حيازة الأسلحة في أمريكا.. رمز ثقافي أم حق دستوري؟

رنا أسامة

تسببت الأسلحة النارية في وفاة أكثر من 45 ألفًا بالولايات المتحدة في عام 2020.


جدّد حادث إطلاق النار الذي أودى بحياة 19 طفلًا في ولاية تكساس الأمريكية، الدعوات للتحرك من أجل الوقوف بوجه لوبي السلاح في الولايات المتحدة.

وتسببت الأسلحة النارية في وفاة أكثر من 45 ألفًا بالولايات المتحدة خلال العام 2020، 54% منها كانت حالات انتحار، بحسب إحصائيات مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. ومع ذلك، فشل الكونجرس مرارًا وتكرارًا في تمرير تشريعات رئيسة بمراقبة الأسلحة.

وفيات الأسلحة النارية بأمريكا

تمثل حوادث إطلاق النار الجماعية جزءًا بسيطًا من أسباب وفيات الأسلحة النارية بالولايات المتحدة، ولكنها تستحوذ على اهتمام أكبر. وفي مايو الحالي، وقعت مذبحة تكساس بعد أيام من مقتل 10 أشخاص في هجوم على متجر بنيويورك.

وبحسب تقرير لمكتب التحقيقات الفيدرالي هذا الشهر، قُتل 103 أشخاص في 61 حادث إطلاق نار نشط خلال العام 2021، في أكبر عدد قتلى منذ العام 2017 الذي سقط خلال 58 قتيلًا بعد فتح مُسلح النار على زوار حفل موسيقي في لاس فيجاس.

قوانين الأسلحة.. دعوات لضوابط أكثر صرامة

وبعد مقتل 17 طالبًا في إطلاق نار بثانوية باركلاند بولاية فلوريدا في العام 2018، طالب نشطاء بضوابط أكثر صرامة على حمل الأسلحة، في اتجاهٍ تراجع تدريجيًّا.

ووجد استطلاع رأي أجراه مركز بيو للأبحاث في العام 2021، أن 53% من الأمريكيين قالوا إن قوانين الأسلحة يجب أن تكون أكثر صرامة، انخفاضًا بنحو 7% عن العام 2019، ورأى 73% من الديمقراطيين، و18%من الجمهوريين أن العنف بالأسلحة يمثل مشكلة كُبرى للولايات المتحدة.

حمل السلاح في أمريكا

ضوابط حمل السلاح.. كيف تتحدد؟

بحسب وكالة بلومبرج، فإن كل ولاية أمريكية تحدد ضوابط مُعينة لحمل السلاح. ومنذ حادث باركلاند، تعززت إجراءات التحقق من خلفية مُشتري الأسلحة، مع حظر استخدام الملحقات التي تُمكن البندقية شبه الآلية من إطلاق النار أسرع، بهدف منع أي مُعتدٍ محلي من حمل مُسدس.

وفي العام 2021، أصبحت نيويورك أول ولاية أمريكية تسمح للمُتضررين بمحاكمة تُجّار ومُصنّعي الأسلحة النارية. ولكن التحرك نحو ضوابط أكثر صرامة لم يكن موحدًا، وأصبح حمل أسلحة مخفيّة في أماكن عامة دون تصريح قانونيًا الآن في 21 ولاية، مقارنة بـ4 ولايات في العام 2014.

حيازة الأسلحة حق دستوري

كما المكسيك وجواتيمالا، فإن حيازة الأسلحة حق دستوري في الولايات المتحدة، وينص التعديل الثاني بالدستور الأمريكي “حق الشعب في الاحتفاظ بالأسلحة وحملها” المُدرج منذ القرن الـ18.

وبموجب ذلك التعديل، تسمح الولايات بتشكيل مليشيات لحماية نفسها من قمع الحكومات الفيدرالية. وفي 2008، قضت المحكمة العليا الأمريكية بأن ذلك التعديل يكفل أيضًا حق الأفراد في حيازة سلاح.

رمز ثقافي

يمثل السلاح رمزًا ثقافيًّا في الولايات المتحدة. وكانت أداة ضرورية خلال ما يُعرف بالحرب الثورية، في حين باتت البنادق نصف الآلية، أو السلاح الهجومي أكثر شيوعًا مؤخرًا، بين مالكي الأسلحة المُلتزمين بالقانون والقتلة على حدٍ سواء، بحسب بلومبرج.

