بإهابٍ عربي وإجرامٍ صهيونيّ.. ما قصة وحدات المستعربين؟

علاء بريك

ظهرت وحدات المستعربين قبل ظهور إسرائيل نفسها، ولا تزال تنشط إلى اليوم.. ما قصتها؟


قد يتسبب ظهور شخصيات فلسطينية ظاهريًّا في مقاطع الفيديو المنشورة للمظاهرات الفلسطينية، تعتقل فلسطينيين آخرين في إثارة اللغط عند المشاهد العربي.

ما يبدو فلسطينيًّا ليس في الحقيقة فلسطينيًّا البتة، بل عنصر من إحدى وحدات المستعربين التابعة لجيش الاحتلال وشرطته، فما قصة هذه الوحدات؟ كيف بدأت؟ وما منطقها؟

جواسيس من دون دولة

يذكُر الباحث يوناتان مِندل في أحد فصول كتاب «تأملات في الاستشراق» أنَّه في أغسطس 1942 كان أستاذ اللغة العربية في مستعمرة مِشمار هعيمق، شمعون سُمخ، يدرِّس طلابه حين دخل مدير المدرسة ليخبره بأنَّ شخصًا مهمًا يتنظره في الخارج، وكان من المعتاد أن يأتي لزيارة سُمخ شخصيات أمنية لأنَّ لغته العربية كانت تساعد في المهمات العسكرية.

لكنّ الزائر هذه المرة كان شخصية خاصة، هو إيغال آلون، أحد مؤسسي البلماح ورئيسه بين 1945 و1948. الذي أخبر شمعون أنَّه يمثِّل وحدة خاصة من الهاجانا تتعاون مع الجيش البريطاني، وطلب منه ترك التدريس والانضمام إلى الوحدة، قائلًا: “يحتاج إليك اليشوف اليوم أكثر من طلابك”.

وافق شمعون على الطلب والتحق بوحدة المستعربين التابعة للبلماح، وأتت ولادة المستعربين بطلبٍ بريطاني لنشر العملاء اليهود وسط العرب، بغية جمع معلومات عن التحركات النازية في مناطق المصالح البريطانية ومحيطها.

محو «شِبُّولَث»

في سِفر القضاة (12: 5-6) تَرِد قصة معركة هزمَ فيها رجالُ جلعاد رجالَ أفرايم الذين فرَّوا من ساحة المعركة، ولتمييز الأفرايمي عن الجلعادي كان الأخير يسأل من أمامه أن يقولَ كلمة «شِبُّولَث» فإذا نطق حرف الشين فيها تأكد أنَّه جلعادي، أما إذا نطقها «سِبُّولَث» فهذا يعني أنَّه أفرايمي ومصيره الذبح.

ويبدو أنَّ الجهاز العسكري الصهيوني قارئ جيّد للعهد القديم، فلتفادي هذا المصير تدرِّب استخبارات الاحتلال مستعربيها على النطق باللهجة المحلية بطريقة لا تميّزه عن صاحبها الأصلي، ولا يقتصر الأمر على اللهجة، بل يتعداه إلى التعاليم الدينية والعادات المحلية والأعراف والملبس، وأغلب التدريبات تركّز على هذه الجوانب الثقافية، يليها التدريب العسكري لإزالة أي «شِبُّولَث» محتملة.

الثقافة لأجل القتل

يشير مِندل إلى منظور الصهيونية في استخدامها الثقافة، ومن بينها اللغة العربية، أداةً للحرب لا السلام، فلم تهدف دراسة اللغة العربية في المجتمع الصهيوني إلى الاندماج مع باقي مكونات المجتمع المحيط، ولا الحفاظ على الهوية العربية واليهودية. وإضافة إلى اللغة، عكس تعليم عناصر المستعربين طريقة تصرف العربي وسلوكه وطريقة أكله تنميطات جوهرانية استشراقية.

ولم يقتصر هذا التفكير على صوغ فكرة استشراقية عن الآخر، بل ذهب إلى خلق صورة متخلية عن الذات اليهودية المتمايزة عن محيطها العربي، لا سيّما عند اليهود ممن سكنوا البلاد العربية قبل مجيء الصهيونية. وخدمت الصورة المختلقة هدفًا سياسيًّا يتمثل في تعزيز معادلة “نحن” و”هم”.

رد القضاء.. حتى حين

تعي سلطة الاحتلال مذ بدأت نشاطها على الأرض العربية أنَّها احتلال استيطاني غريب عن المنطقة وأهلها، لذا ليس من المستغرب أن تركّز في المقام الأول على التفوق العسكري والاستخباري لردع المصير المحتوم لأي محتل، أي إجلاؤه عن الأرض المحتلة. أدرك قادة الصهيونية أوائل الخمسينيات أنَّ العرب في الأراضي المحتلة لن يتوانوا عن مؤازرة أي قوة عربية قد تهاجم قوات الاحتلال.

عند هذه المرحلة تقرر تأسيس وحدة مستعربين محترفة رسميًا ضمن جهاز الشاباك في 1952، وتركزت مهمة هؤلاء على اختراق المجتمعات الفلسطينية من خلال انتحال شخصية عربية تندس بين الأهالي وتجمع المعلومات وتأسر أو تغتال الشخصيات المقاوِمة أو المؤثرة أو التي يُحتمَل أن تشكِّل تهديدًا على قوات الاحتلال.

أسر، اغتيال، إجرام

لا تختلف وحدات المستعربين عن باقي وحدات جيش الاحتلال، فالعقيدة واحدة: الحفاظ على وجود هذا الكيان بأي ثمن. تتنوَّع مهمات هذه الوحدات بين الاندساس وسط التظاهرات الشعبية وإلقاء القبض على الشخصيات القيادية فيها، واغتيال قادة المقاومة وجمع المعلومات الاستخبارية من المناطق الفلسطينية.

على سبيل المثال، دخلت مجموعة من المستعربين في عام 2015 إلى مستشفى الأهلي في الضفة الغربية واغتالت عبد الله عزام شعبان الشلالدة واختطفت المريض عزام الشلالدة، وكلاهما لم يتجاوز الـ30 من عمره، وبحسب شهود كان بإمكان المجموعة اعتقال عبد الله أيضًا لكنَّها اغتالته. بالمجمل، لا تفرِّق وحدات المستعربين بين مدني أو عسكري وشاب أو طفل ومريض أو معافى.

الوحدات المستعربة اليوم

أُسِّست عدة وحدات مستعربة وفُكِّكَت حسب الحاجة أو أُعيد هيكلتها ضمن الجيش والشرطة على مدار النشاط الصهيوني في المنطقة. وتنشط اليوم، بحسب مركز مدار، 4 وحدات رئيسة: 1) ي.م.س التابع لحرس الحدود، 2) متسادا التابعة لسلطة السجون، 3) جدعون التابعة للشرطة، 4) دوفدُفان التابعة للجيش.

وفي السنة الماضية، تأسست وحدة جديدة تنشط في القرى العربية المحتلة داخل مناطق سيطرة الاحتلال، وقد علَّقَت مؤسسة عدالة الحقوقية بأنَّ وجود قوات مخصصة لعرقية واحدة، العرب في هذه الحالة، يخالف القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان كافة. لكن لا يعني هذا أنَّ هذه الوحدات كلية القدرة أو لا تقهر، فقد سخّر الفلسطينيون كاميرات المراقبة ومواقع التواصل لفضح المستعربين والتحذير منهم ومحاولة كشف هويتهم، حسب ما كتب مركز الإنذار المبكر.

ربما يعجبك أيضا