إعلام عبري يدعي حدوث «طفرة مواليد» في إسرائيل.. ما الحقيقة؟

محمد النحاس

زعمت وسائل إعلام عبرية أن  إسرائيل تشهد “زيادة ملحوظة” في معدلات الولادة رغم استمرار الحرب، لكن البيانات الرسمية تشكك في تلك الادعاءات.   

وقالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، إن الدولة العبرية شهدت ارتفاعًا بنسبة 10% في عدد المواليد خلال الأشهر الأخيرة من عام 2024، وذلك بعد فترة كان يُعتقد فيها أن معدلات الخصوبة تشهد تراجعًا.. فما حقيقة هذه المزاعم؟ لماذا يحرص الإعلام العبري على الترويج لتلك السردية؟ 

ارتفاع معدلات الخصوبة مقارنة بالدول الغربية

تشير البيانات، وفق هآرتس، إلى أن معدل الخصوبة في إسرائيل عام 2024 بلغ نحو 3 أطفال لكل امرأة، وهو ضعف المعدل في الولايات المتحدة وأوروبا، بل وأعلى بكثير من روسيا (1.46 طفل لكل امرأة) واليابان (1.26 طفل). 

وتُعَد هذه الفجوة اللافتة للنظر ذات تأثير عميق على مستقبل إسرائيل الديموغرافي، لا سيما في ظل الانخفاض الحاد في معدلات المواليد عالميًا، ويُعزى هذا التراجع في الخصوبة عالميًا إلى عدة عوامل، منها انخفاض أعداد القوى العاملة، ما يؤدي إلى نقص في العمالة، بينما تتصاعد النزعات المناهضة للهجرة في العديد من الدول الغربية، وهو ما يُعقّد إيجاد حلول ديموغرافية مستدامة.

 الطفرات السكانية بعد الحروب

تاريخيًا، شهد العالم ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الولادة بعد الحروب الكبرى؛ ففي الولايات المتحدة، تراوح عدد المواليد بين 2.3 و2.8 مليون سنويًا خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، لكنه قفز إلى 3.47 مليون في عام 1946، وهو أول عام بعد الحرب العالمية الثانية.

 ووصلت الذروة إلى 4.3 مليون مولود سنويًا بين عامي 1957 و1961، أما في اليابان، فقد شهدت البلاد طفرة ولادية بعد الحرب العالمية الثانية بين عامي 1947 و1949، ثم موجة أخرى بين عامي 1971 و1974، حينما أنجب أبناء “الجيل الطافر” أطفالهم، أما روسيا، فقد عرفت طفرة مماثلة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حينما فاقت الولادات عدد الوفيات لأول مرة منذ تأسيس الاتحاد السوفيتي.

لكن يمكن أن تُعزى زيادة معدل المواليد وانخفاض معدل الوفيات إلى الاستقرار الاجتماعي بعد فترة من الرحب والتحسن الاقتصادي مع انخفاض الإنفاق على المجهود الحربي. 

هآرتس: طفرة رغم الحرب

نقلت هآرتس عن دراسة أجراها مركز “تاوب” الإسرائيلي بقيادة البروفيسور أليكس وينريب حلّلت معدلات الخصوبة بعد الحروب الإسرائيلية، مثل حرب 1967، وحرب 1973، وحرب غزة، حيث وجدت أن معدلات الولادة شهدت ارتفاعًا سريعًا بعد هذه النزاعات. 

وبحسب إدعاء الصحيفة الإسرائيلية فإن أن ما يميز الوضع الحالي هو أن هذه الطفرة تحدث بينما لا تزال الحرب مستمرة، وليس بعدها، وأشار وينريب إلى أن الأشهر الأولى من عام 2024 شهدت تحولًا غير متوقع في الاتجاه الديموغرافي لإسرائيل، حيث ارتفع معدل الخصوبة مجددًا ليصل إلى مستويات عام 2022، بل وتجاوزها. 

وأوضح أن هذا الارتفاع كان أكثر وضوحًا بين النساء اليهوديات، حيث وصل معدل الخصوبة لديهن إلى 3.19 طفل لكل امرأة بين أغسطس وأكتوبر 2024، بزيادة قدرها 5% مقارنة بنفس الفترة في عام 2022.

