«أسوشيتد برس»: العنف الروسي في أوكرانيا كان «استراتيجيًّا وممنهجًا»

آية سيد
العنف الروسي في أوكرانيا

بعد الانسحاب من مدينة بوتشا الأوكرانية، ترك الجنود الروس ورائهم جثث أكثر من 450 رجلًا وامرأةً وطفلًا، جميعها حملت علامات تدل على الموت نتيجة العنف.


زعم تحقيق صحفي لوكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية أن الجنود الروس ارتكبوا جرائم عنف في أوكرانيا على نحو استراتيجي وممنهج.

واعتمد التحقيق، الذي نُشر يوم الأربعاء 26 أكتوبر 2022، على روايات مواطنين أوكرانيين قالوا إنهم تعرضوا للضرب والتعذيب في القرى والمناطق التي كانت تحت قيادة الجنرال الروسي، ألكسندر تشايكو.

العنف الروسي في أوكرانيا

الجنرال ألكسندر تشايكو

عنف استراتيجي

بدأ التحقيق، الذي أجرته الوكالة بالتعاون مع برنامج “فرونت لاين”، الذي تنتجه شبكة “بي بي إس” الأمريكية، بالإشارة إلى استجواب القوات الروسية 3 رجال أوكرانيين، وتعذيبهم، ثم قتلهم في حديقة منزل، بالقرب من مكان تواجد الجنرال تشايكو، الذي فرضت عليه بريطانيا عقوبات بسبب جرائم مزعومة في سوريا.

وذكر التحقيق أن موت هؤلاء كان جزءًا من نمط عنف أدى إلى تعرض مئات المدنيين إلى الضرب والتعذيب والإعدام في الأراضي تحت قيادة تشايكو، الذي كان يدير الحرب من قرية زدفيجيفكا. ووصف التحقيق تلك الجرائم بأنها “وحشية استراتيجية ومنظمة”.

بداية الحرب

في الساعة السابعة من صباح 24 فبراير الماضي، أمر قائد الفرقة 76 المحمولة جوًا الروسية، الجنرال سيرجي تشوباريكين، بالعبور إلى أوكرانيا من بيلاروسيا، والقتال حتى الوصول إلى كييف، وفق ما ذكره مدعين أوكرانيين. وأخبر مسؤولان في كييف “أسوشيتد برس” أن تشوباريكين كان مسؤولًا أمام تشايكو في المرحلة الأولى من الحرب.

وبحسب المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، الذي راجع نسخًا من خطط المعركة الروسية، تلقت القوات، التي تتقدم تجاه العاصمة الأوكرانية، أوامر بمنع وتدمير “المقاومة القومية”. واستخدم الجنود قوائم جمعتها الاستخبارات الروسية، ونفذوا عمليات تطهير، عبر تمشيط الأحياء لتحديد أي شخص قد يشكل تهديدًا وتحييده.

أوامر بالقتل

الشهود والناجون في مدن بوتشا وزدفيجيفكا، وغيرها من المناطق الخاضعة لقيادة تشايكو، أخبروا “أسوشيتد برس” أن الجنود الروس عذبوا وقتلوا الأشخاص، عند أدنى شك في أنهم قد يساعدون الجيش الأوكراني. وأظهرت الحوارات ومقاطع الفيديو زيادة عمليات التمشيط، بعد ضرب المواقع الروسية بدقة.

وأظهرت المكالمات الهاتفية، التي جرى اعتراضها وحصلت عليها “أسوشيتد برس”، أن الجنود أخبروا عائلاتهم أنهم تلقوا أوامر باتباع نهج عديم الرحمة تجاه المخبرين المشتبه بهم. وجاء في إحدى المكالمات: “لدينا الأمر: لا يهم إذا كانوا مدنيين أم لا. اقتلوا الجميع”. وفي مكالمة أخرى، قال جندي روسي: “لدينا أوامر بعدم أخذ سجناء حرب، بل قتلهم مباشرة”.

العنف الروسي في أوكرانيا

جثث مدنيين في بوتشا

المقاومة الأوكرانية

تسببت المقاومة الأوكرانية الشرسة والتخطيط السيء في دفع القوات الروسية بعيدًا عن خط الهجوم المخطط له.، وفق تعبير “أسوشيتد برس”، وانتهى الحال ببعضهم في بوتشا، في حين استقر الآلاف في زدفيجيفكا، وهي قرية صغيرة تقع على مسافة نصف ساعة شمالي بوتشا، التي حولها الروس إلى قاعدة علميات أمامية رئيسة للهجوم على العاصمة.

