أزمة المياه في العراق .. تهدد بحرب داخلية وضياع الثروة الزراعية والحيوانية

يوسف بنده

رؤية
 
تهدد موجة الجفاف التي تضرب العراق منذ عدة سنوات باندلاع “حرب مياه” بين المحافظات العراقية التي بدأت بالتجاوز على الحصص المائية المخصصة لكل منها.
 
وما زاد من تفاقم الأزمة قيام تركيا مطلع شهر تموز/ يوليو الجاري بملء خزان سد إليسو الذي يعد من أضخم السدود التركية على نهر دجلة، وتأثير الإجراء على واردات المياه الداخلة إلى العراق والتي تراجعت بمقدار النصف مقارنة بالسنوات الماضية.
 
وإلى جانب الخطوات التركية، كانت إيران قد اتخذت في وقت سابق إجراءات مماثلة عبر بناء سدود على روافد نهر دجلة قبل دخولها إلى الحدود العراقية، وقامت أيضا بتحويل مجرى بعض الأنهار المتجهة إلى العراق وأعادتها إلى الأراضي الإيرانية.
 
المحافظات الأكثر تضررا
 
ودفعت هذه الخطوات الكثيرين إلى التجاوز على الحصة المائية، سواء في ما بين المحافظات أو داخل المحافظة الواحدة.
 
وبدأت بعض المحافظات بالتصرف كدول مستقلة في النزاعات بشأن المياه، فيما لا تزال صراعات الحصص المائية مستمرة. فعلى سبيل المثال محافظة ميسان في حالة نزاع مستمر مع الكوت، ومحافظة المثنى مع القادسية وذي قار.
 
“تصرف المحافظات بشكل منفرد ينذر بكارثة” يقول محافظ ذي قار يحيى الناصري لـ”الحرة”، ويضيف أن “من غير المعقول أن يقوم أحد المحافظين بالعبور إلى حدود محافظة أخرى والتجاوز عليها من أجل توفير المياه للأراضي الزراعية التابعة لمحافظته”.
 
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد تناقلت في آذار/ مارس الماضي مقطع فيديو يظهر فيه محافظ المثنى فالح الزيادي برفقة قوة أمنية مصحوبة بجرافات وهي تدخل قضاء الحمزة في محافظة الديوانية من أجل رفع التجاوزات عن المياه.
 
ويشير الناصري إلى أن التجاوزات على الحصص المائية “بدأت تخلق مشاكل حقيقية في العراق”، داعيا إلى “ضرورة عدم المساس بهذه الحصص من أجل تفادي وقوع أي نزاعات في المستقبل”.
 
صراعات بين العشائر
 
وفي إجراء يهدف لمواجهة مشكلات الجفاف وتقلص مستويات المياه في العراق، حظرت الحكومة العراقية في حزيران/يونيو الماضي زراعة الأرز وبعض المحاصيل الأخرى.
 
وتبع هذا الإجراء قيام مجموعة من المواطنين في ناحية القادسية في محافظة النجف بالاعتداء على إحدى منشآت الري على نهر الفرات وتخريب آليات التحكم والسيطرة بهدف الاستحواذ على الحصص المائية المقررة للمحافظات الجنوبية، وفقا لوزارة الموارد المائية.
 
وشهدت بعض محافظات الفرات الأوسط نزاعات بين العشائر من أجل تأمين المياه للزراعة ولتربية الحيوانات.
 
ويقول محافظ الديوانية سامي الحسناوي -لـ”الحرة”- إن “هذه النزاعات بدأت تهدد السلم الأهلي في المحافظة”.
 
ويضيف أن “السلطات الأمنية تدخلت قبل أيام لفض نزاع مسلح نشب بين عشيرتين بسبب الحصص المائية”.
 
ويتابع أن “قوات الأمن غير قادرة على مواجهة هذه العشائر لأنها تمتلك أسلحة تفوق ما تمتلكه السلطات”.
 
وتؤكد وزارة الموارد المائية أنها اتخذت “إجراءات صارمة لتأمين الحصص المائية للمحافظات العراقية وفق برنامج أعد سلفا للموسم الزراعي الصيفي”.
 
ويقول مدير عام تنفيذ مشاريع الري والبزل علي راضي لـ”الحرة” إن “هناك تعاونا مع الأجهزة الأمنية لغرض إزالة التجاوزات على الحصص المائية المقررة لكل محافظة وتأمين وصولها إلى مستحقيها”.
 
ووفقا لتقارير صادرة عن البنك الدولي فإن العراق قد يصل إلى الجفاف الكامل بحلول عام 2040، بعد أن تراجعت حصة الفرد إلى ألفي متر من المياه سنويا في حين كانت تفوق ستة آلاف متر خلال الأعوام الماضية.
 