ما حقيقة تلك المزاعم؟ 

إلى جانب ارتفاع معدلات الولادة، زعمت هآرتس أن إسرائيل شهدت زيادة في أعداد المهاجرين خلال عام 2024، حيث انتقل نحو 23,150 مهاجرًا جديدًا إلى البلاد بين يناير وأغسطس.

لكن المعلومة التي أغفلتها هآرتس أن العام 2024 شهد مغادرة 82,700 إسرائيلي، وهو رقم قياسي مقارنة بالأعوام السابقة؛ في المقابل، استقبلت إسرائيل 32,890 مهاجرًا جديدًا خلال نفس العام، ما أدى إلى رصيد هجرة سلبي يبلغ 18,200 شخص في انخفاض عن الأعوام السابقة.

ملايين الإسرائيليين يفضلون الهجرة العكسية

أما فيما يتعلق بمعدل المواليد والخصوبة، فرغم الادعاءات التي أوردتها هآرتس، فقد انخفض متوسط معدل الخصوبة للنساء اليهوديات من 3.17 إلى 3.03 طفل لكل امرأة بين عامي 2018 و2022، وفقًا للبيانات الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل. 

تباطؤ معدل النمو السكاني

بلغ عدد سكان إسرائيل حوالي 10 ملايين نسمة بنهاية عام 2024، مع نمو بنسبة 1.1% (129,600 نسمة) خلال العام؛ هذه النسبة أقل من معدل النمو في عام 2023، الذي بلغ 1.6%، يُعزى هذا التباطؤ إلى زيادة الهجرة الخارجية. 

وفيما يتعلق بمعدل الخصوبة الإجمالي، بلغ 2.83 طفل لكل امرأة في عام 2024؛ وسُجّلت ولادة نحو 181,000 طفل في إسرائيل خلال عام 2024، 76% منهم لأمهات يهوديات و24% لأمهات عربيات؛ وبناءً على هذه البيانات، يتضح أن إسرائيل لم تشهد طفرة في معدلات الولادة خلال عام 2024، بل على العكس، كانت هناك مؤشرات على تباطؤ النمو السكاني وانخفاض معدلات الخصوبة، مع زيادة ملحوظة في الهجرة الخارجية.

أرقام صادمة عن سكان إسرائيل في 2024 .png

لماذا تنشر الصحف العبرية هذه الدعاية؟  

نشر الصحف العبرية لمزاعم حدوث طفرة في معدلات الولادة خلال فترة الحرب يعكس استراتيجية إعلامية تهدف إلى تعزيز الروح المعنوية لدى الجمهور الإسرائيلي في ظل الظروف الصعبة، وفق خبراء. 

في أوقات الأزمات، تلجأ الدول إلى استخدام السرديات التي تعزز الشعور بالقوة والاستمرارية، وتُقدَّم معدلات الولادة المرتفعة كدليل على صمود المجتمع وقدرته على تجاوز المحن.

كما أن الترويج لمثل هذه المزاعم يخدم أهدافًا سياسية وديموغرافية، حيث يُستخدم لدحض المخاوف بشأن تراجع الخصوبة الإسرائيلية مقارنة بالمجتمعات العربية، وخصوصًا في سياق الصراع الديموغرافي المستمر في المنطقة، خاصةً مع زيادة معدلات الخصوبة لدى الفلسطينيين. 

سياسات تشجيع الولادة

تتبنى الحكومات الإسرائيلية سياسات تهدف إلى زيادة معدل الولادات اليهودية عبر توفير الإمكانات المادية والعلمية. تقدم مؤسسة “التأمين الوطني” مخصصات مالية لكل مولود، وتزداد القيمة مع زيادة عدد المواليد. 

كما تُمنح تسهيلات للعائلات التي تنجب أربعة أطفال أو أكثر، بما في ذلك تخفيضات على المشتريات وربط زيادة مخصصات الضمان الاجتماعي بعدد الأطفال. 

ربما يعجبك أيضا