انقضت بضعة أسابيع منذ رحيل الرئيس السابق بشار الأسد عن المشهد السوري، لتشهد البلاد تحولات سياسية متسارعة، وقد استُهلّت هذه الفترة بعقد مؤتمر أُطلق عليه اسم “انتصار الثورة”، وفيه اتُّفق على تكليف أحمد الشرع بقيادة الإدارة السورية الجديدة وتولّي رئاسة المرحلة الانتقالية.
وخلال أول تصريح رسمي له، استعرض الرئيس السوري سلسلة من الإجراءات التي جرى اعتمادها لمراجعة الأوضاع الداخلية، كما حدّد الخطوط العريضة لمسار المرحلة القادمة، ساعيًا إلى وضع أسس صلبة لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وصياغة رؤية شاملة للعبور نحو مستقبلٍ يتجاوز إرث النظام السابق.
تحديات أمام الإدارة الجديدة
في خضمّ تلك التطورات، لا تزال ثمة تحديات كبيرة تلقي بثقلها على مسيرة الإصلاح، منها ما يتصل بالأوضاع الاقتصادية التي تتطلب تضافر جهود شتى الجهات لإعادة إنعاشها، ومنها التهديدات الأمنية التي تحتاج إلى خطط مدروسة، ومع ذلك، تبدو الإدارة الجديدة عازمة على مواجهة هذه العقبات، عبر تعزيز التعاون الداخلي وبناء توافق وطني يسمح للسوريين بالتطلع إلى الاستقرار وفتح آفاق الانتعاش والازدهار.
وعلى المستوى الدولي، اعتمدت القيادة الجديدة سياسة الانفتاح على مختلف الدول والمنظمات العالمية، حيث استضافت وفودًا متعددة في إطار سعيها لاستعادة الثقة الدولية وإرساء تعاون اقتصادي وسياسي يضع الأساس لبرامج إعادة الإعمار وتأهيل البنى التحتية، ويُعد هذا التوجه مؤشرًا على رغبة الإدارة في تجاوز حقبة الماضي، وفتح صفحة جديدة قائمة على الشراكة وجذب الاستثمارات، بما يكفل وضع البلاد على سكّة التنمية والنهوض.
مصير العقوبات
ورغم نجاح السوريين في التخلص من حكم الأسد الذي ظل سنوات، لم تُرفع العقوبات الدولية حتى الآن، لتشكل عائقًا يعرقل جهود التعافي، وفي حين أعلنت بعض الدول نيتها التخفيف من هذه العقوبات، تفرض دول أخرى شروطاً صارمة للإقدام على خطوات مماثلة.
في غضون ذلك، تكرر الحكومة المؤقتة مناشدتها للمجتمع الدولي برفع هذه القيود، بوصفها عقبة كبرى أمام إصلاح الاقتصاد وضمان عودة الحياة الطبيعية، مؤكدة أنّ الدعم الخارجي يُعدّ ضروريًا لتخفيف المعاناة الإنسانية وتمهيد الطريق نحو التعافي المنشود.
عقبة أمام التعافي الاقتصادي
في هذا الصدد، أكد مبعوث رئيس روسيا الاتحادية الخاص للشرق الأوسط ودول إفريقيا، ميخائيل بوغدانوف أن موسكو تؤيد الرفع الفوري لجميع العقوبات المفروضة على دمشق. وقال بوغدانوف في رد على سؤال للصحافة، حول تقييم موسكو لتأثير العقوبات الغربية أحادية الجانب المفروضة على الوضع في البلاد، بعد زيارة وفد روسي مشترك بين الوزارات إلى دمشق، والتحديات العديدة، بما في ذلك ذات الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها سوريا: “موقفنا من مسألة العقوبات الأحادية معروف جيدا. إنه مبدئي ومتسق”.
وقال، لطالما عارضنا وما زلنا نعارض استخدام هذه الآلية غير القانونية، وهي أداة للضغط السافر على حكومات الدول ذات السيادة “غير المرغوب فيها من قبل الدول الغربية وتستخدم في الحقيقة للعقاب الجماعي لشعوبها”.
تأثير العقوبات على الاقتصاد
قال بوغدانوف: “لسوء الحظ، فرضت حكومات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وعدد من حلفائها، مسترشدة بطموحاتها الجيوسياسية، العديد من العقوبات “الخانقة” على سوريا، والتي أثارت إلى حد كبير أزمة اجتماعية واقتصادية مدمرة في هذا البلد، وهي الآن تعيق بشكل خطير تعافيه الكامل”.
