“مطيبيجة” معقل تنظيم داعش الجديد في العراق

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

بعد ان خسر تنظيم داعش معقله في مدينة الموصل نهاية عام 2017، واصبح عاجزا من شن عمليات واسعة على الأرض، تدار مركزيا، أصبح مسار التنظيم باتجاه تنفيذ عمليات كر وفر والتحرك على شكل خلايا صغيرة ربما لا تتجاوز العشرة أفراد. لكن التنظيم لم يخف استمرار خلاياه في مدينة ديالى وحوض جبال حمرين شرق العراق، تحديدا في مدينة مطيبيجية، لكي تكون معقلا جديدا للتنظيم ونقطة انطلاق لشن عمليات محدودة هناك تتمثل بقطع الطرق واستهداف الشخصيات والمؤسسات القريبة إداريا من مطيبيجية.

يستغل تنظيم القاعدة وفروعه، ومنها”داعش” الجغرافية والجغراقية السكانية “الديموغرافية”، فهي تستغل التضاريس الأرضية الصعبة، وهذا ما كان في تجربة طالبان والقاعدة في أفغانستان وفي وزيرستان، المعروفة بصعوبة تضاريسها الجبلية وامتدادها ما بين الباكستان وأفغانستان. وكذلك الحال في اليمن وصحراء أفريقيا والمغرب الإسلامي.

ويقول الخبير في الحركات الإسلامية الدكتور هشام الهاشمي، إن “تنظيم داعش يعمل ما بعد خسارة الموصل، باستراتيجية الكر والفر، التي تستنزف القوة العسكرية الحكومية، بالإضافة إلى استخدام التفجيرات بواسطة السيارات المفخخة والألغام المزروعة في الطرق والشوارع الرئيسية”.

قال مسؤولون عراقيون يوم 29 يوليو 2017 إن نحو سبعة آلاف عنصر من تنظيم داعش لا يزالون في العراق وذلك بعد أسابيع من إعلان استعادة السيطرة على الموصل أبرز معاقل التنظيم. ونقلت وكالة أسوشيتد برس عن مسؤولين من المخابرات العراقية ووزارة الدفاع قولهم: إن هناك نحو أربعة آلاف مقاتل وثلاثة آلاف من عناصر الدعم في تنظيم الدولة بالعراق، بينما يوجد نحو سبعة آلاف مقاتل وخمسة آلاف عنصر دعم في سوريا. لكن تقارير قوات التحالف الدولي اكدت وجود ثلاثة الاف عنصر من تنظيم داعش ما بين الحدود العراقية السورية، اعالي الفرات.

ويؤكد الباحث الألماني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط “ألبريشت ميتسغر”، أن ما يجري على الأرض من تقدم دولي في محاربة داعش يذكّر ببداية التحالف الدولي الذي قادته دول العالم من أجل محاربة التنظيم. ميدانيا، وبالنظر إلى خارطة سيطرة التنظيم على مناطق في سوريا والعراق سابقا، يظهر تركيز داعش في الفترة الأخيرة أكثر وضوحا على مناطق صحراوية شاسعة وأخرى حدودية، لا بين العراق وسوريا فحسب بل أيضا بين الأقاليم ومناطق نفوذ القوى المختلفة فيهما.

وفقا لمصادر استخبارات عراقية موثوقة معنية في مكافحة الإرهاب، كشفت مطلع عام 2018، بأن التنظيم الآن فقد اتصالاته مابين قياداته، وأن هناك خطة، لاستعادة الاتصالات ما بين التنظيم وقياداته، ربما تستغرق بضعة أشهر فقط، بعدها تنتظر العراق وسوريا وربما عواصم أخرى، عمليات إرهابية على غرار مربع “التوحش” وفقا لإصدارات التنظيم.

تزايدات تحركات تنظيم داعش في سلسلة جبال حمرين، وبحسب المعلومات الاستخبارية للبيشمركة فإن التنظيم اتخذ من المنطقة مركزاً له تحت اسم “ولاية الجبل” خاصة بعد فقدان سيطرته على مدينة الموصل، ليحولها إلى معقل آخر لمسلحيه.

