تغييرات دفاعية أمريكية «جذرية» لمواجهة التهديدات البيولوجية والكيميائية

رنا أسامة

التنقيب عن البيانات والتعلم الآلي ربما يساهمان في مواجهة تهديدات كيميائية وبيولوجية وإشعاعية ونووية، لا سيما أنها تهدد بإغراق الاستجابة الدفاعية والمدنية والطوارئ بالولايات المتحدة على نحو ربما يتجاوز جائحة كوفيد.


على مدى السنوات القليلة المقبلة، ستحصل القوات الأمريكية التي تتعامل مع تهديدات كيميائية وبيولوجية وإشعاعية ونووية، على بدلات وقفازات وأجهزة استشعار أكثر تطورًا.

وفي حين أن هذه التغييرات تبدو طفيفة رغم أهميتها، فهي تكشف عن وجود تهديدات متزايدة لا تقتصر فقط على الرصاص والصواريخ، حسب تقرير نشره موقع “ميليتري تايمز” الأمريكي، أمس الأول الثلاثاء 2 أغسطس 2022.

التحول الأكبر

التغير الأساسي الذي قد يُحدِث التحول الأكبر، وفق التقرير، يكمن في مراجعة شاملة للتهديدات المشتركة، وووضع استراتيجية جديدة، وزيادة التمويل لسنوات عديدة مقبلة، لدفع الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية إلى طليعة التفكير الدفاعي الأمريكي.

وفي إطار ذلك التحول، يأمل مسؤولون تزويد هيكل القوة الأمريكية بمعدات واستراتيجيات متعلقة بمواجهة التهديدات  الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية.

تحول جذري

حسب التقرير، من شأن آليات مثل التنقيب عن البيانات والتعلم الآلي أن تسهم أفضل -حاليًّا- في مواجهة تهديدات كيميائية وبيولوجية وإشعاعية ونووية، خاصة أنها تهدد بإغراق الاستجابة الدفاعية والمدنية والطوارئ بالولايات المتحدة على نحو قد يتجاوز جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”.

ذلك الأمر طرحته مساعدة وزير الدفاع لبرامج الدفاع النووي والكيميائي والبيولوجي، ديبورا روزنبلوم، في 28 يوليو الماضي، خلال المؤتمر السنوي لاتحاد الصناعات الدفاعية الوطنية الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية في بالتيمور. وقالت روزنبلوم: “نحن بحاجة لتحول جذري”، واصفة تلك التهديدات بأنها أكثر صعوبة إلى حد كبير وسريعة التغيير.

تهديدات خصوم أمريكا

خلص مشاركون عدة في المؤتمر الذي استمر ليومين، إلى انتهاء عصر النهج المتبع لعقود مع تهديدات مثل الجدري أو الجمرة الخبيثة، وكلاهما من الفيروسات القاتلة التي توجد لها لقاحات.

وفي حين أن فيروس كوفيد-19 نشأ من اتصال بين الإنسان والحيوان، أشار الموقع إلى أن التهديدات الحالية والمستقبلية المحتمل أن تواجه أمريكا، قد يكون وراءها خصوم مثل روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية أو إيران، أو جهات فاعلة غير حكومية، لإرباك أدوات تحديد الهوية الحالية، بما يُصعب من الكشف عن القائمين على تلك التهديدات وماهيتها وكيفية مواجهتها.

برامج أسلحة مزدوجة الاستخدام

هذه التحذيرات ليست إشارات عارضة. فالواقع أن تقريرًا لوزارة الخارجية الأمريكية لعام 2022 حول الالتزام والامتثال للحد من الأسلحة، بما في ذلك برامج الأسلحة الكيميائية والأسلحة البيولوجية، قد طرح ملاحظات محددة بشأن هؤلاء الخصوم.

وجاء في التقرير: “واصلت جمهورية الصين الشعبية الانخراط في أنشطة متعلقة ببرامج أسلحة مزدوجة الاستخدام، تثير شكوكًا حول امتثالها للمادة الأولى من اتفاقية الأسلحة البيولوجية”.

الاستخدام الضار للتكنولوجيا البيولوجية

الجزء الأكبر من تقرير الخارجية الأمريكية حول برامج أسلحة مزعومة، خاصة البرامج مزدوجة الاستخدام، يتضمن مخاوف من الاستخدام الضار للتكنولوجيا البيولوجية والكيميائية، بسبب معلومات منقوصة أو غير دقيقة أو مضللة في بعض الأحيان.