السد التركي
 
عندما بدأت تركيا في تخزين مياه نهر دجلة خلف سد إليسو الشهر الماضي، انزعج العراق بشدة، وهو البلد الذي يُعاني بالفعل من جفاف خفّض مستويات المياه في البحيرات والأنهار. وتحمل بغداد تركيا معظم المسؤولية.
 
ويذكر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة أن نحو 70 في المئة من المياه التي تدخل العراق تأتي من تدفق نهري تتحكم فيه تركيا وإيران وسوريا.
 
وتسبّب تناقص مناسيب المياه وزيادة الملوحة في منطقة الأهوار بجنوب العراق انتشار الأمراض بما جعل الجاموس المنتشر في المنطقة عرضة للهلاك.
 
وحذر نشطاء في مجال البيئة من أن ذلك ربما يُجبر من يربون الماشية في المنطقة على الهجرة لدول مجاورة.
 
وأُدرجت الأهوار ضمن قائمة مواقع التراث العالمي لمنظمة التربية والعلم والثقافة (اليونسكو) قبل عامين.
 
وكانت الأهوار تغطي تسعة آلاف كيلومتر مربع في سبعينات القرن الماضي لكنها تقلصت إلى 760 كيلومترا مربعا بحلول عام 2002. وبحلول سبتمبر 2005 استُعيد نحو 40 في المئة من المنطقة الأصلية، ويقول العراق إنه يستهدف استعادة ستة آلاف كيلومتر مربع في المُجمل.
 
وقال مسؤولون في منطقة الأهوار: إنهم سجلوا أكثر من 30 حالة نفوق لجاموس خلال الشهر الماضي، مشيرين إلى أنه ربما تكون هناك حالات أخرى لأن المربين عادة ما يذبحون حيواناتهم أو يحرقون جيفها عقب نفوقها.
 
ويشكو المسؤولون عن المياه من أن معدل التدفق الحالي، وهو 17 مترا مكعبا في الثانية، يكفي بالكاد لتغطية منطقة الأهوار الشاسعة، الأمر الذي يهدد جاموس الماء الكثير في المنطقة بالأمراض والنفوق.
 
ويطلق العراق حاليا حملة لوقف انتشار الأمراض، سيتم بموجبها تطعيم حوالي 30 ألف رأس جاموس ضد البروسيلا والتسمم المعوي والحمى القلاعية، وكلها تتسبب في نفوق الجاموس.
 
وتسبب ارتفاع درجات الحرارة وإقامة سدود على نهري دجلة والفرات وزيادة الأنشطة الزراعية في زيادة الضغط على موارد المياه الشحيحة في العراق.
 
وبينما أقام صدام حسين، الذي اتهم عرب الأهوار بالخيانة خلال الحرب مع إيران التي امتدت من 1980 إلى 1988، السدود وجفّف الأهوار لاكتشاف المتمردين المختبئين في القصب، تثور حاليا مخاوف من أنّ الدول المجاورة ربما تخنق إمدادات المياه.
 
وقال رئيس منظمة الجبايش للسياحة البيئية رعد حبيب “في السابق، في نفس هذه الأيام يعني تقريبا كان منسوب الماء متر و30 (سنتيمترا) في عمود نهر الفرات، الآن 86 سنتيمتر، فارق كبير جدا. نسبة الملوحة 8000 جزء بالمليون، كان في السابق 1500 جزء بالمليون. يعني أضرار كبيرة جدا، هذه الأضرار لا بدّ للدولة أن تجد لها حلا، توفر إطلاقات مائية من خلال الاتفاق مع الدول المتشاطئة. منع التجاوزات، هناك تجاوزات كبيرة تحصل على عمود نهر الفرات منها تجاوزات غير مرخصة مثل بحيرات الأسماك والزراعة رغم أن الدولة منعت الزراعة ولكن بعض المواطنين يصرون على الزراعة”.
 
وفي أوائل يونيو قالت الحكومة إنها تمنع المزارعين من زراعة الأرز وغيره من المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه في مواجهة تزايد نقص المياه وتناقص تدفقات النهرين بسبب الجفاف. لكنها أصدرت بعد أيام قرارا يسمح للمزارعين بزراعة ما لا يزيد عن 12500 كيلومترا مربعا من الأرز هذا الموسم.
 
وأضاف رعد حبيب “المربين ما عندهم سوى الهجرة إلى ايران أو الدول المجاورة، أو الدولة تجد حل فوري وآني حتى نحافظ على مربي الجاموس، مستوطنين داخل الأهوار، هذه ثروة وطنية لا بد الحفاظ عليها والحفاظ على مربين الجاموس كونهم يمثلون العمود الفقري للأهوار، وخاصة الأهوار انضمت للتراث العالمي بسبب طبيعة المعيشة”.

ربما يعجبك أيضا