تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا توترًا متزايدًا على خلفية الحرب في أوكرانيا، مع تباين واضح في الرؤى حول كيفية التعامل مع الأزمة.
وفي الوقت الذي تستعد فيه إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لعقد محادثات سلام مباشرة بين موسكو وكييف في السعودية، فإن القرار الأمريكي بإقصاء الدول الأوروبية عن المفاوضات أثار استياء العواصم الغربية، ما دفعها إلى التحرك لعقد اجتماع بديل يناقش مستقبل أوكرانيا.
تفاقم الخلافات
حسب وكالة أنباء رويترز، السبت 15 فبراير 2025، في تطور أثار غضب القادة الأوروبيين، صرّح مبعوث الرئيس الأمريكي إلى أوكرانيا، كيث كيلوج، خلال مؤتمر ميونيخ للأمن أن أوروبا لن يكون لها مقعد على الطاولة في محادثات السلام، التي ستجمع مفاوضين أمريكيين وروس وأوكرانيين في السعودية.
وجاءت هذه التصريحات في وقت أكدت فيه واشنطن أنها تسعى إلى إيجاد حل سريع للأزمة الأوكرانية من خلال مفاوضات مباشرة مع الأطراف الرئيسية، وهو ما اعتبرته الدول الأوروبية تجاوزًا لدورها وخرقًا لمبدأ الشراكة الاستراتيجية داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ردود فعل أوروبية غاضبة
رفضت العواصم الأوروبية فكرة إبعادها عن أي تسوية سياسية للحرب في أوكرانيا، وأبدت قلقها من أن يؤدي ذلك إلى اتفاق لا يأخذ في الاعتبار مصالح أوروبا الأمنية والسياسية، فالدول الأوروبية وخاصة فرنسا وبريطانيا وألمانيا، لعبت دورًا محوريًا في تقديم الدعم العسكري والمالي لكييف، وترى أنها معنية بشكل مباشر بأي تسوية محتملة، ودفع هذا الاستبعاد الأوروبيين إلى التفكير في خطوات دبلوماسية بديلة للحفاظ على تأثيرهم في القضية الأوكرانية.
ولم يتأخر رد الفعل الأوروبي، إذ صرح رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، بأن بلاده لن تسمح بتمزيق وحدة التحالف الغربي، مشددًا على ضرورة الحفاظ على التنسيق بين أوروبا والولايات المتحدة في مواجهة روسيا، وفي تصريحاته التي نقلتها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، شدد ستارمر على أن هذه لحظة حاسمة للأمن القومي الأوروبي، وأنه يجب على أوروبا أن تتولى دورًا أكبر داخل حلف الناتو لضمان استقرار أوكرانيا.
معضلة حقيقية
بالتوازي مع ذلك، بدأت فرنسا في تنسيق جهود دبلوماسية لعقد قمة أوروبية طارئة، حيثإذ ناقش مسؤولون فرنسيون وألمان وبريطانيون إمكانية عقد قمة غير رسمية لقادة الاتحاد الأوروبي لمناقشة الحرب الأوكرانية، ومن المرجح أن تُعقد هذه القمة الإثنين 17 فبراير 2025، في باريس بمشاركة كبار القادة الأوروبيين، بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.
ورغم هذه التحركات، لا تزال الدول الأوروبية تواجه معضلة حقيقية في كيفية التعامل مع الموقف الأمريكي، ومن ناحية، لا تريد أوروبا حدوث انقسام داخل حلف الناتو، ومن ناحية أخرى، تدرك أن تجاهلها في هذه المرحلة الحساسة قد يضعف موقفها الاستراتيجي في أي تسوية محتملة للصراع.
لقاء حاسم في واشنطن
في ظل هذا التوتر المتصاعد، أعلنت واشنطن أن الرئيس ترامب وافق على لقاء رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، الذي يسعى إلى إقناع الإدارة الأمريكية بضرورة إشراك أوروبا في أي مفاوضات سلام تخص أوكرانيا، ومن المتوقع أن تتم الزيارة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، حيث ستكون أوكرانيا محور النقاش الأساسي بين الجانبين.
ويأتي هذا الاجتماع في وقت تسعى فيه بريطانيا إلى لعب دور الوسيط بين أوروبا والولايات المتحدة، مع التأكيد على أن أي حل للصراع الأوكراني يجب أن يكون شاملًا ويأخذ بعين الاعتبار جميع الحلفاء الغربيين، وليس فقط واشنطن وموسكو وكييف، وسيحاول ستارمر إقناع ترامب بعدم التخلي عن حلفائه الأوروبيين في هذه المرحلة الحرجة، خاصة وأن غياب أوروبا عن المفاوضات قد يؤدي إلى تفكك التحالف الغربي على المدى الطويل.
تحول استراتيجي في التحالف الغربي
التطورات الأخيرة تطرح تساؤلات عديدة حول مستقبل العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة، ومدى قدرة التحالف الغربي على الحفاظ على وحدته في مواجهة التحديات الدولية، وتبدو الولايات المتحدة عازمة على تبني نهج أكثر استقلالية في إدارة الملف الأوكراني، في حين تحاول أوروبا تعزيز دورها وضمان عدم تهميشها في أي تسوية سياسية.
وقد يكون الخلاف الحالي بين الجانبين مجرد خلاف تكتيكي مؤقت، لكنه في الوقت نفسه قد يعكس تحولًا استراتيجيًا طويل الأمد في العلاقة بين واشنطن وعواصم الاتحاد الأوروبي، وفي حال لم يتم التوصل إلى تفاهم مشترك حول الأزمة الأوكرانية، فقد نشهد إعادة تشكيل للتحالفات الدولية، مع اتجاه أوروبا نحو نهج أكثر استقلالية في سياساتها الدفاعية والأمنية، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة رسم خريطة النفوذ العالمي في السنوات المقبلة.
وبينما تتجه الأنظار نحو المفاوضات المرتقبة بين روسيا وأوكرانيا في السعودية، يبقى السؤال الأساسي: هل سيؤدي إقصاء أوروبا عن المحادثات إلى تصدع التحالف الغربي، أم سيتمكن القادة الأوروبيون من فرض دورهم في المرحلة المقبلة؟ وفي ظل التحركات الدبلوماسية الأوروبية المكثفة واللقاء المرتقب بين ترامب وستارمر، تبدو الأشهر القادمة حاسمة في تحديد مستقبل العلاقات بين واشنطن وأوروبا، ومدى قدرتهم على تجاوز الخلافات للحفاظ على وحدة التحالف الغربي.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2137681