وتعد جبال حمرين من المناطق الوعرة من الناحيتين الجغرافية والعسكرية، وتمتد من المناطق الحدودية الإيرانية ومحافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين وحتى قرب الحدود مع سوريا، وكانت في السابق معقلاً رئيسياً للقاعدة وأنصار السنة والجيش النقشبندي.

قرية مطيبيجه

تقع إلى شرق سامراء بمسافة 50 كم على ضفاف نهر العظيم وهي منطقة وعرة وأراضيها مستنقعات مائية وأدغال يصل ارتفاعها لأكثر من مترين قصب وبردي وليس في مقدور الشخص العادي السير بها. فيها هضاب داخل هذه المستنقعات يتم استثمارها من قبل المسلحين لحفر أنفاق على شكل مدن تحت الأرض يلجأ المسلحون من داعش وحتى المجرمون الفارون إليها ومطيبيجه قرية تابعة لناحية حمرين.

تشير مصادر الحكومة إلى أنه يتواجد في مطبيحة اكثر من خمسة آلاف مسلح بدون عوائل ويتسلل الداعشيون منها للقيام بعمليات محدودة في سامراء وإلى الجنوب منها على بعد 20كم في مكان يسمى المعتصم للقيام بعمليات إرهابية ومن مطيبيجة يتسلل داعش إلى كركوك وديالى للقيام بعمليات إرهابية.

مطيبيجة ترتبط بقضاء الدور إداريا يتعذر على الحكومه السيطره عليها بسبب عدم قدرة الآليات على السير في مناطقها الطينة وإن قصفها بلمدفعيه والطيران غير مجدٍ وإن محاصرتها من الخارج متعذر لوجود طرق مؤدية إلى تلال حمرين.

ناحية الجلام ـ محافظة صلاح الدين ناحية العلم

أرض زراعية واسعة ومنها صحراوية قريبة من مدينة سامراء وتمتد من قضاء الدور وحمرين إلى ديالى وهي منشأ تنظيم داعش وقد انعدم تواحد مقاتلين للتنظيم فيها منذ تحريرها عام 2015 باستثناء بؤر تقوم بعمليات محدودة معدومة التاثير والفعالية مستغلة سعة المساحة مما يجعل أحكام سيطرة الحكومة العراقية صعبة أمام عصابات قادمة للإجرام.

ناحية المعتصم

تقع ناحية المعتصم جنوب شرق سامراء بمسافة 20 كم ومطلة على الطريق العام في الضفة اليسرى من نهر دجلة. الحدود: شمالا على الطريق العام سامراء – الضلوعية ويتجه باتجاه الشمال الغربي وبمسافة 370م حتى وغربا باتجاه الجنوب الغربي وبمحاذاة نهر دجلة وبمسافة 565م حتى نهر دجلة. وجنوبا على نهر دجلة قرب البستان ويسير باتجاه الجنوب الشرقي بمحاذاة الشارع المار أمام البستان وحتى الشارع العام سامراء ـ الضلوعية وشرقا بمحاذاة الشارع العام سامراء – الضلوعية.

هذا الموقع أعطاها أهمية ليعمل التنظيم على السيطره عليها لأسباب: عزل سامراء من جهة الجنوب الشرقي عن محيطها وقطع الحركة بين سامراء ومناطف الضلوعيه ومطبيجة وصولا إلى ديالى. والانطلاق منها للقيام بعمليات تهدد أمن بغداد بقطع الطريق الدولي بين بغداد ومناطق شمالها تسهيل إيصال الإمدادات إلى مقاتيلهم في مطبيجة والعظيم وحمرين والرثار والمملحة مستثمرين أشجار بساتينها في الاختفاء والحركه وصعوبة الرصد. تبعد ناحية المعتصم عن مطيبيحة سوى 30 كم شرقا والطرق المؤدية إلى مطبيجه أوحال وبزول وقصب بارتفاع عالٍ من هذا العرض تأتي أهمية المعتصم وهي خالية من الدواعش حاليا وتحت سيطرة الحكومة.

