أرمينيا وأذربيجان.. اتفاق سلام يُعيد تشكيل خارطة القوقاز

بسام عباس
الرئيس الأذري إلهام علييف، ورئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان

توصلت أرمينيا وأذربيجان إلى اتفاق سلام ينهي نزاعهما المستمر منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، مما يمهد للاستقرار في جنوب القوقاز. ورغم التفاؤل، تظل التحديات قائمة، خاصةً بشأن التعديلات الدستورية التي تطالب بها باكو قبل تنفيذ الاتفاق.

وبدأت المحادثات فعليًا عام 2020 بعد الحرب حول ناجورنو كاراباخ، لكنها لم تحقق تقدمًا حقيقيًا حتى استعادة أذربيجان السيطرة على الإقليم في سبتمبر 2023. ورغم أن الاتفاق يهدف لإنهاء النزاع، إلا أن آثار الحروب السابقة لا تزال تؤثر على العلاقات بين البلدين.

بدائل أمنية

قالت مجلة “وورلد بوليتكس ريفيو”، في تقرير نشرته، الجمعة 14 مارس 2025، أن العقد الماضي شهد تحولات عميقة في ميزان القوى الإقليمي، حيث عززت أذربيجان موقعها العسكري والدبلوماسي، مما منحها اليد العليا في المفاوضات، فبعد أن استعادت جميع الأراضي التي كانت تحت سيطرة أرمينيا، باتت باكو في موقف يتيح لها فرض شروطها لتحقيق تسوية نهائية.

وأضافت أن أرمينيا تواجه وضعًا صعبًا، خاصةً بعد أن أظهرت الحرب الأخيرة هشاشة تحالفها مع موسكو، إذ لم تمنع قوات حفظ السلام الروسية الهجوم الأذربيجاني عام 2023، ما دفع يريفان إلى البحث عن بدائل أمنية، عبر توثيق علاقاتها بالغرب والانخراط في تدريبات عسكرية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

الانجراف نحو الغرب

أوضحت المجلة أن أرمينيا تسعى لتعزيز علاقاتها مع القوى الغربية كضمانة لأمنها القومي، في ظل التحديات التي تفرضها الهيمنة الأذربيجانية المتزايدة، فبينما تروج باكو لممر يربطها بجمهورية “ناخيتشيفان” عبر الأراضي الأرمينية، تخشى يريفان أن يكون ذلك ذريعة لمزيد من التوسع الأذربيجاني في المنطقة.

وأشارت إلى أن موقع أرمينيا الجيوسياسي يجعلها عرضة لمزيد من الضغوط، فروسيا، التي تُعد تقليديًا الضامن الأمني الرئيسي لأرمينيا، أصبحت أقل قدرة على التأثير نتيجة انشغالها بالحرب في أوكرانيا، مما يدفع يريفان إلى مواصلة توجهها نحو الغرب، رغم المخاطر التي قد تترتب على ذلك.

عقبات محتملة

رغم التوصل إلى اتفاق سلام، لا تزال هناك تحديات قد تعرقل تنفيذه، أبرزها شرط باكو بأن تقوم أرمينيا بتعديل دستورها لإزالة أي إشارات ضمنية تدعو إلى ضم أراضٍ أذربيجانية، ويتطلب هذا التعديل استفتاءً شعبيًّا، ما قد يواجه معارضة داخلية قوية من القوميين الأرمينيين.

وإلى جانب ذلك، تتنافس العديد من القوى الإقليمية على النفوذ في جنوب القوقاز، مثل روسيا وتركيا وإيران والاتحاد الأوروبي، ما يجعل تنفيذ الاتفاق مشروطًا بتوازنات سياسية معقدة، ويرى بعض المحللين أن هذه التحديات قد تؤخر تنفيذ الاتفاق أو تؤدي إلى تغييرات في بنوده.

 تأثير جذري

قالت المجلة إن تنفيذ الاتفاق سيكون له تأثير جذري على المشهد الإقليمي، حيث ستصبح أذربيجان القوة المهيمنة في جنوب القوقاز، بينما ستظل أرمينيا في موقع دفاعي، تحاول التكيف مع المتغيرات الجديدة، ما قد يؤدي إلى استقرار طويل الأمد، ولكنه في الوقت ذاته يعزز من هيمنة باكو في المنطقة.

وفي ظل هذا التغيير الكبير، قد تجد أرمينيا نفسها مجبرة على إعادة النظر في تحالفاتها الإقليمية، خاصةً إذا استمرت الضغوط الأذربيجانية، أما بالنسبة لأذربيجان، فإن إحكام سيطرتها على الإقليم، وإنهاء النزاع مع أرمينيا، قد يمنحها نفوذًا أكبر في علاقاتها مع القوى الدولية.

تفاؤل مشوب بالحذر

ولفتت المجلة إلى أنه رغم الأمل الذي يرافق اتفاق السلام، فإن تحقيق استقرار دائم يتطلب التزامًا فعليًا من جميع الأطراف، فالتجارب السابقة تؤكد أن النزاعات لا تُحسم بالتوقيع فقط، بل تحتاج إلى تنفيذ فعلي ومستمر لضمان تحوّل الاتفاق إلى واقع يحقق الأمن في جنوب القوقاز.

ولكن المخاوف لا تزال قائمة، إذ قد يؤدي أي تصعيد إلى عودة العنف، خاصةً إذا لم تُنفذ بنود الاتفاق بإنصاف، ومع استمرار انعدام الثقة بين الطرفين، يبقى على المجتمع الدولي التدخل لضمان استقرار المنطقة ومنع أي انتكاسات تُعيد إشعال فتيل النزاع.

ربما يعجبك أيضا