ساحة الاستقلال.. قصة مسرح الثورات في أوكرانيا

أماني ربيع

تعد ساحة الاستقلال أو ميدان الاستقلال في العاصمة الأوكرانية كييف، مسرحًا لكل الأحداث السياسية التي تعرضت لها البلاد على مدار تاريخه.. فما قصته؟


خلال الأسابيع الماضية، احتلت أوكرانيا عناوين الأخبار حول العالم، لتتوجه الأنظار نحو ساحة ميدان الاستقلال التي أصبحت رمزًا للاحتجاجات في أوكرانيا، والصورة الرئيسية لأي خبر عن البلاد.

يعد ميدان نيزاليزنوستي، المعروف باسم ساحة الاستقلال في قلب العاصمة الأوكرانية كييف، بمثابة المسرح الرئيسي للحركات الاحتجاجية الكبرى في تاريخ أوكرانيا المستقلة، منذ التسعينات، حين اتخذت ثورة طلابية سُميت بثورة “الجرانيت” من أرضه منبرًا لاحتجاجاتهم عام 1990، وظهر على المستوى الدولي في عام 2004 بعد استضافة محتجي الثورة البرتقالية، ثم ثورة الميدان الأوروبي بين عامي 2013 و2014.

تاريخ ميدان الاستقلال

09 20201015 org f709a7fbfd0de06d 1602771554000 800x520 1

قبل عقود طويلة وتحديدًا مع نهايات القرن الـ18، وبدايات القرن 19 كان الميدان عبارة عن أرض قاحلة تسمى “جوت مارش”، وفي ثلاثينيات القرن التاسع عشر بدأ تشييد أول منازل خشبية داخله تدريجيًا، وأطلق على الميدان من عام 1869 وحتى عام 1876 اسم “كريشاتينسكا”، ومنذ عام 1876 حتى عام 1919 سميت الساحة بـ”دومسكا”، بعدما بُني بها مجلس المدينة أو دوما، بعد ذلك وحتى عام 1935، سميت الساحة “سوفيتسكا”.

550px Kyiv city duma 1941

في الاحتفال بالذكرى الستين لميلاد كالينين الذي أقيمت خلاله مسيرات عسكرية وكرنفالات احتفالية سميت باسم “ساحة كالينين”، وبدلُا من نصب الاستقلال الموجود فيه حاليُا، تعاقب عليه عدد من التماثيل منها تمثال الوزير بيوتر ستوليبين عام 1913، والذي قتل في عام 2011 بدار أوبرا كييف، ودُمر التمثال بعد نجاح الثورة البلشفية في روسيا وبدء العهد السوفييتي، ليحل محله تمثالُا نصفيُا لكارل ماركس.

عام 1935 أُطلق عليه الساحة السوفييتية، ومع اجتياح الجيش النازي لكييف إبان الحرب العالمية عام 1941 دُمر تمثال ماركس، لتبدأ ملامح التطور بالظهور على الميدان مع قدوم السبعينات، وبنيت في المنطقة محطة لقطارات مترو الأنفاق، وشهد أعمال بناء واسعة في السنوات اللاحقة، واهتمت الحكومة بتجميلها وزرع الأشجار فيها ووضع النوافير، وفي عام 2001، بدأت أعمال إعادة بناء ساحة الاستقلال بهدف منح الميدان مظهرًا لائقًا يتوافق مع كونه رمزًا للاستقلال.

ثورة على الجرانيت 1990

6 1

تعتبر ثورة  على الجرانيت أول احتجاج سياسي كبير بأوكرانيا في ميدان في ميدان الاستقلال، ففي عام 1990 كانت أوكرانيا لاتزال جمهورية اشتراكية سوفييتية منذ عام 1922، وكانت تغلي في الداخل، وهو ما ظهرت نتائجه في أغسطس عام 1991، عندما استقلت البلاد.

