باحثة لـ«رؤية»: أمريكا اللاتينية تتضامن مع فلسطين.. والجنوب العالمي قادر على موازنة الكتلة الغربية

إليان بطرس: التسارع في الأزمات يمهد لتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب

آية سيد
في حوار مع شبكة رؤية الإخبارية، توضح المدير التنفيذي لمركز السلام للدراسات الاستراتيجية والباحثة في شؤون أمريكا اللاتينية، إليان بطرس، موقف أمريكا اللاتينية والجنوب العالمي تجاه حرب غزة وانعكاساته على النظام الدولي.

في حوار مع شبكة رؤية، توضح الباحثة في شؤون أمريكا اللاتينية، إليان بطرس، موقف الجنوب العالمي تجاه حرب غزة وانعكاساته على النظام الدولي.


ردًا على العدوان الإسرائيلي على غزة، أعربت معظم دول أمريكا اللاتينية عن تضامنها مع فلسطين، وسحب تعدد منهم سفرائها من إسرائيل.

واتفقت تلك المواقف مع الدول العربية والإسلامية والإفريقية، التي يُشار إليها بدول الجنوب العالمي. فما دلالات ذلك، وكيف تنعكس على النظام الدولي؟ المدير التنفيذي لمركز السلام للدراسات الاستراتيجية، إليان بطرس، تجيب على هذه التساؤلات في حوار مع شبكة رؤية الإخبارية.

باحثة سياسية لـ«رؤية»: أمريكا اللاتينية تتضامن مع فلسطين.. والجنوب العالمي قادر على تشكيل ثقل موازن للغرب

المدير التنفيذي لمركز السلام للدراسات الاستراتيجية والباحثة في شؤون أمريكا اللاتينية، إليان بطرس

مواقف تاريخية تجاه القضية الفلسطينية

أوضحت إليان بطرس أن المواقف الحالية للدول اللاتينية تتسق مع مواقفها في الماضي تجاه القضية الفلسطينية، وعزت ذلك إلى وجود عدد كبير من الفلسطينيين المقيمين بمختلف دول القارة، سواء تشيلى أو فنزويلا أو البرازيل، كما أطلقوا أسماء بعض المدن الفلسطينية على عديد من الشوارع هناك.

وأضافت أن “طبيعة الشعوب اللاتينية تتجسد في كونها شديدة التعاطف مع المواقف الإنسانية، التي ترفض جذريًا إيذاء المدنيين والأطفال والنساء على وجه الخصوص”، وأرجعت ذلك لعدد من الأسباب منها “أنها شعوب ذاقت الاستعمار والحروب الأهلية، وكافحت وقاومت السياسات الاستعمارية على مدار التاريخ”.

باحثة سياسية لـ«رؤية»: أمريكا اللاتينية تتضامن مع فلسطين.. والجنوب العالمي قادر على تشكيل ثقل موازن للغرب

مظاهرات موالية لفلسطين في تشيلي

أسباب التعاطف مع فلسطين

في حوارها مع “رؤية”، قالت إليان بطرس إن “هذه الشعوب تتكون من سكان أصليين ومهاجرين، بينهم الكثير من العرب، ومعاناة هذه الشعوب الأصلية للحصول على حقوقها تتشابه مع مطالب وحقوق الشعب الفلسطيني ومقاومته ضد الاحتلال وسياسات الاستيطان”.

وأوضحت الباحثة المصرية أن السبب الثاني هو تشعب الفكر اليساري في هذه المنطقة، سواء في الماضي أو الحاضر، خاصة بعد تولي معظم زعماء اليسار الحكومات الحالية في منطقة أمريكا اللاتينية.

وقالت: “من المتعارف عليه أن اليسار دائمًا ما يقف في دعم استعادة الشعوب الأصلية لحقوقها، بعد تعرض عدد كبير منهم للإبادة والتهجير بأنحاء العالم. وبالتالي يُنظر للقضية الفلسطينية على نفس النسق، على اعتبار أنهم السكان الأصليون وأن ما يحدث معهم بمثابة إبادة جماعية يشهد عليها العالم”.

التأثير في علاقات أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة

قالت إليان بطرس إن عددًا من دول أمريكا اللاتينية تتعرّض للحصار الأمريكي، وعلى رأسها كوبا وفنزويلا، موضحةً أن الولايات المتحدة “ترى في منطقة أمريكا اللاتينية الفناء الخلفي لها، ودائمًا ما تسعى للسيطرة عليه، وتضغط على هذه الدول بقدر كبير، وتعرقل الإنجازات التي تسعى كل دولة لتحقيقها، حتى تظل هي المهيمنة.

وتوقعت أن سيؤثر تضامن دول المنطقة مع القضية الفلسطينية بالفعل في علاقاتها مع الولايات المتحدة، وقد تواجه مزيدًا من التضييق والحصار الاقتصادي، بعد طرد عدد منها لسفراء إسرائيل وتضامنها الواضح مع القضية.

الاختلاف بين حرب أوكرانيا وغزة

أوضحت الباحثة في شؤون أمريكا اللاتينية لـ”رؤية” أنه في بداية الاشتباكات أدان عدد من دول أمريكا اللاتينية هجوم حماس على الإسرائيليين على أساس الموقف الإنساني، لكن حي تفاقم الأمر، وأصبحت إسرائيل تتصرف بعنف وتجاوز حقها في رد الفعل، تراجعت الدول عن حيادها وأصبحت هنا القضية مختلفة.