وأسس الروس بنية تحتية حساسة في شارع تسنترالنا، واستولوا على مبنى مجلس القرية ومركز ثقافي ومدرسة، وأنشأوا مقرًا في روضة أطفال. وأقاموا نقاط تفتيش في كل مكان. ووصف السكان المحليون الحياة تحت “احتلال جنود تشايكو” بالعصيبة والمروعة، وأنهم كانوا يفتشون المنازل، ويجرون عمليات تمشيط باستمرار.

البحث عن القوميين

في 19 مارس، شن الأوكرانيون ضربة دقيقة استهدفت مستودعًا روسيًّا، ما دفع قوات موسكو إلى تفتيش المنازل واعتقال المواطنين. وقال مواطن أوكراني، يدعى فيتالي تشيرنيش، إن الجنود وجدوا معه صورًا لمركبات عسكرية روسية أرسلها له شخص ما عبر تطبيق “فايبر” في 25 فبراير، واقتادوه صحبة 3 آخرين، مكبلين ومعصوبي الأعين، إلى حظيرة قريبة.

وبحسب التحقيق، كانت درجة الحرارة تحت الصفر، ولم يكن أي منهم يرتدي ملابس مناسبة للبرد. وفي اليوم التالي، اصطحب تشيرنيش، معصوب العينين، إلى مزرعة واتهموه بأنه مراقِب. وسأله الجنود: “أين القوميون؟” وسكبوا البنزين عليه، وتظاهروا بإشعال النار فيه، ثم أمروه بالجري عبر ما قالوا إنه حقل ألغام.

وحاول تشيرنيش اتباع تعليمات الجنود، الذين ضربوه على ساقيه بلوح خشبي. وفي النهاية، وصل رجل يبدو أنه من رتبة أعلى، وفحص هاتف تشيرنيش، ثم أمر الجنود بإعادته إلى منزله.

تكريم الجنود الروس

ذكر التحقيق أنه بعدها بأيام، نشرت وزارة الدفاع الروسية مقطع فيديو لتشايكو وهو يسلم ميداليات للجنود بالقرب من زدفيجيفكا. وفي الفيديو، الذي يعود إلى 24 مارس، قال تشايكو: “كل الوحدات, وكل الفرق تعمل بالطريقة التي تعلمتها. إنهم يفعلون كل شيء بطريقة صحيحة. وأنا فخور بهم”.

وعندما انسحبت القوات الروسية، بعدها بأسبوع، بدأت الجثث في الظهور. وتحولت بوتشا سريعًا إلى “رمز عالمي للأعمال الوحشية الروسية” وقت الحرب، والقضية رقم واحد للمدعين الأوكرانيين، الذين يحققون في جرائم الحرب. ووفق “أسوشيتد برس”، ترك الجنود الروس جثث أكثر من 450 رجلًا وامرأةً وطفلً، جميعها حملت علامات تدل على الموت نتيجة العنف.

العنف الروسي في أوكرانيا

دبابات روسية مدمرة بعد الانسحاب من بوتشا

جمع الأدلة ضد تشايكو

يحاول المدعون في أوكرانيا جمع الأدلة ضد الجنرال تشايكو، الذي اكتسب سُمعة عالمية بالوحشية كقائد للقوات الروسية في سوريا. بحسب التحقيق، وفي أوكرانيا، يقول المدعون إنهم لا يملكون إثباتًا على أن تشايكو أمر بجرائم معينة، لكن من الواضح أن الأعمال الوحشية ارتُكبت تحت إشرافه.

وفي يونيو الماضي، فرضت وزارة الخارجية الأمريكية عقوبات على وحدات روسية، جميعها كانت تعمل تحت قيادة تشايكو. ولفت التحقيق إلى العثور على 17 جثة مشوهة في حديقة المنزل، الذي كانت تحتله القوات الروسية في زدفيجيفكا. وأفاد شهود عيان لـ”أسوشيتد برس” بأنهم رأوا الجنرال تشايكو بالقرب من موقع الجثث، قبل أيام من اكتشافها.

وفي هذا الشأن، قال أحد المدعين الأوكرانيين إنه من الواضح أن تشايكو “كان على علم بما يحدث بالقرب من مقره الواقع في نفس البلدة”، موضحًا أنه “يجب إثبات ذلك. وأعتقد أننا سنفعل”.

ربما يعجبك أيضا