اندلعت ثورة “على الجرانيت” التي بدأت باحتجاج طلابي في 2 أكتوبر واستمرت حتى 17 أكتوبر 1990، وشهدت إعلان الطلاب إضرابًا عن الطعام، واحتلوا ساحة الاستقلال لرفضهم نتائج الانتخابات البرلمانية الأوكرانية التي فاز فيها الحزب الشيوعي الأوكاراني، وخسرت الكتلة الدمويقراطية، وطالب الطلاب باستقالة رئيس الوزراء وقتها فيتالي ماسول الذي أُجبر على الاستقالة بالفعل في اليوم الأخير من الاحتجاجات، بعد تضامن النقابات العمالية ودعوتهم لإضرابات عامة على مستوى البلاد، وزيارة شخصيات ثقافية بارزة وسياسيون معارضون لإظهار الدعم.

الثورة البرتقالية.. 2004

5 3

استقبلت ساحة الاستقلال في 22 نوفمبر عام 2004 احتجاجات سُميت بـ”الثورة البرتقالية”، عقب إعلان فوز رئيس الوزراء وقتها فيكتور يانوكوفيتش بالانتخابات الرئاسية، الأمر الذي رفضه منافسه فيكتور يوشينكو، لتتحول ساحة الاستقلال ملاذا لآلاف المحتجين المؤيدين ليوشنكو، الذين ارتدوا اللون البرتقالي، وأعلنوا عصيانًا مدنيًا عطل مؤسسات الدولة.

أقيمت خيمة بالميدان الذي اصطبغ بالبرتقالي، وخرجت المظاهرات يوميًا في كييف، مع اعتصامات وإضرابات عامة، سلطت عليها الأضواء بصورة كبيرة من قبل وسائل الإعلام العالمية، ما أدى لإلغاء نتائج الانتخابات الأولى، وإقامة دورة ثانية في ديسمبر 2004، مع مراقبة دولية صارمة، ليُعلن فوز يوشنكو رسميًا، بعد الانتصار الساحق لثورة سلمية ونُصب رئيسًا للبلاد في يناير 2005

ثورة الميدان الأوروبي 2013 – 2014

Башня 1 000 Par7796985 новый размер

طوال شتاء 2013 – 2014، كانت الساحة قلب الاحتجاجات الأوكرانية التي امتدت إلى باقي البلاد، فقضى المتظاهرون الشتاء الثلجي خلف الحواجز التي شيدوها وخيموا في وسط كييف مطالبين بالتغيير، تعبيرًا عن معارضتهم لسياسة الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا، الذي فضل التقارب مع موسكو بدلًا من الانضمام للاتحاد الأوروبي.

2 1 1

وضع المحتجون المتاريس وحرقوا إطارات السيارات، لكن السلطات اشتبكت معهم بقوة وأطلقت النيران الحية ليسقط 100 قتيل من المتظاهرين، لقبتهم الصحف المحلية “بـ”هيفنلي هندرد” أو “المائة السماويين”، ونجحت الثورة في 22 فبراير وفر الرئيس يانوكوفيتش خارج البلاد وتبعه حلفائه المقربين، وتركت الاحتجاجات أثارها على الميدان الذي أصابه التخريب والدمار.

رمز الثورة والتغيير

هكذا على مدار 3 عقود، أصبح الميدان أكثر من مجرد مكان ومباني حجرية، وإنما معنى ورمز للثورة والتغيير، ربما يتذكر بعض الأوكرانيين الذين حضروا الثورة الأخيرة، وقتما كانت هذه المباني التي يتواجد فيه الموظفون اليوم للقيام بأعمالهم الروتينية، مسرحًا لثورتهم ومنبرًا لأحلامهم في التغيير، وتحول مبنى اتحاد العمال لمركز إعلامي للمحتجين المعارضين، بينما لجأت وسائل الإعلام الدولية لبث أخبارها من داخل بيت الثقافة الأوكراني.

وأصبح مبنى البلدية فندقا ينام فيه المحتاجون بعد عناء يوم طويل، استقرت على أرض الميدان الخيام التي كان بعضها مطبخًا يطهو فيه المحتجون الحساء والشطائر لمواجهة البرد القارس، بينما تحول قلب المديان إلى منصة للغناء والعزف والخطابات الحماسية والحديث عن فساد النظام الحاكم.

ربما يعجبك أيضا