بعد أقل من أسبوع من سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، واصلت التنظيمات السورية المسلحة المدعومة من تركيا، شن هجوم منفصل ضد قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، التي يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة.
هذا الهجوم، الذي لم يحظَ بتغطية إعلامية واسعة، يأتي في وقت حساس بالنسبة للأكراد السوريين الذين يخشون أن تكون حكومتهم المقبلة تحت قيادة معارضة مدعومة من تركيا، ما يهدد مستقبلهم في ظل ما يعتبرونه تهديدًا مستمرًا من قبل أنقرة.
الأكراد السوريون
يشكل الأكراد السوريون، الذين يصل عددهم إلى حوالي مليوني شخص، 10% من سكان سوريا، وقد تمكنوا من إنشاء مناطق خاصة بهم خلال الحرب الأهلية السورية، لكن مع تفاقم الوضع، يشعر الأكراد بالخوف من أن تنتهي بهم الحال في وضع أسوأ إذا تولت حكومة معارضة، بدعم من تركيا، زمام الأمور.
الحكومة التركية تعتبر قوات سوريا الديمقراطية امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تقاتل معه تركيا منذ عقود، ذلك أن الحزب الكردي يعمل على دعم مطالبة الأكراد بالاستقلال أو الحكم الذاتي، مما يضع الأكراد السوريين في مواجهة مباشرة مع المصالح التركية.
الولايات المتحدة والأكراد
وفق ما نشرت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، اليوم الجمعة 13 ديسمبر 2024، فإنه بينما قدمت الولايات المتحدة دعمًا عسكريًا لقوات سوريا الديمقراطية لمكافحة تنظيم داعش، أصبح الدعم الأمريكي محل تساؤل بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2020.
ويشير المحللون إلى أن الولايات المتحدة تتعامل مع الأكراد كمجموعة مساعدة في ميدان القتال وقت الحاجة، لكنها تتخلى عنهم عندما تنتهي مصالحها، هذا التغيير في السياسة يثير قلق الأكراد الذين يعتمدون على واشنطن في سبيل الحفاظ على موقفهم العسكري والسياسي.
الأكراد في موقف خطر
قال الخبير في شؤون الشرق الأوسط في “تشاتام هاوس”، رناد منصور، إن الأكراد في سوريا في وضع صعب للغاية الآن، حيث يعتمدون بشكل كبير على علاقتهم مع الولايات المتحدة، ولكن قد يُنظر إليهم كقوة قابلة للاستغناء عنها في المستقبل.
وأضاف أن الأكراد في سوريا ليس لديهم حلفاء حقيقيون، وأن قلقهم يكمن في أن يجدوا أنفسهم في مواجهة مع الأتراك الذين يواصلون اعتبار قوات سوريا الديمقراطية تهديدًا للأمن التركي.
معركة منبج
في الأيام الأخيرة، اندلعت معركة عنيفة في مدينة منبج بين الجيش السوري الوطني وقوات سوريا الديمقراطية، حيث دعمت تركيا الهجوم بطائرات مسيّرة هجومية. بعد معارك دامية، تم التوصل إلى هدنة بوساطة أمريكية.
ومع ذلك، لا تزال الاشتباكات مستمرة في مناطق أخرى مثل سد تشرين في شمال شرق سوريا ومدينة كوباني، حيث تعرضت مواقع قوات سوريا الديمقراطية لقصف مكثف من قبل المدفعية والطائرات المسيّرة.
انسحاب الأكراد
في وقت لاحق، انسحبت قوات سوريا الديمقراطية من مدينة دير الزور الشرقية بالقرب من الحدود العراقية بعد وصول قوات هيئة تحرير الشام (HTS).
ورغم أن سحب الأكراد من المنطقة تم بشكل هادئ، إلا أن هناك بعض التلميحات عن وجود اتفاقات غير معلنة بين الأطراف المعنية. هذه التحركات قد تكون بداية لتغيير في توازن القوى في مناطق سورية استراتيجية.
تركيا تشدد موقفها ضد الأكراد
تستمر تركيا في تأكيد موقفها الرافض لوجود قوات سوريا الديمقراطية في سوريا، حيث تعتبرها تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، وتسعى تركيا لتحقيق هدفين رئيسيين:
الأول هو منع الأكراد من إقامة كيان مستقل في شمال سوريا، والثاني هو ضمان أن تظل الأراضي الواقعة شرق نهر الفرات خاضعة للنفوذ التركي بشكل أو بآخر.
وفي هذا السياق، تحذر أنقرة من أن نجاح قوات سوريا الديمقراطية في فرض سيطرتها على المزيد من الأراضي يعني هزيمة استراتيجية لتركيا، وهو ما لا يمكن أن تقبله.
التحديات السياسية
ما بعد الحرب في سوريا سيشهد تحديات كبيرة على صعيد بناء حكومة موحدة، حيث تتعدد القوى المختلفة، بما في ذلك النظام السوري الذي يقوده الأسد، والمعارضة التي تدعمها تركيا، والفصائل الإسلامية بقيادة هيئة تحرير الشام.
وفي ظل هذه التحولات، يظل مستقبل الأكراد غامضًا، خاصة في ظل غياب ضمانات دولية لاستقلالهم أو حكمهم الذاتي في سوريا، هذه القضية قد تصبح أكثر تعقيدًا مع احتمال تحولات جديدة في السياسة الأمريكية بعد تولي الرئيس جو بايدن منصبه.
الأكراد في سوريا
يعيش الأكراد في سوريا اليوم تحت تهديدات من عدة أطراف. من جانب، هناك تهديد دائم من تركيا التي تعتبرهم أعداء استراتيجيين بسبب روابطهم مع حزب العمال الكردستاني.
ومن جانب آخر، توجد شكوك متزايدة بشأن الدعم الأمريكي المستمر، مما يجعلهم في موقف هش للغاية.
إضافة إلى ذلك، وجود هيئة تحرير الشام في المناطق التي كان يسيطر عليها الأكراد يثير مخاوف من احتمالية تزايد الهيمنة في سوريا، مما يزيد من تعقيد الوضع بالنسبة للأكراد.
مستقبل الدعم الأمريكي
تشير التطورات الحالية إلى أن الأكراد في سوريا قد يواجهون المزيد من التحديات في المستقبل القريب، في ظل سياسة ترامب غير المستقرة تجاه سوريا، وقلقهم من تقلبات السياسة الأمريكية، يخشى الأكراد أن يتعرضوا للترك في منتصف الطريق، كما حدث في مرات سابقة.
وتبقى مسألة دعمهم من قبل الولايات المتحدة أو التخلي عنهم قضية مفتوحة تؤثر بشكل كبير على مستقبلهم في المنطقة.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2074946