في ظل تصاعد التوترات الأمنية في أوروبا، خاصة بعد الحرب في أوكرانيا وتهديدات روسيا المستمرة، يبدو أن أوروبا تستعد للحرب، حيث اتخذت العديد من دول القارة إجراءات احترازية لتعزيز استعدادات مواطنيها لمواجهة الأزمات والحروب المحتملة.
وشملت هذه الإجراءات توزيع أدلة بقاء على قيد الحياة، وتحفيز ثقافة التحضير للأزمات، إضافة إلى تنظيم تدريبات على الإخلاء الجماعي وتحويل الأماكن العامة إلى ملاجئ.. فكيف استجاب المواطن الأوروبي؟ وما مظاهر الاستعداد للحرب؟
أوروبا تستعد للحرب
دعت المفوضية الأوروبية جميع المواطنين إلى تخزين ما يكفي من الطعام والإمدادات الأساسية لمدة لا تقل عن 72 ساعة تحسبًا لأي أزمة، وفي توجيهات صدرت في مارس، أكدت المفوضية ضرورة تعزيز ثقافة “التأهب” و”المرونة” في جميع أنحاء أوروبا.
وجاء ذلك في وقت كان فيه كل بلد قد وضع إرشاداته الخاصة للتعامل مع حالات الطوارئ، بما في ذلك النزاعات المسلحة، وفق مقال نشرته شبكة “سي إن إن” الأمريكية.
“عقلية زمن الحرب”
في السويد، وُزّع كُتيّب “إذا جاءت الأزمة أو الحرب” على ملايين المنازل في نوفمبر، موجهًا إرشادات واضحة للتصرف حال اندلاع حرب، بما يشمل التوجه إلى الملاجئ، وإغلاق النوافذ والأبواب، واللجوء إلى الأقبية أو محطات المترو تحت الأرض، بل حتى الاستلقاء في الحفر حال التعرض لغارات مفاجئة.
ويأتي هذا في وقت يتزايد فيه القلق من تقاعس الحلفاء التقليديين مثل الولايات المتحدة عن تقديم الدعم الكافي في حال تعرض دول حلف الناتو لهجوم، وبينما تحاول الحكومات تحفيز مواطنيها على التفاعل الجاد مع هذه التحذيرات، يبدو أن المواطن الأوروبي الذي اعتاد على الرخاء لا يأخذ الأمر على محمل الجد.
رسائل القادة الأوروبيين لم تخلُ من التحذير والجدية؛ ودعا الأمين العام لحلف الناتو، مارك روتي، في ديسمبر إلى “الانتقال إلى عقلية زمن الحرب”، في إشارة إلى ضرورة تغيير ذهني لدى المواطنين والحكومات على السواء، خصوصًا مع التقدم الروسي في أوكرانيا، والغموض المحيط بموقف واشنطن المستقبلي في حال تعرضت دولة من دول الناتو لهجوم.
مخاوف واقعية.. وتفاوت في الاستعداد
في فنلندا التي انضمت حديثًا إلى الناتو وتملك أطول حدود مع روسيا، تعكس البنية التحتية ووعي المواطنين إرثًا طويلًا من الاستعداد.
ومنذ خمسينيات القرن الماضي، يُلزم القانون ببناء ملاجئ في المباني، وفي 2022 أحصت الحكومة هذه الملاجئ لتجد أن عددها يبلغ أكثر من 50 ألفًا، قادرة على استيعاب نحو 4.8 مليون شخص من إجمالي 5.6 مليون.
وفي ألمانيا، تم تحديث “دليل الدفاع الشامل” ليشمل تعليمات واضحة للتعامل مع سيناريوهات الحرب، كما أوصت المفوضية الأوروبية المواطنين بتخزين مواد غذائية تكفي 3 أيام على الأقل، وتعزيز ثقافة “الاستعداد والصمود”.
هل يستجيب المواطنون؟
رغم هذه التحركات، لا يوجد ما يضمن استجابة فعلية من السكان؛ وحذرت كلوديا ميجور، خبيرة الأمن في مؤسسة مارشال الألمانية، من أن الجدية مطلوبة، لا سيما في ظل توسع ما أسمته بـ”المنطقة الرمادية” بين السلم والحرب، والتي تشمل الهجمات السيبرانية، والتضليل الإعلامي، والضغوط السياسية.
لكنها في الوقت نفسه دعت إلى تجنب الهلع والتهويل، قائلة: “نريد أن يكون الناس واعين، لا مذعورين”.
وأشارت إلى أن دول البلطيق وفنلندا، التي عانت من الغزو السوفيتي سابقًا، تحمل هذا الوعي في “حمضها النووي”، بعكس دول كإيطاليا والبرتغال وبريطانيا، حيث يبدو التهديد الروسي بعيدًا عن الوجدان الجمعي.
تجارب الماضي.. وسخرية من الإرشادات
المخاوف من عدم جدوى هذه الخطط ليست جديدة، ففي ذروة الحرب الباردة، أطلقت الحكومة البريطانية حملة “الوقاية والبقاء”، التي شملت تعليمات لمواجهة الهجوم النووي، بينها بناء غرفة داخلية للحماية من الإشعاع وطلاء النوافذ بلون فاتح لعكس الحرارة، لكن هذه التوجيهات تعرضت للسخرية، وتحولت لمادة ترفيهية في الأعمال الكوميدية البريطانية.
ومع ذلك، يرى الباحث تاراس يونج أن الإرشادات الحديثة أكثر واقعية، وتشمل أبعادًا نفسية ومجتمعية، كالحديث مع الأطفال عن الحرب والتعامل مع القلق والصدمات.
وتختم ميجور بتأكيد أن الاستعداد المجتمعي هو العامل الحاسم، قائلة: “إذا لم تكن المجتمعات مستعدة مثلما يفعل الشعب الأوكراني اليوم، فلن نصمد”.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2192157