المترجمون.. جنود الثقافة المجهولون

شيرين صبحي

الترجمة جسر تواصل مهم بين الثقافات المختلفة، فهل يقف دور المترجمين، فقط، عند الترجمة من لغة لأخرى!


الترجمة هي أحد فنون الحياة، التي تمد جسور تواصل مع الآخر، وعرفها العرب قديمًا منذ أن انفتحوا على العالم، سواءً بسبب التجارة أو الترحال.

لا تعني الترجمة نقل كلمة من لغة إلى أخرى، لأن من يفهمها بأنها مجرد نص مقابل نص، أو كلمة مقابل أخرى، ربما ينتج نصًا آخر مختلفًا عما أراده الكاتب. ويعتبر البعض الترجمة فنًا يعتمد على إبداع المترجم وثقافته ومخزونه اللغوي، وعليه أن يجتهد في نقل المعنى والزمن ومدلولاته بأسلوب مستساغ ومفهوم.

الأبطال جنود الثقافة

باولو كويلو

باولو كويلو

حين التقى الأديب باولو كويلو، بعض الصحفيين، في دبي عام 2005، دافع عن المترجمين ووصفهم بـ”الأبطال جنود الثقافة”، لأنهم يقتحمون الحدود لنقل المعرفة، خصوصًا إذا تحلى المترجم بالحب، والإحساس العالي، وتمتع بثقافة تتصل بالتاريخ والجغرافيا التي تدور فيها أحداث الكتاب.

والترجمة وسيلة تواصل وتفاهم بين الثقافات والشعوب واللغات المختلفة، تزايدت  أهميتها مع التطورات والمتغيرات على مر التاريخ، لتصبح أداة لا غنى عنها، فتساهم في صناعة وإنتاج المعرفة.

خيانة المترجمون

يظل المترجم عاجزًا عن الوفاء الدائم للنص الأصلي، فهو يبحث في مكنون النص في ذهن كاتبه، وما يقصده من مفردات وعبارات بعينها، لذلك يقول مثل إيطالي شهير، إن “المترجمون خونة”.

كان المترجم الفلسطيني الراحل صالح علماني، يعيش الرواية التي يترجمها كما لو أنه يكتبها، والمترجم السوري رامي يونس، يعنيه أولًا أن النص سينمي الدهشة لدى القارئ، ولا يؤمن بفكرة أن المترجم، هو الذي يختار النص، بل “النص هو الذي يختاره|.

تواضع المترجم

128291 440542527

الكاتب محمد عبدالنبي

يجب أن يكون المترجِم مسلحًا بأدواته الأدبية والفنية، لأن عمله يقوم على إنتاج عملٍ فني يضارع عملَ الكاتب الذي أبدع العملَ الفني، وعليه أن يختار الكلمات والعبارات بدقة شديدة، وأن يواكب الأساليب والمفردات العصرية؛ حتى لا ينفر القارئ من النص الذي يترجمه.

المترجم محمد عبدالنبي، يوضح لـ”شبكة رؤية الإخبارية” أن ما يميز مترجم عن الآخر، بأن يكون هاضمًا للثقافة التي يترجمها، وليس مجرد قارئ نص يحاول نقله إلى لغة أخرى، وأن يكون “شاربًا” للخلفيات الثقافية الأخرى، وقادرًا على تحديد مواقع كل كلمة، هل تضمن سخرية مضمرة أو هي كلمة مهجورة، كل هذا يظهر في اختيارات المترجم للمفردات التي يستخدمها، فلا بد أن يتعرف على الثقافة الأخرى جيدًا قبل الترجمة.

الكاتب الخفي

من الشروط الأخرى التي يوردها عبدالنبي، “آلا يتدخل المترجم ليكون بديلًا للكاتب، فعليه أن يكون شفافًا، يقبل بفكرة الكاتب الخفي، ويقتصر وجوده على نقل الكاتب الأصلي وروحه وتوجهاته، يجب على المترجم آلا يظهر صوته، آلا تكون لديه الآنا عالية، وصاحب صوت زاعق، بل متواضعًا”.

يفضل عبدالنبي الترجمات الأدبية، لكن هذا لا يمنعه من ترجمة أعمال أخرى، مثل كتاب “قلق السعي إلى المكانة”، للكاتبة آلان دو بوتون، وأعمال أخرى عن التسويق، لكن ما يجعله يشعر بأنه “طائر”، هو أن يترجم عملًا أدبيًا شيقًا.

صنايعي ليس أكثر

يذكر عبدالنبي أن السبب الذي يدفعه لترجمة كتاب عن الآخر، هو أن يكون معجبًا بالكاتب، أو على الأقل معجبًا بالكتاب، منوهًا بأنه عندما قرأ رواية “النورس جوناثان ليفنتجستون”، لريتشارد باخ، تمنى أن يترجمها، وعندما عرض عليه ترجمتها كانت سعادته غامرة.

ويوضح أن المترجم في الماضي كان مثقفًا كبيرًا، يقترح الكتب التي يفضل ترجمتها، أما الآن أصبحت دور النشر تختار العناوين التي ستترجمها، وأصبح المترجم مثل الصنايعي ليس أكثر، لا يختار ما يترجمه، بل فقط يقبل أو يرفض.

ربما يعجبك أيضا