ووفق مشروع مسح السلاح الصغير، وهي مبادرة بحثية عالمية مستقلة تقع في جنيف بسويسرا، تضم الولايات المتحدة نصف جميع السلاح غير العسكري، التي يمتلكها مدنيون في جميع أنحاء العالم، وتفوق كمية الأسلحة النارية عدد سكانها، بواقع 393 مليون بندقية، مقابل 328 مليون شخص.

ماذا نعرف عن لوبي السلاح الأمريكي؟

دعا بايدن إلى الوقوف بوجه لوبي السلاح بعد مذبحة تكساس. وتُعد الرابطة الوطنية للبنادق، المعروفة اختصارًا بـ “إن آر إيه” أقوى منظمة تمارس ضغطًا من أجل حقوق مُلّاك السلاح في الولايات المتحدة، وأسّسها اثنان من قُدامى المحاربين في العام 1871، كمجموعة ترفيهية “لتعزيز وتسجيع إطلاق النار على أساس علمي”.

غير أن المنظمة بدأت في ممارسة ضغط سياسي في العام 1934، عندما شرعت في إبلاغ أعضائها بمعلومات عن مشروعات قوانين بشأن الأسلحة النارية، ودعمت قانونين رئيسين لمكافحة الأسلحة، ولكنها أضحت أكثر نشاطًا سياسيًّا بعد تمرير قانون مراقبة السلاح في السبعينيات.

وفي العام 1975، بدأت محاولات “إن آر إيه” للتأثير على السياسة الأمريكية مباشرة. ويخوض المدعون العوام في نيويورك وواشنطن حاليًّا، معركة قانونية لحلّ المنظمة، على وقع مزاعم تتعلق بإساءتها استخدام صندوق خيري، بحسب شبكة بي بي سي البريطانية.

الرابطة الوطنية للبنادق

ضبط حيازة السلاح.. كيف يراه المالكون؟

يرى مالكو السلاح الأمريكيون الذين يعيش كثير منهم في مناطق ريفية أن السيطرة على الأسلحة بمثابة هجوم على حياتهم الخاصة، وجادلت الرابطة الوطنية للبنادق بأن سن قوانين في هذا الصدد لن يمنع المجرمين من حيازة أسلحة، لأنهم ببساطة يتجاهلون اللوائح.

وقال مُشرّعون مدعومون من الرابطة إن حوادث إطلاق النار لا تُظهر الحاجة إلى لوائح، وإنه من الأفضل تسليح مزيد من الأشخاص، بما في ذلك المعلمين، ليتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم وآخرين. وبحسب مجلة ماذر جونز الأمريكية، يُكلّف العنف باستخدام أسلحة نارية نحو 229 مليار دولار سنويًّا.

ماذا عن المُناهضين؟

المُشرّعون الأمريكيون المُناهضون لضبط حيازة السلاح، عزّزوا وجهة نظرهم بالإشارة إلى انخفاض حوادث إطلاق النار بالولايات المتحدة، بعد أن سمح الكونجرس بانتهاء صلاحية حظر الأسلحة الهجومية في العام 2004.

وفي المقابل، تقول مجموعات السيطرة على الأسلحة إن انخفاض معدلات جرائم العنف عمومًا يعود لأسباب أخرى، أبرزها تحسّن أداء الشرطة الأمريكية، مستشهدين في الوقت نفسه بالقوانين الصارمة التي أنهت حوادث إطلاق النار الجماعية في أستراليا، بعد تسجيلها 521 وفاة من جراء أسلحة نارية في العام 1996، مقابل 219 وفاة فقط في العام 2019، رغم ارتفاع عدد سكانها من حوالي 18 إلى 25 مليونًا، وفق بيانات رسمية.

خلاف ديمقراطي جمهوري

ثمة انقسام تاريخي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشأن حق امتلاك السلاح. ويرى الجمهوريون أن حيازة السلاح حق أصيل يكفله الدستور، في حين يراه الديمقراطيون أنه حق قاصر على الولايات المكونة للاتحاد الأمريكي، وليس حقًا مُطلقًا للأفراد.

وبالنظر إلى أن الحزب الجمهوري هو الحزب المهيمن على مستوى الولاية، تقول صحيفة ذا كونفيرسيشن الجنوب إفريقية، إن الجمهوريون بالكونجرس قد يمنعون بسهولة تمرير مشروع قانون لضبط حيازة السلاح على المستوى الفيدرالي.

ربما يعجبك أيضا