إيران تقاتل شمالًا للحفاظ على جغرافيتها السياسية.. ما القصة؟

يوسف بنده

تسببت حرب تحرير مرتفعات ناجورنو كاراباخ في تغييرات على حدود أذربيجان وأرمينيا مع إيران، ما يهدد مشاريع الأخيرة التي تهدف إلى الربط بين الشمال والجنوب.


تحركت إيران في الفترة الأخيرة، لتعزيز نفوذها بمنطقة القوقاز، التي تشهد تجاذبات إقليمية، منذ تجدد التوترات الحدودية بين أذربيجان وأرمينيا.

وفي انعكاس لتلك التحركات، وصل رئيس وزراء أرمينيا، نيكول باشينيان، إلى العاصمة الإيرانية، طهران، يوم أمس الثلاثاء 1 نوفمبر 2022، على رأس وفد سياسي واقتصادي، حسب ما نشرته وكالة “مهر” الإيرانية.

تعزيز العلاقات

مخاوف إيران من التحولات الجارية في منطقة القوقاز دفعتها إلى تعزيز علاقاتها مع أرمينيا. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأرمينية، فاهان هونانيان، لوكالة “مهر“: “إيران أحد الشركاء الرئيسين لأرمينيا، وسنرى في المستقبل أن هذه العلاقات ستصبح أقوى في جميع المجالات”.

وأبرمت إيران وأرمينيا أخيرًا، مذكرة تفاهم لتمديد عقد الغاز في إطار تسوية للتبادل الغاز مع الكهرباء، وبناءً على ذلك اتفق البلدان على تمديد مبادلات الطاقة بينهما، حتى الأشهر الأولى من العام 2030، حسب ما أوردته وكالة “تسنيم” الإيرانية.

أزمة جيوسياسية

تشعر إيران بالقلق من خطط أذربيجان وتركيا لفتح ممر بري نحو إقليم ناختشفشيان، الواقع تحت السيطرة الأذرية إداريًّا والمنفصل عن أراضيها بريًّا والمجاور لتركيا. ومن ثم الوصول إلى أوروبا دون المرور بإيران. لذلك، كان افتتاح الأخيرة قنصلية في منطقة كابان الحدودية، المتنازع عليها بين أرمينيا وأذربيجان، مؤشرًا على دخول خط الأزمة.

وحسب تقرير نشره موقع قناة “الميادين“، التابعة لـ”حزب الله” في لبنان، والموالية لنظام طهران، أعلن وزير الخارجية الإيراني، حسين عبداللهيان، خلال زيارة لأرمينيا، في 20 أكتوبر الماضي، معارضة بلاده لأي تغييرات جيوسياسية في القوقاز، ما يعكس قلق إيران من أي تغييرات حدودية تؤثر في التجارة عبر أراضيها.

4320848

تهديد بالتصعيد

حسب تقرير نشره موقع قناة “العربية“، في 24 أكتوبر، هددت طهران بأنها قد تردد على استمرار أذربيجان في نهج تغيير الحدود الجيوسياسية مع إيران وأرمينيا، باستعادة إقليم نختشفشيان الذي كان جزءًا من الأراضي الإيرانية، قبل ضمه إلى روسيا القيصرية، وبعدها إلى أذربيجان.

وتعتزم إيران تزويد أرمينيا بمسيّرات عسكرية، ما قد يشكل توازنًا مقابل المسيّرات التركية التي ساعدت أذربيجان على استعادة مساحات واسعة من الأراضي، في حرب خاطفة مع يريفان عام 2020. وتعمل طهران على منع تمرير أي مخطط يعزل حدودها عن أرمينيا، حسب ما جاء في تقرير لموقع “24“، في 23 أكتوبر.

تركيا على الخط

زيارات متعددة أجراها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى الحليفة أذربيجان. وتقف أنقرة وراء مخطط فتح الطريق إلى آسيا الوسطى، عبر الأراضي التركية والأذرية، وهو ما ترفضه إيران، خشية توسع القوى الأوروبية الحليفة لتركيا في منطقتي القوقاز وآسيا الوسطى، حسب تقرير لـ”إيران برس“.