وفي ما يتعلق بموقفها من الحرب في أوكرانيا، قالت إليان بطرس إنه “لا يتشابه مع هذا الموقف، لأنه ببساطة لم تتعرض أوكرانيا لمثل هذه الإبادة التي تحدث للشعب الفلسطيني، ولا توجد مقارنة في حجم الخسائر والعنف بالنسبة للأطفال والنساء والمدنيين، كما تتعرض له فلسطين، ليس فقط اليوم ولكن على مدار التاريخ”.

وتابعت: “القضية الفلسطينية ليست وليدة اليوم، بل تتعمق وتشتد المعاناة يومًا بعد يوم، كما أن الولايات المتحدة دائمًا ما تساند أوكرانيا وتدعمها بالسلاح، كما هو الحال مع إسرائيل، بل وبقدر أكبر، ما دفع هذه الدول إلى الاصطفاف لمواجهة التدخلات الأمريكية والغربية في هذه الأزمات، وإن كانت هذه الأدوات تختلف من ملف إلى آخر”.

ثقل موازن للكتلة الغربية

رأت إليان بطرس أن ردود فعل دول الجنوب العالمي “تمثل نواة جديدة لإعادة الاصطفاف وتعزيز مواقفها في مناصرة بعض القضايا المثارة على الساحة الدولية، موضحة أنها نابعة من السياسات الاستعمارية كما هو الحال بالنسبة للقضية الفلسطينية.

وأشارت إلى أن هذه المواقف “تعني أنها قادرة على تشكيل ثقل موازن للكتلة الغربية، خاصةً أن مواقفها تتفق مع موقف روسيا والصين في التصويت داخل المجالس الإقليمية والدولية، لافتةً إلى أن دول أمريكا اللاتينية، والجنوب العالمي بنحو عام، من أكثر مناطق العالم التي تأتي منها أصوات الإدانة للكيان الصهيوني.

وأضافت أن مواقف هذه الدول “كانت الأكثر حدة في إدانة العدوان، وهكذا نحن أمام اصطفاف جديد لتوجهات دول الجنوب العالمي، التي تتماشى مع توجهات الصين وروسيا في مواجهة المعسكر الغربي، الذي بات يواجه انحصارًا كبيرًا في سياساته في معالجة الأزمات المثارة على الساحة الدولية، ما أفقده الكثير من الزخم.

تعرية الانحياز الغربي

لفتت إليان بطرس إلى أن تصحيح الصورة، التي ذهبت في البداية للغرب، بعد تزييف إسرائيل للحقائق، أدى إلى انطلاق مسيرات في مختلف الدول الأوروبية، تضاهي مسيرات الدول العربية ومواقفها.

وحسب الباحثة المصرية، أصبحت الصورة أمام العالم أكثر وضوحًا لدرجة أن بعض الدول المؤيدة لإسرائيل تعرضت للضغط والإحراج أمام العالم، لتتراجع عن تصريحاتها بشأن دعم إسرائيل، بعد أن أصبحت الشعوب الأوروبية تمتلك الوعي والحقيقة بما يحدث من جانب إسرائيل وداعميها.

باحثة سياسية لـ«رؤية»: أمريكا اللاتينية تتضامن مع فلسطين.. والجنوب العالمي قادر على تشكيل ثقل موازن للغرب

ماظهرات موالية لفلسطين في الأرجنتين

فجر نظام دولي متعدد الأقطاب

أضافت إليان بطرس، في حوارها مع “رؤية”: “لعل ما عمل على تعزيز هذه التوجهات هو أن ملامح جديدة بدأت في التشكل، خاصة في ما يتعلق بوجود نظام عالمي متعدد الأقطاب، وأصبح من الممكن تشكيله نتيجة التسارع في الأزمات التي تهدد الهيكل الدولي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وتابعت: “صحيح أن قوة الولايات المتحدة لا يستهان بها، لكنها تراجعت، واهتزت صورتها أمام العالم، بسبب دعمها للحروب ودفعها بمزيد من الدماء بإرسال جنود وأسلحة لإسرائيل، وهو الأمر الذي أصبح واضحًا للجميع حتى رفضت شعوبها هذا التضامن غير المشروط”.

ورأت الباحثة المتخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية أنه ضمن هذا السياق، “لا يمكن الاستهانة بالدور الروسي والصيني الذي يدعم هذا التحول بدرجة كبيرة”.

دور البرازيل في النظام الدولي الجديد

قالت الباحثة المصرية إن البرازيل في وضع يؤهلها بنحو كبير لاستعادة وضعها كقوة اقتصادية ودولة قائدة داخل منطقة أمريكا اللاتينية، خاصة بعد تولي الرئيس لولا دا سيلفا الحكم.

وقالت: “في رأيي لابد أن تحافظ البرازيل على هذه الفرصة، لأنها قد لا تتكرر مرة أخرى، لاستعادة قوتها ودورها من جديد في المنطقة. ووجودها داخل نظام عالمي متعدد الأقطاب يفسح لها المجال لتحقيق النجاح والتقدم لتُدرَّس تجربتها من جديد”.

وأشارت إلى أن “الدولة التي حققت إنجازًا في الماضي تستطيع أن تعيد أمجادها، وتحققه من جديد، خاصةً بوجود قيادة يسارية في معظم دول المنطقة، ما يفسح لها المجال لمزيد من المواءمات والتوافق وتحقيق المصالح المتبادلة”.

ربما يعجبك أيضا