في أعقاب فوز المرشح الجمهوري في الانتخابات الأمريكية دونالد ترامب على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، التي كانت تأمل أن تكون أول رئيسة للولايات المتحدة، تبرز من جديد التساؤلات عن الصعوبات التي تواجهها النساء في الوصول إلى أعلى منصب سياسي في البلاد.
ورغم التقدم الكبير الذي حققته النساء في جميع مجالات الحياة الأمريكية، يبدو أن كسر “السقف الزجاجي” للوصول إلى الرئاسة لا زال بعيد المنال، فهل تعود هذه العقبات إلى عوامل اجتماعية وثقافية عميقة الجذور، أم أن النظام السياسي نفسه يعاني من تحيزات بنيوية تضعف فرص النساء؟.
الثقافة السياسية الأمريكية
من أهم العوامل التي تعيق فرص النساء في الفوز بالرئاسة هي الثقافة السياسية السائدة في الولايات المتحدة، تاريخيًا، اتسمت القيادة الأمريكية بميلها نحو الرجال، وتعتبر الرئاسة رمزا للقوة والصلابة، وهي صفات غالبا ما تربط تقليديا بالرجال.
ورغم الجهود المبذولة لتغيير هذه الصورة النمطية، لا زال العديد من الناخبين يميلون نحو الاعتقاد بأن القيادة القوية تتطلب خصائص “ذكورية”، وهذا ما يضع النساء في موقف غير متكافئ عند الترشح لهذا المنصب.
إلى جانب ذلك، تعاني النساء المرشحات من معايير مزدوجة، إذ غالبًا ما تركز وسائل الإعلام والجمهور على مظهرهن، وأسلوب حديثهن، وحتى عواطفهن بشكل مفرط، ويتم تحليل هذه الجوانب بشكل قد لا يطبّق على المرشحين الرجال، ما يجعل المرأة تواجه ضغطًا إضافيًا لإثبات نفسها كقائدة “قوية” دون أن تفقد التعاطف والدعم الشعبي.
قلة الدعم المالي والتحالفات
في الساحة السياسية الأمريكية، تعتبر الحملات الانتخابية الرئاسية مكلفة للغاية، وتتطلب تحالفات مالية وسياسية واسعة، غالبًا ما يواجه المرشحون النساء صعوبة في الحصول على الدعم المالي اللازم لحملاتهن مقارنةً بالرجال، لأسباب تتعلق بالتاريخ الطويل الذي هيمن فيه الرجال على المؤسسات الاقتصادية والسياسية.
التحالفات القوية والداعمة ماليًا تعتبر أحد العوامل الرئيسة للفوز، وبدونها تصبح الحملة الانتخابية للمرشحات محدودة الموارد والتأثير، مما يضعف فرص الفوز.
من ناحية أخرى، تجد النساء صعوبة في بناء شبكات من التحالفات السياسية ذات النفوذ، إذ تميل الأحزاب إلى دعم المرشحين الذين لديهم خلفية طويلة في السياسة، وغالبًا ما يكون هؤلاء من الرجال بسبب الفرص المتاحة لهم أكثر من النساء، هذه العقبات المالية والتحالفات السياسية تُصعّب على المرشحات التنافس على الرئاسة بشكل فعّال.
التحيزات الثقافية والإعلامية
لعب الإعلام دورًا كبيرًا في التأثير على التصورات بشأن قدرة المرأة على تولي منصب الرئاسة، إذ غالبًا ما يسلط الضوء على مرشحات النساء بطريقة تبرز جوانب حياتهن الشخصية أو العاطفية، بدلاً من التركيز على مؤهلاتهن وسياساتهن، حتى المرشحات اللواتي يتمتعن بخبرة واسعة يتعرضن لانتقادات بشأن قدرتهن على التعامل مع الأزمات السياسية الكبرى.
هذا التركيز المبالغ فيه على الخصائص الشخصية يعزز الصور النمطية عن “ضعف” النساء، ويجعل بعض الناخبين يرون أن المرأة غير قادرة على إدارة أعباء الرئاسة بنفس كفاءة الرجل، ما يضرّ بشعبية النساء المرشحات ويقلل من حظوظهن بالفوز.
تحديات الهيمنة الذكورية
يرتبط المجتمع الأمريكي بجذور تاريخية من الهيمنة الذكورية في المناصب القيادية، وتظل هذه الصورة قوية حتى اليوم.
يتخوف بعض الناخبين من حدوث تغييرات جذرية إذا ما أصبحت امرأة رئيسة، ويعتبرون أن الأدوار التقليدية يجب أن تظل “رجالية”، حتى بين النساء أنفسهن، هناك من يفضل التصويت للرجال، مما يعكس الأثر العميق للثقافة التقليدية على الرأي العام.
صورة الإعلام
رغم التقدم الذي أحرزته النساء في جميع مجالات الحياة في الولايات المتحدة، فإن الوصول إلى الرئاسة لا يزال تحديًا صعبًا.
تتداخل عوامل التحيز الثقافي، والنظام السياسي المعقد، والدعم المالي المحدود، وصورة الإعلام المنحازة ضد النساء، ما يجعل فوز امرأة برئاسة الولايات المتحدة هدفًا لم يتحقق بعد.
ومع ذلك، فإن التغييرات الثقافية التدريجية قد تفتح آفاقًا جديدة للنساء في السياسة الأمريكية مستقبلًا، ليبقى السؤال: متى سنرى أول رئيسة للولايات المتحدة؟.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2037787