تعيين رئيس وزراء جديد في سريلانكا لن ينهي أزمتها الأسوأ منذ عقود.. لماذا؟

رنا أسامة

عُيّن رانيل ويكرمسينج رئيسًا لحكومة سريلانكا لأول مرة في عام 1993 في عهد الرئيس دي بي ويجيتونجا.


أدّى رئيس الوزراء السريلانكي الجديد، رانيل ويكرمسينج، وهو سياسي مُخضرم ورئيس وزراء سابق لـ5 مرات، اليمين الدستورية، يوم 12 مايو الجاري، بعد تعيينه في منصبه.

تولى ويكرمسينج رئاسة الوزراء خلفًا لشقيق الرئيس الحالي، ماهيندا راجاباكسا، الذي استقال قبل أسبوع إثر احتجاجات عنيفة بين عناصر أمن وأنصار للرئيس الحالي جوتابايا راجاباكسا ومتظاهرين مُطالبين بتغيير سياسي واقتصادي جذري، خلّفت 9 قتلى وأكثر من 300 جريح، وفق وكالة رويترز.

فوضى الاقتصاد السريلانكي

الاقتصاد السريلانكي

يعاني اقتصاد سريلانكا من الفوضى بدرجة كبيرة، بسبب تخلف الدولة عن سداد قروض خارجية بنحو 50 مليار دولار، وذلك لأول مرة في تاريخها كدولة مستقلة. وتوالت الصفعات على قطاع السياحة الأجنبية في سريلانكا خلال السنوات الـ3 الماضية، جراء تفجيرات الكنائس في عام 2019، ووباء فيروس كورونا منذ 2020، وأخيرًا الحرب الروسية الأوكرانية.

وفي ظل سوء الإدارة المالية للرئيس راجاباكسا، زادت هذه الأزمات الطين بلّة، مع نقص حاد في السلع، بما في ذلك الحليب والوقود والغذاء والدواء، فضلًا عن انقطاعات في التيار الكهربائي، ما أدى إلى احتجاجات واسعة النطاق، تصاعدت حدِتها إلى فوضى سياسية، وفق تقرير نشره موقع فوكس الأمريكي.

سلالة الراجاباكساس

سلالة الراجاباكاس

قال فوكس، إن الراجاباكساس، في إشارة إلى الاسم الثاني للرئيس السريلانكي الحالي وشقيقه رئيس الوزراء السابق، “سلالة سياسية في سريلانكا”، كان انتشارهم في الحكومة كبيرًا. فبالإضافة إلى ماهيندا وجوتابايا، خدم شقيقهما الثالث، باسل، حتى 4 إبريل الماضي كوزير للمالية. أقاله رئيس سيريلنكا وعيّن بدلًا منه مسؤولين آخرين في الحكومة، لكن ذلك لم يحتوِ غضب المتظاهرين والساسة المُعارضين.

وفي حين أن الكارثة الاقتصادية في سريلانكا جذورها عميقة، فإن سلالة الراجاباكساس تُعد جزءًا كبيرًا منها منذ انتخاب ماهيندا رئيسًا لأول مرة في عام 2005، وجاء بمقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في يونيو عام 2018. خلال العقد الماضي، حصلت البلاد على قروض عِدة، بما في ذلك 5 مليارات دولار من الصين، من خلال ما يُعرف بمبادرة الحزام والطريق.

انتفاضة شاملة

الاحتجاجات في سريلانكا

متظاهرون المناهضون للحكومة في سريلانكا خلال احتجاج قرب مكتب الرئيس الحالي جوتابايا راجاباكسا في كولومبو في 10 مايو 2022

بعد انتخاب جوتابايا رئيسًا لسريلانكا في عام 2019، زادت الديون الخارجية للبلاد، وتضاءل ​​احتياطيات العملات الأجنبية لاستيراد السلع الأساسية، توازيًا مع خفض الضرائب، وتدمّر قطاعها الزراعي جراء الحظر الذي فرضه العام الماضي على استيراد الأسمدة الكيماوية، الذي كان يهدف إلى توفير احتياطيات العملات الأجنبية.

