إعدام أكبري في إيران.. فساد النخبة أم خطة المحافظين للهيمنة؟

يوسف بنده

إعدام أكبري رغم منصبه الرفيع السابق كنائب لوزير الدفاع الإيراني يطرح تساؤلات عن فساد النخبة المقربة من النظام وتصفية المشكوك بولائهم للمحافظين.


يتحدى النظام الإيراني القوى الغربية التي نددت بسياسة الإعدامات، التي يبدو أنه يتخلص بها ممن يشك في ولائهم خلال الاحتجاجات الشعبية.

ويدل على ذلك إعدام نائب وزير الدفاع الإيراني السابق علي رضا أكبري، أمس السبت 14 يناير 2023، بعدما أدانه القضاء الإيراني بالتجسس لحساب بريطانيا التي يحمل جنسيتها أيضًا، ما يدعو إلى التساؤل عما وراء هذا النهج المتحدي.

فساد النخبة

رغم أن حكومة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، تبذل جهودًا واسعة لتحسين الاقتصاد، وتراهن على دول الجوار في الشمال والجنوب، والانضمام إلى منظمات مثل “مجموعة شنغهاي”، للنهوض به، تسيطر نخبة من المحافظين والقادة العسكريين، خاصة من الحرس الثوري، على قطاعات الاقتصاد الإيراني، وعلى عائدات الحركة التجارية.

ويميل النظام الإيراني إلى تشكيل نخبته من الموالين، وهو ما يعزز فرص الفساد بسبب طول بقائهم في السلطة. ويلعب رجال الدين المناصرون لنظام ولاية الفقيه دورًا في تبرير الأوضاع الصعبة للشعب، خاصة وأن رجال الدين يخشون من أن رحيل النظام الحالي سيضر بمصالحهم وطبقتهم الاجتماعية التي تعززت قوتها منذ تشكيل النظام الديني في إيران.

حظر سفر النخبة

ناقش البرلمان الإيراني مشروع قانون لحظر سفر كبار المسؤولين والمديرين الحكوميين بعد انتهاء ولايتهم لمدة 5 سنوات، مع إمكانية إضافة أفراد عائلتهم إلى هذا الحظر. وترتبط إعادة طرح مشروع القانون هذا بمعلومات أمنية رصدت تهريب عدد من كبار المسؤولين مليارات الدولارات إلى خارج البلاد، وإرسال البعض لعائلاتهم إلى الخارج، تحسبًا لسقوط النظام.

واستفاد عدد من المسؤولين المدنيين والعسكريين من التسعيرة الحكومية للعملة في تحويل أموالهم، عبر استخدام نفوذهم، ما أدى إلى شح العملة الأجنبية، وانهيار المحلية.

ويحاول النظام الإيراني من خلال مشروع القانون الجديد ملاحقة واعتقال مزدوجي الجنسية، خاصة وأن قرابة 4 آلاف من أبناء كبار المسؤولين الإيرانيين يعيشون في الدول الأخرى لا سيما الأوروبية، ويحملون جنسيات مزدوجة.

14011023000200 Test NewPhotoFree

إعدام مسؤول رفيع

أعلن القضاء الإيراني في وكالة “ميزان” التابعة له، تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحق أكبري. وجاء ذلك رغم الاحتجاج الدولي، ما زاد منسوب التوتر مع الغرب، وترك علامات استفهام كثيرة تتعلق بالرسائل التي أرادت طهران إيصالها بتنفيذ الحكم، والتداعيات المترتبة عليه.

وحسب تقرير لصحيفة “الراي” الكويتية، أثار إعدام الإيراني البريطاني أكبري، ردًّا سريعًا من لندن، التي فرضت عقوبات على المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري، تعبيرًا عن “اشمئزاز لندن”. ووصف رئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك، الإعدام بأنه “مروِّع”، معتبرًا أنه “عمل قاس وجبان نفذه نظام همجي لا يحترم حقوق الإنسان لشعبه”.

14011023000222 Test NewPhotoFree

قيمة أكبري

حسب تقرير وكالة ميزان، أظهر نشاط الاستخبارات البريطانية في هذه القضية قيمة أكبري، الذي اعتقلته السلطات الإيرانية في عام 2019، بتهمة تلقي أموال من لندن مقابل التجسس.

وقد شغل أكبري مناصب عدة في إيران، منها معاون وزير الدفاع للعلاقات الخارجية، ومستشار قائد القوات البحرية، ورئيس قسم في مركز بحوث وزارة الدفاع، إضافة إلى عمله في الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي.