وقال الرئيس الأذري، إلهام علييف، في رسالة إلى إيران، خلال زيارة أردوغان الأخيرة لبلاده، في 20 أكتوبر، إن “تركيا صاحبة كلمة في منطقة القوقاز، والأعلام التركية والأذرية ترفرف جنبًا إلى جنب”، وتفيد رسالة علييف بأن إيران إن اعتدت على أذربيجان، فلن تواجه جيشها وحده، بل الجيش التركي أيضًا.

2022 10 20 azerbaycan 23 varis

أولوية الحوار

لا تريد إيران، ولا تركيا، وقوع حرب في القوقاز، لذلك قال أردوغان إن خوف بعض الأطراف من مشروع “ممر زنكزور”، الذي يربط نختشفشيان بأذربيجان ليس في محله، وإن هذا الممر يسهم في تعزيز سلام وأمن المنطقة واستقرارها، ويوفر فرص التجارة والاستثمار لجميع دولها، حسب وكالة “تسنيم“.

وخلال استقباله رئيس الوزراء الأرميني، أمس الثلاثاء، رد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، على الرسائل التركية، بأن بلاده مستعدة دومًا لتوظيف طاقاتها وإمكاناتها الفاعلة، لإقرار السلام والأمن، وتعزيزهما في منطقة القوقاز، ما عكس رغبة إيران في خيار الحوار على التورط في حرب مع أذربيجان.

قمة سوتشي

رفضت إيران وجود أي وقوات أجنبية بمنطقة الحدود بين أذربيجان وأرمينيا، وراهنت على الدور الروسي في الوساطة بين البلدين، خلال اجتماع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مع زعماء البلدين، خلال قمة سوتشي التي انعقدت يوم 31 أكتوبر الماضي.

وحسب تقرير لصحيفة “آرمان ملي” الإيرانية، زار رئيس الوزراء الأرميني طهران لإطلاع الرئيس الإيراني على نتائج هذه القمة، التي جرى الاتفاق خلالها على الامتناع عن استخدام القوة والتهديد باستخدامها، وأعاد الأطراف الثلاثة التشديد على التزامهم بالامتثال لاتفاقيات 9 نوفمبر 2020.

636020bd4236045617729d19

ممر بديل

طرحت إيران مخططًا بديلًا للوصول إلى شمال القوقاز، دون الحاجة إلى أذربيجان، إذا ما اتجهت الأخيرة لعزل حركة الترانزيت عبر إيران نحو الشمال، وأعلنت مشروع طريق “تاتو“. وهددت إيران أذربيجان بحذفها من حركة التجارة عبر أراضيها.

وحسب صحيفة “كيهان“، أعلن وزير الطرق الإيراني، رستم قاسمي، إنشاء ممر جديد بين أرمينيا والخليج، مرورًا من حدود نوردوز الإيرانية. وتقرر استكمال وتطوير الممر الشمالي الجنوبي من حدود نوردوز إلى ورزغان وتبريز، واتفق البلدان على البدء في بناء نفق كاجاران بطول 7.2 كيلومتر في ربيع عام 2023.

ممر شمال جنوب

تسعى إيران لتحويل أراضيها إلى ممر استراتيجي عالمي، للربط بين منطقة الخليج والهند مع تركيا وآسيا الوسطى وروسيا، في ما يُعرف بممر شمال-جنوب، الذي يربط روسيا وأوروبا بالمحيط الهندي عبر إيران.

ومن شأن ممر التجارة الجديد، أن يتيح للهند وصولًا أفضل إلى قلب أوراسيا، وهو يمثل ممرًّا موازيًا للممر الصيني-الباكستاني، الذي يربط الصين بالمحيط الهندي عبر الأراضي الباكستانية، وصولًا إلى ميناء جوادر، جنوبي باكستان، ثم إلى البحر الأحمر وقناة السويس والبحر المتوسط.

ربما يعجبك أيضا