ونتيجة لذلك، تم تدمير نظام الرعاية الصحية بالكامل في الجمهورية العربية السورية، ما تسبب في أضرار جسيمة لمختلف الصناعات، بما في ذلك الصناعات الدوائية، وكذلك قطاعات الوقود والطاقة والنقل والزراعة. هذا “الخنق” المستمر للاقتصاد السوري أدى إلى انخفاض كبير في قيمة العملة الوطنية وزيادة متعددة في أسعار السلع الأساسية”.
الاستفادة الغربية من العقوبات
وفي هذا الصدد يقول المحلل السياسي محمد عبداللطيف، في تصريحات لشبكة “رؤية” الإخبارية، إن الدول الغربية باتت تربطها بمجموعة جديدة من الشروط التي تخدم مصالحها الجيوسياسية، مستفيدة من الانقسام الداخلي والتناقضات بين الأطراف المتصارعة، وكانت هذه العقوبات، موجّهة في الأساس للضغط على النظام الذي زال نفوذه الآن.
وأضاف أن استمرار تطبيقها في هذه المرحلة الحساسة قد يعرقل محاولات الإدارة السورية الجديدة في إعادة إعمار البنية التحتية وتحقيق قدر من الاستقرار السياسي والاقتصادي.
تحولات أوروبية
كما يؤكد عبداللطيف خلال حديثة لـ”رؤية” أن أي تعديلًا جزئيًّا أو مؤقّتًا على العقوبات لا يشكّل حلًّا فعليًّا، كونه يأتي دون سند قانوني يتناسب مع التطورات الحالية، خصوصًا وقد انتهت مرحلة القصف العشوائي والجرائم الممنهجة التي ارتكبها النظام السابق في حق المدنيين.
ويعتبر أن الكثير من التحركات الأوروبية تصب في إطار المناورات السياسية، التي تؤثر بشكل غير مباشر في قرارات اللاجئين السوريين بالبقاء في دول اللجوء أو العودة إلى بلدهم.
عودة اللاجئين السوريين
أوضح عبداللطيف أنه على الرغم من التحديات وعدم رفع العقوبات، خرجت عدة دول أوروبية بتصريحات رسمية تتضمن نيتها البدء في إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم؛ إذ كانت النمسا في مقدمة هذه الدول، تلتها ألمانيا، حيث تم الإعلان عن خطط واضحة لترحيل السوريين بعد تغيّر الأوضاع في دمشق وسيطرة فصائل المعارضة على العاصمة.
أشار عبداللطيف إلى أن تقارير إعلامية أوروبية نقلت عن حكومات بلجيكا وفرنسا واليونان وألمانيا أنها قامت بتعليق النظر في طلبات اللجوء المقدّمة حديثًا من السوريين، في مؤشر على تغيير في التعامل مع الملف السوري بعد انهيار النظام السابق.

سوريا الجديدة
مستقبل اللاجئين السوريين
أفاد المحلل السياسي خلال حديثة لـ”رؤية” أنه رغم استمرار التحديات والعقوبات، أعلنت دول أوروبية، أبرزها النمسا وألمانيا، عن خطط لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد تغيّر الأوضاع في دمشق. كما أفادت تقارير إعلامية بأن حكومات بلجيكا وفرنسا واليونان وألمانيا علّقت النظر في طلبات اللجوء الجديدة للسوريين، مما يعكس تحولًا في التعامل مع الملف السوري بعد سقوط النظام السابق.
وفي نهاية المطاف، يسلط عبداللطيف الضوء على تصريحات متكررة لوزير الخارجية السوري، أسعد حسن الشيباني، الذي يشدّد فيها على أنّ رفع العقوبات يعدّ المدخل الرئيس لتعزيز الأوضاع الأمنية والاقتصادية في سوريا، ومع ذلك، فإن هذه الدعوات غالبًا ما تقابل بتجاهل من قبل عواصم أوروبا، التي تظل متمسّكة بخياراتها السياسية في ظلّ أوضاع متقلّبة وغير مستقرة، ما يفتح الباب واسعًا لتساؤلات حول مستقبل اللاجئين السوريين ومصير بلدهم في مرحلة ما بعد سقوط النظام.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2133231