الأغنية الريفية.. تراث فلكلوري رسم ملامح المجتمعات العربية

أماني ربيع

وثقت الأغنية الريفية أحوال المجتمعات العربية اجتماعيًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا، وكانت بمثابة أسلوب للتعبير عن الذات ومناجاة الأحلام والتنفيس عن الخيبات.


تشكل الأغنية الريفية تاريخًا موسيقيًّا للأحوال الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمعات، وتزخر الدول العربية بتراث غني ومتنوع منها.

من رحم البيئة المحيطة خرجت الأغنية الريفية بكلماتها البسيطة وإيقاعاتها التراثية، وتختلف مفرداتها وموضوعاتها عن الأغنية الحضرية وأغنيات المناطق الساحلية التي عادة ما تكون أكثر انفتاحًا على الآخر وتأثرًا به.

الأغنية الريفية في العراق

طبيعة المجتمع العراقي الزراعية خلقت مجالًا لانتشار الأغنية الريفية خاصة في الجنوب، ترجمت هذه الأغنيات أوجاع السكان ومعاناتهم مع الحروب والصراعات، لذا جاء أغلب كلماتها حزينًا، عبرت من خلاله النساء الثكلى عن آلام فراق الأزواج والأبناء من ضحايا الحروب.

يصل عدد أنواع الأغنية الريفية العراقية إلى 50 نوعًا، تختلف في أسلوب الغناء والمقامات، ارتبط بعضها باسم المدينة التي نشأت فيها أو القبائل التي عرفتها، ومنها الغناء “الشطراوي” نسبة لمدينة الشطرة و”ونين السوك” في مدينة سوق الشيح و”الحياوي” نسبة إلى مدينة الحي.

وانتقل هذا التراث شفويًّا عبر المجالس والدواوين، وساهمت نشأة الإذاعة في ثلاثينات القرن الماضي في حفظ الكثير منها، وكان من روادها حضيري أبوعزيز وناصر حكيم وداخل حسن ومسعود العمارتلي، والفنانة وحيدة خليل.

الأغنية الريفية في المغرب

ناضلت الأغنية الريفية في المغرب ضد الاستعمار، واتسمت كلماتها بالجرأة والتحرر من الخوف، بحسب مجلة الثقافة الشعبية، واشتهرت نساء الريف باستخدام قصائد “إرزان- الشعر الريفي الأمازيغي” لتحفيز المقاومة ضد الاحتلال، ما اعتبره عالم الأنثربولوجي الأمريكي ديفيد هارت أشبه بطقس احتفالي في صراع المواطن المغربي من أجل الوجود.

بخلاف السياسة كانت الأغنية الريفية سجلًا يوثق الحياة اليومية للريفيين ويعبر عن أحلامهم وخيباتهم، وطوعوها وفقًا لاحتياجات المجتمع وظروفه، تغنت كلماتها بالثورة ضد الاستعمار، وهجرة الأبناء، والأمل في تحسن الأحوال، وانتقلت عبر الأجيال شفويًّا، وفيما كان الرجال ينشدونها في الحفلات العامة والساحات، غنتها النساء في مجالسهن الخاصة بالبيوت.

الأغنية الريفية في اليمن

في اليمن تسمى الأغنيات الريفية “مهاجل”، وارتبطت بنشاط القرويين اليومي، وشكلت المرأة اليمنية جزءًا أصيلًا من تراث الأغنية الريفية، لم تكن لها مجرد رفاهية أو تزجية للوقت بل أسلوبًا للتعبير عن الذات ومحاولة للتنفيس، وأغنيات الطحين المعروفة بـ”الماورة”، غنتها عند طحن الحبوب وجز الحشائش خلال العمل بالحقل، بخلاف أغنيات الحصاد التي تشاركت فيها مع الرجال الذين اشتهروا بأغنيات البناء والحفر.

كانت الزراعة في بعض مناطق اليمن موسمية، لذا غنى الريفيون عادة للأرض والمطر سواء فرحًا بهطوله، أو استدعاء لنزوله، ومعظم الأغنيات الريفية إيقاعها سريع ليتناسب مع الحركة خلال العمل، وتوجد أغنيات بإيقاع أبطأ وتتناول حكايات محلية تغنى عادة في جلسات السمر، بحسب موقع المدينة.

الأغنية الريفية المصرية

بحسب أستاذة علم الاجتماع، الدكتورة سامية خضر، الأغنية الريفية أكثر من مجرد كلمات وإيقاع موسيقي فهي مترجم لأحوال الناس، وكلماتها تعكس خصوصية ثقافية لغوية واجتماعية، بحيث لا يشبه تراث منطقة مكانًا آخر حتى في نفس الدولة، تغنت هذه الأعمال بالحب والثورة مثل ثورة 1919.

وأشارت خضر، في تصريحاتها لـ”شبكة رؤية الإخبارية”، إلى ارتباط جزء كبير من هذا التراث بالمرأة في مصر، وهو ما تحدث عنه الشاعر عبدالرحمن الأبنودي الذي كثيرًا ما ذكر تأثره  بأغنيات وحكايات والدته، وكان الغناء جزءًا من تفاصيل الحياة اليومية للريفيات في أثناء حمل الجرار لملئها من نهر النيل، وخبز العيش، وحصاد القطن، و”العديد” عند الموت، وتهويدات الأطفال، وأغنيات الأفراح والمناسبات مثل الحج.

غنت المرأة أيضًا، لتشكو الغربة مع سفر الزوج أو الأبناء، وجاءت مفردات الأغنيات من وحي الزرع والنيل، فكانت مثلًا تشكو الحبيب لطير الحمام أو الشمس الغاربة، وفيما ارتبط الناي بالأغنيات الحزينة ارتبطت الطبلة بأغنيات الفرح والاحتفال.

ربما يعجبك أيضا