تعد الدول الأوروبية أكبر دول الرفاهية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومن بين أعلى الدول في العالم دخلاً، وفي الوقت نفسه، تلاشت ديناميكية أوروبا الاقتصادية وأصبح القادة الأوروبيون قلقين بشأن مستقبل الاقتصاد الأوروبي بشكل متزايد.
ووفقًا لرئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاجارد، فإن النموذج الاجتماعي السخي في أوروبا معرض للخطر ما لم يعالج الاتحاد الأوروبي الانحدار المستمر في نمو دوله الاقتصادي.
نمو هزيل
أوضح معهد ميزس الأمريكي، في تقرير نشره 17 يناير 2025، أن ماريو دراجي دعا، في تقرير حديث، إلى الإصلاحات والاستثمارات لتعزيز نمو الإنتاجية، مع الحفاظ على دولة الرفاهية الضخمة في القارة دون مساس، ويبدو الأمر، لخبراء الاقتصاد، وكأنه الحصول على الكعكة وأكلها أيضًا، لأن قضايا النمو الاقتصادي وإعادة توزيع الدخل مرتبطة جوهريًا.
وتعترف لاجارد بأن أوروبا تتخلف عن الولايات المتحدة في نمو الإنتاجية، وأن الاتحاد الأوروبي ظل عالقًا في “فخ التكنولوجيا المتوسطة”، بينما تقود الولايات المتحدة والصين الثورة الرقمية، لافتة إلى أن أوروبا تتخلف عن الركب في مجال التكنولوجيات الناشئة مثل الرقائق الدقيقة والذكاء الاصطناعي والمركبات الكهربائية، و4 شركات تقنية أوروبية فقط من بين أكبر 50 شركة تقنية في العالم.
تعزيز القدرة التنافسية
يكشف تقرير دراجي عن “مستقبل القدرة التنافسية الأوروبية” أن النمو الاقتصادي كان أقل في الاتحاد الأوروبي منه في الولايات المتحدة على مدى 20 عامًا الماضية، وتضاعفت الفجوة غير المواتية بين الاتحاد الأوروبي وأمريكا من حيث الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة من نحو 15٪ في عام 2002 إلى 30٪ في عام 2023، وكان نحو 70٪ من الفجوة مدفوعًا بانخفاض الإنتاجية في الاتحاد الأوروبي.
وتتمتع القارة العجوز بانفتاح تجاري مرتفع نسبيًا، لكنها تواجه الآن منافسة قوية من المصدرين الصينيين والتعريفات الجمركية الأمريكية المرتفعة المحتملة، كما تتحمل شركات الاتحاد الأوروبي أعباء تكاليف الطاقة المرتفعة وربما تحتاج الدول الأوروبية إلى إنفاق المزيد على الدفاع، ما يضيف إلى الإنفاق العام المرتفع بالفعل.
استراتيجية صناعية جديدة
يدعو دراجي إلى استراتيجية صناعية جديدة لأوروبا والتي ينبغي تنسيقها على مستوى الاتحاد الأوروبي، ما سيساعد في التغلب على الانقسام الحالي للسياسات ومصادر التمويل بين الدول، ولكنها لا تستطيع حل القضية الأكثر جوهرية المتمثلة في التخصيص غير الفعّال للموارد والحوافز السيئة التي تجلبها السياسات الصناعية.
ويزعم التقرير أيضًا أن نسبة الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي ينبغي أن ترتفع بنحو 800 مليار يورو أو 5 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي سنويًّا، وهو ما يتطلب إعانات عامة كبيرة، ويدعو دراجي إلى إنشاء أصول آمنة مشتركة، يتم تمويلها من خلال الديون الأوروبية المشتركة.
غير فعّالة
قالت المجلة إن المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في ذروة أزمة منطقة اليورو في عام 2012، حاولت إثبات أن دول الرفاهية في أوروبا كانت كبيرة للغاية، حيث كانت أوروبا تمثل 7% من سكان العالم، وربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي و50% من الإنفاق الاجتماعي العالمي.
وأضافت أن الإنفاق الاجتماعي العام في العديد من البلدان الأوروبية تجاوز ما بين 5 و10 نقاط مئوية متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ 21% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، ووفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن الإنفاق الاجتماعي العام في فرنسا وفنلندا والدنمارك وبلجيكا وإيطاليا يقترب من 30% من الناتج المحلي الإجمالي.
ولفتت إلى أن الإنفاق الكبير على الحماية الاجتماعية في اقتصادات الاتحاد الأوروبي لا يؤدي بالضرورة إلى الحد من الفقر، فوفقًا لمؤسسة بروكينجز، فإن هذا ينطبق بشكل خاص على الاقتصادات في جنوب أوروبا، مثل إسبانيا واليونان وإيطاليا والبرتغال، حيث الإنفاق الاجتماعي مرتفع للغاية، ولكن تغطية المساعدات الاجتماعية لأفقر 20% من السكان منخفضة نسبيًّا.
أنظمة التأمين الاجتماعي
يقول معهد مانهاتن إن دول الرفاهية السخية في أوروبا لا تساعد الفقراء العاملين، لافتًا إلى أن أنظمة “التأمين الاجتماعي” الشاملة التي تسمح لجميع أفراد المجتمع بالعيش بأسلوب حياة الطبقة المتوسطة خلال فترات البطالة أو المرض أو التقاعد يتم تمويلها من قبل معظم البلدان الأوروبية من خلال ضرائب الأجور والاستهلاك المرتفعة إلى حد ما على العمال ذوي الدخل المنخفض.
ويزعم المعهد أن دول الرفاهية السخية في أوروبا لا تساعد الفقراء العاملين، فأنظمة “التأمين الاجتماعي” الشاملة التي تسمح لكل أفراد المجتمع بالعيش وفق أنماط حياة الطبقة المتوسطة أثناء فترات البطالة أو المرض أو التقاعد يتم تمويلها في أغلب الدول الأوروبية من الضرائب المرتفعة على الرواتب والاستهلاك المفروضة على العمال ذوي الدخول المنخفضة.
ويضيف أن أفقر العاملين في أكبر دول الرفاهية في الاتحاد الأوروبي، هم دافعو ضرائب صافية، ويدعمون غير العاملين، على النقيض من الولايات المتحدة، وفي دول مثل ألمانيا والدنمارك وهولندا، يدفع أفقر نصف السكان حصة من دخولهم في الضرائب أعلى كثيراً من حصة أغنى عشر السكان، ما يشوه حوافز العمل ويجعل الجميع أكثر فقرًا.
دول الرفاه وتحقيق الازدهار
قال تقرير ميزس إن النمو الاقتصادي البطيء في أوروبا، والإنتاجية الضعيفة، والابتكار الضعيف ليست سوى أعراض للإنفاق العام المفرط ودولة الرفاهية، مشيرًا إلى أن الدول لا تحتاج بالضرورة إلى أن تكون رائدة في مجال الابتكار من أجل تحقيق الازدهار.
وأضاف أن هذه الدول يمكنها أن تستخدم ابتكارات الآخرين وتظل قادرة على إنتاج سلع تنافسية، ولكن وفقًا لتقارير ميزس، لا يمكن أن يحدث هذا إلا إذا سمحت الحكومات للأسواق بالعمل بحرية ولم تقمع روح المبادرة الفردية، مؤكدًا أن هذه هي المشكلة الأساسية التي ينبغي لأوروبا أن تعمل على حلها أولاً.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2113403