بعد أكثر من 3 سنوات على عودتها إلى الحكم، تواجه حركة طالبان أزمة متصاعدة على جبهتين؛ داخليًا، تعاني من انقسامات بين فصائلها القيادية، وخارجيًا، تتعرض لتهديدات متزايدة من تنظيم داعش ولاية خراسان، ما يضع مستقبل حكمها على المحك.
ويُبرز اغتيال خليل الرحمن حقاني، أحد كبار قادة طالبان، في ديسمبر 2024 هشاشة الوضع الأمني في أفغانستان، حيث تعكس هذه العملية، التي نفذها تنظيم داعش خراسان، تصاعد العنف في البلاد، فضلًا عن التوترات المتزايدة بين القيادة السياسية والعسكرية لطالبان.
ضربة قاسية لطالبان
ذكرت مؤسسة أوبزرفر للأبحاث، في تقرير نشرته الثلاثاء 25 مارس 2025، أن كابول شهدت، في 11 ديسمبر 2024، أول اغتيال رفيع المستوى لمسؤول من طالبان منذ استيلائها على السلطة عام 2021، حيث استهدف انتحاري من تنظيم داعش خراسان وزير اللاجئين، خليل الرحمن حقاني، أثناء مغادرته مبنى وزارته بعد أداء صلاة العصر.
وزير اللاجئين الأفغاني، خليل الرحمن حقاني
وأعلن التنظيم مسؤوليته عن الهجوم عبر قناته على تيليجرام، مؤكدًا أن الاغتيال جزء من حملته المستمرة لتقويض حكم طالبان، ولفتت المؤسسة البحثية إلى أن هذا الاغتيال لم يكن مجرد عمل إرهابي، بل مؤشرًا على هشاشة الأمن الداخلي للحركة، وعجزها عن تأمين قادتها في قلب العاصمة.
انقسامات داخلية تتفاقم
رغم إعلان طالبان رسميًا أن مقتل حقاني “استشهاد”، إلا أن غياب الأمير، الملا هبة الله أخوندزاده، عن مراسم العزاء أثار تساؤلات حول مدى التوتر بين قيادة الحركة. يسلط الحادث الضوء على الانقسام بين فصيل حقاني، المتمركز في كابول، والقيادة العليا في قندهار.
وتعكس هذه الانقسامات أزمة متنامية داخل طالبان، حيث تتزايد المعارضة لسياسات أخوندزاده، خاصة بين قادة بارزين مثل سراج الدين حقاني ووزير الدفاع الملا يعقوب، اللذين انتقدا علنًا بعض سياسات الأمير، ما يعزز الشكوك بشأن وحدة الحركة.

هبة الله أخوند زادة، زعيم طالبان
لاعب مستقل داخل طالبان
أوضح تقرير المؤسسة أن شبكة حقاني، التي أسسها جلال الدين حقاني خلال الحرب ضد السوفييت، هي إحدى أكثر الفصائل نفوذًا داخل طالبان، وقد لعبت دورًا محوريًا في العمليات العسكرية والسياسية للحركة، وتولى سراج الدين حقاني قيادة الشبكة بعد وفاة والده، وأصبح وزيرًا للداخلية منذ 2021.
ورغم أن الشبكة جزء من طالبان، فإنها تحتفظ بهويتها المستقلة، وتمتلك مصادر تمويل خاصة بها، ما يمنحها نفوذًا واسعًا. وحافظت على علاقات قوية مع دول مثل باكستان وقطر، ما يعزز مكانتها داخل الحركة، لكنه في الوقت نفسه يزيد التوترات مع القيادة المركزية.
ردود فعل دولية
أثار اغتيال خليل حقاني إدانات واسعة، حيث استنكرت كل من قطر وتركيا والمملكة العربية السعودية وباكستان العملية، وقدم الرئيس الأفغاني السابق، حامد كرزاي، تعازيه لعائلة حقاني، واصفًا القتيل بأنه “أحد رموز الجهاد الأفغاني”.
في خطوة دبلوماسية لافتة، استضاف سراج الدين حقاني مراسم عزاء استمرت أسبوعين، حضرها مسؤولون من عدة دول، ما أظهر نفوذه المتزايد في المشهد السياسي الإقليمي، وكشف هذا الحدث عن شبكة علاقاته الواسعة، والتي يمكن أن تشكل تحديًا للقيادة المركزية لطالبان.
داعش.. تهديد متصاعد
بعد يوم من اغتيال حقاني، تبنّى تنظيم داعش ولاية خراسان الهجوم، في رسالة واضحة مفادها أن طالبان غير قادرة على حماية كبار قادتها. يسعى التنظيم إلى تقويض شرعية طالبان، مصورًا إياها كحركة ضعيفة غير قادرة على الحكم، مما يساعده في استقطاب عناصر جديدة.
وأسس داعش خراسان وجوده في أفغانستان منذ 2014، مستقطبًا مقاتلين من طالبان وتنظيم القاعدة، وهو الآن يشكل تحديًا خطيرًا لطالبان، حيث يتبنى أيديولوجية متشددة تتهم الحركة بالانحراف عن الشريعة الإسلامية في سعيها للحصول على اعتراف دولي.
حدود رخوة
تواجه طالبان معضلة حقيقية، إذ إن سياستها القمعية تجاه الأقليات العرقية، إضافة إلى ضعف سيطرتها على الحدود، تمنح داعش خراسان فرصة ذهبية لتوسيع نفوذه. تشير تقارير استخباراتية إلى أن التنظيم يستغل هذه العوامل لتعزيز قدراته القتالية وجذب المزيد من المقاتلين.
مع تصاعد الهجمات، تواجه أفغانستان والمنطقة بأكملها خطرًا متزايدًا من تمدد داعش خراسان، ما يهدد الأمن الإقليمي، خاصة في دول آسيا الوسطى، التي أصبحت هدفًا جديدًا للتنظيم، ما يستدعي استجابة دولية حازمة لاحتواء هذا التهديد.
مستقبل على المحك
يكشف اغتيال خليل حقاني عن تحديات كبيرة تواجه طالبان، إذ لا تقتصر أزمتها على التهديدات الأمنية الخارجية، بل تشمل أيضًا صراعات داخلية تهدد تماسكها. بمرور الوقت، قد تجد طالبان نفسها مضطرة إلى إجراء تغييرات داخلية لضمان بقائها في السلطة.
في ظل تزايد الانقسامات الداخلية وتصاعد هجمات داعش خراسان، يبقى السؤال الأهم: “إلى متى ستتمكن طالبان من الحفاظ على قبضتها على الحكم؟” في غياب استراتيجية واضحة لمعالجة هذه التحديات، ربما تواجه الحركة اضطرابات داخلية قد تعجل بانهيارها.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2175566