ولدى الولايات المتحدة أيضًا برامجها الخاصة للدفاع البيولوجي والتكنولوجيا البيولوجية، التي من الممكن تحويلها لتصبح مزدوجة الاستخدام. وأشار الموقع إلى أن أمريكا سعت لإنشاء مخازن أسلحة كيماوية وبيولوجية ضخمة قبل أن تلتزم بإنهاء برامج الأسلحة البيولوجية الهجومية وتنضم إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية، وفق تقرير ميليتري تايمز.

بنية تحتية قوية واغتيالات بعناصر إشعاعية

حافظت روسيا على بنية تحتية قوية للأسلحة البيولوجية والكيميائية عندما كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي. وعلى الرغم من إنكارها علنًا لاستخدام هذه البرامج، أقر مسؤولون روس في أوائل التسعينات بأن برنامج الأسلحة البيولوجية استمر حتى أواخر أيام الحرب الباردة.

وأفادت تقارير إعلامية بأن الكرملين نفذ اغتيالات سياسية، بناء على طلب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، باستخدام عناصر إشعاعية، وعامل الأعصاب “نوفيتشوك” المحظور بموجب معاهدة الأسلحة الكيميائية.

خدعة استراتيجية

عرج الموقع أيضًا على كوريا الشمالية التي يُعتقد أنها تصنع أسلحة بيولوجية لأغراض عسكرية منذ الستينات، وفق تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية.

ومع ذلك، يرى خبراء بمجلس نشرة علماء الذرة الأمريكي، أن القدرات العسكرية لكوريا الشمالية بحاجة إلى أدلة ملموسة، في وقت يمكن فيه لقيادة الدولة ذات الحدود المغلقة أن تروّج لبرامج الأسلحة البيولوجية القوية باعتبارها مجرد خدعة استراتيجية.

الأسلحة البيولوجية بكوريا الشمالية.. مزاعم بلا تعريف واضح

ذكر تقرير لمركز الأبحاث ستيمسون في عام 2020 أن الحكومة الأمريكية قدمت لسنوات مزاعم حول الأسلحة البيولوجية في كوريا الشمالية، من دون تعريف واضح لبرنامج الأسلحة البيولوجية.

وجاء في تقرير ستيمسون: “استنادًا إلى تعريف مفتشي الأمم المتحدة الذين يحققون في أنشطة الأسلحة البيولوجية في العراق، قد يكون أكثر ما يمكن قوله في حالة كوريا الشمالية هو أنه قد يكون لديها أو كان لديها برنامج أسلحة بيولوجية”، وفق ميليتري تايمز.

تحدٍّ أمام البنتاجون

لا تزال التهديدات البيولوجية والكيميائية تمثل تحديًا أمام البنتاجون. وقد أرسل وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، مذكرة في أواخر عام 2021، دعا خلالها لمراجعة وضع الدفاع البيولوجي للتهديدات البيولوجية الطبيعية والمُصنعة.

وبدأت تلك المراجعة في يناير الماضي وسط توقعات بأن تستغرق عامًا، وفقًا لما ذكرته روزنبلوم، مساعدة وزير الدفاع لبرامج الدفاع النووي والكيماوي والبيولوجي. وقد زاد البنتاجون الإنفاق على الدفاع الكيميائي والبيولوجي 300 مليون دولار إضافية، بالميزانية المقترحة الحالية، وما مجموعه 1.2 مليار دولار كتمويل إضافي على مدى السنوات الـ5 المقبلة.

مستشعرات وخوارزميات ولقاحات

من ضمن الإجراءات التي يخطط البنتاجون لاتخاذها في مواجهة تلك التهديدات، إضافة مستشعرات لكشف الأسلحة البيولوجية والكيميائية والنووية على منصاته التكتيكية الحالية والمستقبلية، بما في ذلك ناقلات الجنود المأهولة والمُسيَّرات والطائرات الفردية من دون طيار.

كذلك يحتاج البنتاجون إلى استخدام خوارزميات متقدمة كالأقمار الصناعية والتصوير الحراري الذي يمكنه من تحديد وتتبع انتشار إطلاق الأسلحة الكيميائية، فضلًا عن تطوير لقاحات حديثة لاستخدامها قبل التعرض لأي فيروسات، كإجراء وقائي، وبعد ذلك كعلاج.

ربما يعجبك أيضا