14011023000207 Test NewPhotoFree

التورط في اغتيال عالم نووي

نشرت وكالة إرنا الإيرانية مقطع فيديو عن دور أكبري في اغتيال العالم النووي البارز محسن فخري زاده، عام 2020، وهو الذي تعتبره إيران الأب الروحي للبرنامج الذري العسكري.

وخلال الفيديو، تحدث أكبري عن طبيعة المعلومات المطلوبة منه في أثناء عمله لصالح المخابرات البريطانية، ومنها تحديد أهمية المسؤولين والأشخاص المؤثرين، خصوصًا في الملف النووي والقضايا المتعلقة بالأنشطة الإقليمية.

وكان محسن فخري زاده، مسؤول شؤون الأبحاث في وزارة الدفاع الإيرانية، وبينما قدمته وسائل الإعلام الإيرانية على أنه “عالم نووي بارز”، ووصفته بالجنرال والعضو البارز في الحرس الثوري، ربطته أجهزة استخبارات غربية بمشروع آماد الذي استهدف صناعة قنبلة نووية.

علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني

تصفية الإصلاحيين

لم يتضح بعد ما إذا كان إعدام أكبري مرتبطًا بحسابات داخلية، بحكم قربه من سكرتير مجلس الأمن القومي، علي شمخاني، آخر الإصلاحيين الذي لا يزال يحتفظ بمنصب مؤثر في السلطة، لكن حسب تقرير لصحيفة “الجريدة” الكويتية، كشف مصدر في مكتب المرشد علي خامنئي، عن أن الأخير وافق على تغيير شمخاني، الذي يتولى منصبًا مهمًّا منذ 2013.

وينتمي شمخاني إلى الأقلية العربية الإيرانية، وهو من كبار قادة الحرس الثوري المقربين من الإصلاحيين، وقد تولى منصب وزير الدفاع في حكومة الرئيس الأسبق محمد خاتمي، ووزارة الحرس في حكومة ميرحسين موسوي، عندما كان المرشد نفسه رئيسًا للجمهورية.

ويرى تقرير “الجريدة” أن خطوة إعدام أكبري مؤشر واضح على الاتجاه نحو مزيد من التشدد، كرد فعل دفاعي على الاحتجاجات التي تشهدها إيران منذ سبتمبر الماضي، والتي اتخذ فيها الإصلاحيون موقفًا معارضًا لسياسة خصومهم المحافظين.

خامنئي

زمن سيطرة المحافظين

جاء في تقرير لموقع “رويداد 24” الإيراني أنه “في زمن سيطرة المحافظين على السلطة، شمخاني الخيار الوحيد المتبقي من فريق محمد خاتمي وحسن روحاني”، وأنه توجد “مجموعة في الحكومة وأجهزة السلطة لا تريد استمراره”، وأشار إلى مرشحين لتولي منصبه من بين جنرالات الحرس الثوري، أبرزهم رحيم صفوي وغلام علي رشيد وأحمد وحيدي.

وحسب مصدر “الجريدة”، وافق خامنئي أيضًا على تغيير الأمين العام للمجلس الأعلى الثقافي سعيد رضا عاملي، المقرب من الإصلاحيين، الذي كان معارضًا لتوجهات الرئيس المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي لتعزيز عمل شرطة الأخلاق، وعيّن بدلًا منه المحافظ عبدالحسين خسرو بناه .

وكان خامنئي أقال الأسبوع الماضي قائد الشرطة حسين أشتري، وعيّن مكانه أحمد رضا رادان، المعروف بقمعه القوي لاحتجاجات 2009.

download 42

ذريعة للقمع

تعزز عملية إعدام نائب وزير الدفاع السابق، واتهامه بالتجسس لصالح بريطانيا، روايات النظام الإيراني حول نظرية المؤامرة وتمويل القوى الغربية للتظاهرات في الداخل. وحسب تقرير لوكالة “فارس” الإيرانية، كرر المرشد خامنئي اتهامه لأطراف خارجية بتدبير وتأجيج الاحتجاجات والاضطرابات، التي تقترب من إتمام شهرها الرابع.

وقال خامنئي خلال استقباله عددًا من المنشدين الدينيين في طهران: “في قلبي، أعجبتني خطة العدو الكاملة والمحاكة بدقة، لكن حساباتهم كانت خاطئة”.

وفي السياق نفسه، قال وزير الداخلية أحمد وحيدي، إن “عددًا من الأشخاص، وبسبب الضلال، ارتكبوا جرائم كثيرة خلال أعمال الشغب الأخيرة، وسينالون جزاء أعمالهم”، وهو ما يشير إلى أن النظام الإيراني يتجه إلى مزيد من القمع وتصفية كل من يشكك في ولائهم خلال الاحتجاجات.

ربما يعجبك أيضا