تُعَد شبه الجزيرة الكورية إحدى أكثر المناطق التي تشهد تسليحًا شديدًا في العالم، وفي ظل الحرب الروسية الأوكرانية، زاد تصدير المعدات الدفاعية في الكوريتين بشكل كبير، وركزت كوريا الجنوبية على الابتكار التكنولوجي في تطوير أنظمة دفاعية جديدة.
واكتسبت تكنولوجيا الطائرات المسيّرة اهتمامًا في كوريا الجنوبية باعتبارها أداة جديدة في الحرب الحديثة، فيما سارعت كوريا الشمالية تُستخدم تكنولوجيا الطائرات بدون طيار لتطوير أنظمة أكثر تطورًا للمراقبة، فضلًا عن العمليات القتالية.
تطور الإنتاج الدفاعي
بسبب استمرار الصراع بين الكوريتين، حظيت الصناعات الدفاعية بأولوية قصوى من سيول وبيونج يانج، وبغض النظر عن تهديدات اندلاع صراع كبير آخر في شبه الجزيرة الكورية، والذي أدى إلى سباق تسلح بين الكوريتين، فإن الرغبة في “الاعتماد على الذات” في الإنتاج الدفاعي كانت قوية بنفس القدر في كل من سيول وبيونج يانج.
وفي أعقاب التهديدات بانسحاب القوات الأمريكية من كوريا الجنوبية في السبعينيات، أصبحت الحاجة إلى الاعتماد على الذات في الدفاع هدف سيول، وقامت كوريا الجنوبية بهندسة عكسية للأسلحة التي تلقتها من الولايات المتحدة، كما تعاونت حكومة “بارك تشونج” مع الشركات الرأسمالية الكبرى التي تسيطر عليها الأسرة، وقدمت لها الدعم لجعل البلاد تعتمد على نفسها في الإنتاج الدفاعي.
وعلى النقيض من كوريا الجنوبية، اتبعت الصناعات الدفاعية في كوريا الشمالية المبادئ الاشتراكية المتمثلة في ملكية الدولة، التي روِّجَ لها للدفاع عن البلاد ضد القوى الإمبريالية، ورغم أن كوريا الشمالية كانت تعتمد بشكل كبير على الاتحاد السوفيتي في السنوات الأولى بعد تأسيسها في شراء الأسلحة، إلا أن نظام أسرة كيم في بيونج يانج بدأ في تصنيع عدد من الأسلحة داخل البلاد في الفترة اللاحقة.
إنتاج الطائرات المسيرة
أوضح معهد الدراسات والتحليلات الدفاعية الهندي، في تقرير نشره أمس السبت 4 يناير 2025، أن كوريا الجنوبية استعرضت التقدم الذي أحرزته في تكنولوجيا الطائرات المسيرة خلال عرض يوم القوات المسلحة في البلاد في 1 أكتوبر 2024، إلى جانب الأصول العسكرية الأخرى.
وأضاف أن حكومة سيول وقعت صفقة في 2 أكتوبر 2024 لشراء نحو 200 وحدة من طائرات Warmate الانتحارية من شركة WB Electronics البولندية، كما أجرت سيول وواشنطن، للمرة الأولى في نوفمبر 2024، مناورة عسكرية مشتركة لاستخدام المسيرات في العمليات القتالية.
وأفادت تقارير، في ديسمبر 2024، أن كوريا الجنوبية تدرس الحصول على نحو 100 طائرة مسيرة من الورق المقوى لمواجهة التهديدات المتزايدة من كوريا الشمالية، وفي وقت لاحق من ديسمبر 2024، أعلنت سيول أنها ستبدأ في تصنيع مسيّرات متوسطة الارتفاع قادرة على إنتاج صور عالية الدقة، لاستخدامها في مراقبة الأهداف الكورية الشمالية.
كوريا الشمالية والحرب في أوكرانيا
في خضم الحرب الروسية الأوكرانية الجارية، صدرت كوريا الشمالية عدة أطنان من الأسلحة إلى روسيا، وأرسلت آلاف الجنود للقتال ضد أوكرانيا دعمًا لموسكو، وذلك بفضل “الشراكة الاستراتيجية الشاملة” بين موسكو وبيونج يانج التي وقَّعاها في يونيو 2024، والتي تتضمن بندًا يتعلق بالدفاع المتبادل إذا تعرض أي منهما لغزو أجنبي.
وتهدف بيونج يانج من مشاركتها في الصراع بين موسكو وكييف إلى تدريب جنودها على خوض تجارب جديدة فيما يتعلق بالحرب الحديثة واستخدام تكنولوجيا الطائرات المسيرة، ودعا الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونج أون، إلى زيادة إنتاج “طائرات الهجوم الانتحاري” بشكل كبير، وحث على إجراء المزيد من الأبحاث حولها.
تجسس ومنشورات دعائية
أوضح التقرير أن التقدم في تكنولوجيا الطائرات المسيّرة لدى الكوريتين يمكن أن يستخدم ضد بعضهما البعض أيضًا، حيث كان البلدان يستخدمان الطائرات المسيّرة عبر المنطقة منزوعة السلاح، التي تقسم الكوريتين، للتجسس أو لنشر المنشورات الدعائية، وفي ديسمبر 2022، اتهمت سيول كوريا الشمالية بإرسال عدة طائرات مسيرة نحو أراضيها، ما خلق تحديًّا أمنيًّا خطيرًا لها.
وفي أكتوبر 2024، زعمت كوريا الشمالية أن كوريا الجنوبية أرسلت طائرات مسيرة لنشر منشورات دعائية مناهضة لبيونج يانج فوق سماء كوريا الشمالية، محذرةً من “كارثة مروعة” إذا حدث ذلك مرة أخرى في المستقبل، ونشرت وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية صورًا لطائرة مسيرة يُزعم أن سيول أرسلتها، رغم نفي كوريا الجنوبية هذا الاتهام.
زيادة توترات
أدى ظهور تكنولوجيا المسيّرات في الحرب الحديثة إلى بروز فرص وتحديات جديدة في العالم أجمع، حيث زاد الطلب على مثل هذه القوة المنخفضة التكلفة والدقيقة والقاتلة، وفي حين ساعدت الدول الموجهة نحو التصدير في إنتاجها الدفاعي، أضافت أيضًا قوة فتك من خلال التسبب في دمار هائل بتكلفة أرخص بكثير.
وأثبتت الحرب الضارية بين روسيا وأوكرانيا كفاءة الطائرات المسيّرة، وفي حين أن الاهتمام بإنتاج وتصدير الطائرات بدون طيار في الكوريتين سيساعد البلدان اقتصاديًا، إلا أنه سيؤدي من ناحية أخرى إلى زيادة التوترات في شبه الجزيرة الكورية.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2095743