضة بحماس خلف رئيس البلاد في مهاجمة سياسات الولايات المتحدة. واليوم، يبدو وأن خصوم أردوغان السياسيين لا يملكون أي خيار سوى تأييده. وربما نرى التبعات الأولى لهذا التوجه في الانتخابات المحلية المقبلة في مارس.

5- وفي نهاية الأمر سوف ينظر الناس إلى أردوغان بوصفه زعيما سياسيا يعمل على حماية بلاده وشعبه من خلال الوقوف في وجه أمريكا بكل شجاعة.

الآن، وبعد أن حقق الكثير من المكاسب، ليس لدى أردوغان أي سبب للإبقاء على برانسون في السجن. بل أن الاستمرار في رفض إطلاق سراحه من شأنه أن يخاطر بخسارة كل هذه المكاسب.

ولهذا السبب، كتب عبد القادر سلفي، وهو كاتب مؤيد للحكومة ومعروف بعلاقاته الوثيقة مع إدارة أردوغان، أنه من المرجح أن يتمكن برانسون من السفر إلى الولايات المتحدة في القريب العاجل.

وستأتي عطلة عيد الأضحى  لتعطي الجميع في تركيا مهلة من النقاشات العامة المحتدمة، فيما سيبقي سعر الصرف الحالي رجال الأعمال راضين في الوقت الراهن بعد أن استعاد عافيته جزئيا.

ومن الممكن أيضا أنه بمجرد عودة برانسون إلى أراضي الولايات المتحدة أن يبادر ترامب بنشر تغريدة تتحدث عن انتصاره قبل أن يقوم بالاتصال بأردوغان هاتفيا لكي يشكره.

وقد يفسح ذلك الطريق أمام الزعيمين لعقد اجتماع على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر لمناقشة المسائل المتبقية.

ومن الممكن أيضا أن يكرر أردوغان خلال هذا اللقاء الخاص مطالبته بفرض غرامة أقل على بنك خلق مقابل الإفراج عن باقي السجناء الأمريكيين وموظفي القنصلية.

وبعد كل هذا، سينتهي الأمر بتركيا خاضعة لنظام فرد واحد دون أي معارضة وبشعب أكثر عداءً للولايات المتحدة.

ربما يعجبك أيضا