الأمر الذي قاد إلى “أسوأ أزمة اقتصادية في سريلانكا منذ قُرابة 75 عامًا من الاستقلال”. كتب آلان كينان، المحلل في شؤون سريلانكا بمجموعة الأزمات الدولية، في إبريل الماضي، إن الاحتجاجات “تحولت الآن إلى انتفاضة على مستوى البلاد”، رغم “سُمعة القمع السياسي” لحكومة راجاباكسا. حتى أن المتظاهرين أجبروا ماهيندا على الفرار وتقديم استقالته بعد محاولتهم اختراق منزله.

مَن رانيل ويكرمسينج؟

بعد محاولات فاترة لتشكيل حكومة جديدة في إبريل ووسط تهديدات متزايدة لحكمه، عُيّن رانيل ويكرمسينج رئيسًا لحكومة سريلانكا، ذلك المنصب الذي شغله لأول مرة في عام 1993، في عهد الرئيس دي بي ويجيتونجا. مع ذلك، لم يقضِ مطلقًا فترة ولاية كاملة، رئيسًا للوزراء، ويُنظر إليه على أنه قريب جدًّا من عشيرة راجاباكسا رغم وجوده في حزب المعارضة، بحسب فوكس.

ويكرمسينج الذي يرأس حاليًّا الحزب الوطني المتحد في سريلانكا، تدرّب في المحاماة، وشغل مناصب حكومية عديدة، من بينها نائب وزير الخارجية ووزير الصناعات. في ذلك المنصب، جلب ويكرمسينغ مستثمرين أجانب، ما يكون السبب وراء إعادة تعيينه رئيسًا للوزراء. يمكن لعلاقته مع الهند ودول غربية أخرى أن تساعد سريلانكا للخروج من الاضطرابات الاقتصادية الحالية.

رئيس الوزراء الجديد في سريلانكا

مهمة شاقة

في مواجهة الأزمات الاقتصادية المعقدة والاحتجاجات العنيفة والفساد الحكومي الراسخ، فإن مستقبل الحكومة السريلانكية غامض في أحسن الأحوال. يطالب المتظاهرون بإبعاد أفراد عائلة راجاباكسا المتبقين، بما في ذلك الرئيس جوتابايا. يرى كثيرون أيضًا أن تعيين ويكريمسينج بمثابة صفعة على وجه الرئيس الحالي.

وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني لـ”فوكس”، قال بايكياسوثي سارافاناموتو، المدير التنفيذي لمركز البدائل السياسية، وهو مركز أبحاث مقره في كولومبو: “إن ويكريمسينج أمامه مهمة شاقة لإخراج سريلانكا من أزمتها الحالية”، موصيًا رئيس وزراء سريلانكا الجديد بضرورة “التركيز على كل من الأبعاد السياسية والاقتصادية للأزمة الحالية”، لأن “إهمال السياسة سيُقوّض الاقتصاد”.

أزمات متشابكة

تأمين المساعدات من صندوق النقد الدولي لشراء السلع الأساسية، إحدى القضايا التي يحتاج ويكرمسنج معالجتها، بحسب سارافاناموتو. وبإمكان النقد الدولي إتاحة ما يُعرف بأدوات التمويل السريع، للبلدان المحتاجة لمساعدة فورية. وفي إبريل الماضي، طلب وزير المالية السريلانكي علي صبري، رسميًا، المساعدة من النقد الدولي، لكنه قال في خطاب أمام البرلمان، إن أي اتفاق سيعتمد على إعادة هيكلة ديون البلاد وسيستغرق تنفيذه 6 أشهر.

وتتشابك الأزمات الاقتصادية والسياسية في سريلانكا بشدة، لدرجة أن حل إحداها لن يخفف من حدة الأخرى، ولن يُساعد في نهاية المطاف على تعافي سريلانكا. أضاف سارافاناموتو: “يتعين على ويكريمسينج ضمان حصول سريلانكا على تمويل مرحلي من صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى تقييد صلاحيات الرئاسة التنفيذية، وتحديد موعد لتنحّي الرئيس جوتابايا راجاباكسا”.

ربما يعجبك أيضا