قضاء مدينة الحويجة 

تقع شمال العراق ومركز قضاء الحويجة التابع لمحافظة كركوك حيث تقع جنوب غرب مدينة كركوك بحوالي 30 ميلا. غالبية سكان المدينة هم من عشائر الجبور والعبيد وشمر والدليم. 

تكمن أهمية الحويجة في أنها غنية بآبار ومصافي البترول، بالإضافة لكونها مدينة مركزية وإستراتيجية على الطريق الرابط بين الولايات التي كان أعلنها تنظيم الدولة في تكريت وبيجي، ومنها إلى الموصل ثم الحدود العراقية مع سوريا وتركيا. وفي يونيو 2014 سيطر مسلحو تنظيم الدولة على الحويجة وشنوا منها هجمات باتجاه مركز محافظة كركوك ومناطق أخرى متاخمة لمحافظة صلاح الدين.

وفقا إلى مصادر معلومات محلية موثوقة داخل محافظة صلاح الدين ومدينة سامراء، اكدت بأن القوات العراقية، عندما قامت بشن عمليات تحرير مدينة الموصل والمدينة صلاح الدين وسامراء، لم تقم بتحرير أطراف المدن، كونها لا تريد ان تنشغل كثيرا عن تحرير مدينة الموصل والمدن الاخرى.

القوات العراقية كانت تمر بالمدن الرئيسية وتحررها وتستمر باتجاه مدينة الموثل شمالا، فالمناطق أعلاه التي تم ذخرها: حوض حمبال حمرين، شمال شرق بغداد، وناحية المعتصم ومنطقة الجلام ومنطقة مطيبيجة ومدينة الحويجة، لم يتم تحريرها. لذا بقيت عناصر تنظيم داعش نشطة هناك ولم تتأثر قدراتها العسكرية والتنظيمية، المناطقية، رغم المعلومات التي تقول بأن التنظيم خسر اتصالاته بين قياداته وعناصره. لكن هذا لا يمنع أن تتحرك فلول تنظيم داعش مناطقيا، ضمن إمكانيات محدودة جدا، بالحصول على الموارد من خلال الجباية والإتاوات والتبرعات من داخل المناطق التي يسيطر عليها عناصر التنظيم.

تبقى منطقة مطيبيجية، الأرض التي يراهن عليها تنظيم داعش في الوقت الحاضر، لتكون معقل التنظيم من جديد في العراق، بعد خسارة معاقله الرئيسية في الموصل والأنبار. ولكن وفقا لمعلومات أهالي ووجهاء محافظة صلاح الدين، أن منطقة مطيبيجية والمعتصم، تضم عناصر في الغالب من خارج المنطقة، في الغالب لا يوجد مقاتلين أجانب، ولا توجد بينهم عائلات، كون المنطقة لا تصلح للعيش.

المخاطر التي تمثلها منطقة مطيبيجة في الوقت الحاضر، أنها ستكون مركز ومعقل لانطلاق تنفيذ عمليات كر وفر مثل قطع الطرق واستهداف شخصيات أو مؤسسات عراقية في محافظة صلاح الدين، وديالى ومدينة سامراء إلى جانب كركوك انطلاقا من الحويجة.

ما ينبغي أن تقوم به الحكومة أعراقية في الوقت الحاضر، وفقا إلى نظرية مكافحة الإرهاب، هو ردع الإرهاب في معاقله، قبل أن يتنامى، ويصبح على شكل تنظيم يهدد من جديد الأمن في العراق. أن ترك هذه المناطق الساخنة، لتكون ملاذات وربما معاقل جديدة للتنظيم، يعني نقص في معالجات الإرهاب والتطرف.
 

ربما يعجبك أيضا