جاكرتا تغرق بالبطيء.. كيف تنقذ الحكومة الإندونيسية السكان؟

علاء بريك

تنخفض جاكرتا سنويًّا بمعدل يصل إلى 26 سم، ويزيد الوضع سوءًا ممارسة حفر الآبار عشوائيًّا.


دأب سكان جاكرتا على مدار أجيال عدة على حفر الآبار لتلبية احتياجاتهم المائية، في ظل تردي خدمات المياه الحكومية، بحسب تقرير لشبكة آسيا الإخبارية.

باتت هذه الممارسة، اليوم، تهدد المدينة بالغرق، مع استمرار الحاجة إلى مصادر مياه نظيفة ومتاحة للسكان، لكن الحكومة تحاول تنفيذ بعض الحلول لتواجه الأزمة المستمرة منذ عقود، فما الأسباب التي أدت إلى تهديد جاكرتا بالغرق؟ وما الحلول الممكنة؟

معضلة المياه في جاكرتا

تغطي شبكة المياه الحكومية في جاكرتا 65% من المنازل في المدينة، ما يترك 35% دون مياه، بحسب تصريحات منسقة إدارة المياه في جاكرتا، إليزابيث تاريجان، لشبكة آسيا، وتبرز مشكلات أخرى في المياه الحكومية أبرزها الانقطاعات المتكررة والمفاجئة وعدم نظافتها على الدوام ونقص كمياتها، وفقًا للباحثة في جامعة تريساكتي، نيرونو جوجا.

ويلجأ سكان جاكرتا إلى حفر آبار في مناطق سكنهم لتأمين مياه الشرب والغسل، وهذه ممارسة شائعة في المدينة المحاطة بموارد مائية من الأنهار والبحيرات، لكن هذا الحل يهدد بإغراق المدينة لأن عمليات الحفر تسببت بانخساف التربة، فالمدينة تنخفض سنويًّا بمعدل 26 سم، بالنظر إلى أنها تجثم على تربة وصخور غير متماسكة.

أين المياه؟

تعاني المسطحات المائية في العاصمة الإندونيسية من التلوث، ما يجعل من الصعب الاستفادة منها لإرواء السكان، وعن سبب تلوثها تشير شبكة أخبار آسيا إلى غياب نظام إدارة نفايات فعال، وقالت جوجا: “إذا نظرت إلى طرق الصرف الصحي في جاكرتا، فمعظمها يصب في أقرب نهر أو حوض”، ولهذا السبب صارت مسألة تحلية المياه أمرًا متعذرًا.

بسبب التلوث، فإن 6% من احتياجات المدينة المائية تأتي من مصادر داخل المدينة، ويأتي الباقي من جاوا وبانتن، وبحسب الباحثة في معهد أمرتا، نيلا أرذياني، لن تكفي لتلبية طلب كل سكان جاكرتا، واللافت أن المدينة تواجه فيضانات موسمية، لكن ضعف البنية التحتية يحول دون استغلالها والاستفادة منها، وفقًا لشبكة آسيا.

المدينة تغرق

تجثم جاكرتا على ترسيب طبقي مخلخل من التربة يجعل انخسافها أمرًا واردًا عند ضغط معين، وفضلًا عن ذلك فإن المياه الجوفية في باطنها يمكنها ضغطها من إبقاء التربة فوقها ثابتة، لكن بمجرد سحب المياه منها يتغير ضغطها وتهبط التربة ما يتسبب بانخسافها.

في الوقت الحالي، يقع نحو 90% من مناطق جاكرتا الشاطئية تحت مستوى سطح البحر، ما يهدد المدينة بفيضانات شاطئية، فضلًا عن أن الأنهار لا تستطيع تفريغ مياهها في البحر من دون مساعدة محطات الضخ، ما يتسبب بدوره في فيضانات تسبب المعاناة لآلاف السكان، والخطر الأكبر يتمثل في تزايد وتيرة انخساف المدينة، ما يجعلها أسرع مدينة كبرى تغرق في العالم.

الخطط وحدودها

بالنظر إلى المشكلات الواردة، فإن الخطط والحلول تبدو بديهية من قبيل تطوير البنية التحتية ومحطات المعالجة وتحسين نظام معالجة النفايات والصرف الصحي ومد شبكات المياه إلى مناطق جديدة، من بين خطوات أخرى، وبالفعل بدأت الإدارة المحلية في المدينة ببناء 6 محطات معالجة جديدة لتنقية المياه من الملوثات وتخطط لتحقيق تغطية مائية 100% بحلول عام 2030.

لكن أول تحدٍّ يبرز أمام مساعي الحكومة هو الكلفة الباهظة لتنفيذ المخططات. من جهة أخرى، فإن بعض الأهداف يحمل جوانب غير واقعية، وأشار الخبير الهندسي والبيئي من جامعة إندونيسيا، فردوس علي، لشبكة آسيا، إلى أن الحكومة قد استغرقت 25 سنة لرفع معدل التغطية المائية من 54% إلى 65%، ما يجعل هدف التغطية الكاملة بحلول عام 2030 مشكوكًا في معقوليته.

حلول مقترحة

طرح الخبير ومستشار محافظ جاكرتا، مسلم معين، حلًّا آخر تمثّل في تركيب شبكات جمع مياه الأمطار فوق المنازل بهدف تخزينها لاستخدامها لاحقًا، مبينًا أن هذه الطريقة من شأنها تأمين 300 متر مكعب من المياه سنويًّا، وتنتشر في المدينة 72 ألف شبكة لغاية تاريخه.

يمنع القانون حفر الآبار قبل الحصول على ترخيص من السلطات المختصة، بهدف الحد من ممارسة حفر الآبار، لكن السكان لا يلتزمون بحسب تاريجان، ولهذا قد يكون أحد الحلول المطروحة تفعيل العقوبات المنصوص عليها قانونًا وتغريم المخالف، خاصة في المناطق التي تصلها شبكات المياه الحكومية.

الشكوك تستمر

على افتراض أن الحكومة استطاعت تنفيذ برامجها وتحقيق خططها المستهدفة، فإنه ما من ضامن لاستئصال ممارسة حفر الآبار عند سكان جاكرتا، بسبب أن بناء الثقة المحلية بين خدمات الحكومة والسكان يحتاج إلى وقت، فخبرة السكان مع خدمة المياه الحكومية لا تبشر بالكثير.

تشير جوجا إلى أن السكان يشتكون من جودة المياه ومحدودية كميتها في مواسم الجفاف وانقطاعاتها المتكررة، وبحسب أحد السكان المحليين، فإنه حتى مع اتصال المنزل مع شبكة المياه الحكومية، يعمل الأفراد على حفر بئر بالجوار للتحوط من غياب مياه الحكومية أو ترديها.

ربما يعجبك أيضا