إيلون ماسك.. ملياردير يُعيد تشكيل السياسة الأمريكية

محمد النحاس
إيلون ماسك يتجاوز 400 مليار دولار لأول مرة في تاريخه

لم يكن الملياردير ورجل الأعمال إيلون ماسك يومًا شخصًا اجتماعيًا أو مهتمًا بالبشر بقدر اهتمامه بالأرقام والبيانات. 

هذا ما تؤكده أفعاله، حيث اتُّهم بقطع الإمدادات الغذائية والرعاية الصحية عن بعض الفئات الأكثر ضعفًا في العالم دون إبداء أي اهتمام أو حتى تفكير مسبق، ويرى ماسك نفسه كرجل بيانات، يستخدم الأرقام كسلاح لمكافحة ما يعتبره فسادًا حكوميًا، بينما يقود الجناح اليميني في محاولته للسيطرة على الدولة الأمريكية، بحسب مقال لصحيفة الجارديان البريطانية في 8 فبراير 2025.

تفكيك المؤسسات الحكومية 

خلال أيام قليلة من توليه منصبه الجديد كرئيس لـ”إدارة كفاءة الحكومة” (Doge)، وهي هيئة مستحدثة تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، أرسل ماسك فرقه لمداهمة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) والتدقيق في حساباتها المالية.

 ما لبثت الوكالة أن توقفت عن العمل فعليًا بعد ذلك، وصف ماسك الوكالة بأنها “منظمة إجرامية” مليئة بالماركسيين، وهو ادعاء أثار سخرية أندرو ناتسيوس، المسؤول السابق في الوكالة خلال إدارة جورج بوش الابن، والذي يُعرف بانتمائه المحافظ.

فوضى غير مسبوقة

لم يتوقف ماسك عند هذا الحد، بل حصل على تفويض كامل من ترامب لإرسال عملائه إلى أكثر من 12 وكالة اتحادية أخرى، بهدف كشف ما يصفه بـ”سوء الإدارة والتخريب”، ما أدى إلى إحداث فوضى غير مسبوقة في النظام الحكومي الأمريكي. 

دعم إيلون ماسك لحملة ترامب

دعم إيلون ماسك لحملة ترامب

وكان من بين أهم المؤسسات التي وقعت تحت سيطرته “مكتب إدارة شؤون الموظفين” (OPM)، المسؤول عن التوظيف الفيدرالي، حيث شجع أكثر من مليوني موظف حكومي على الاستقالة بهدف التخلص من مئات الآلاف منهم.

من يجب أن يحكم أمريكا؟

من الواضح أن ماسك لديه رؤية مختلفة حول من يجب أن يدير الدولة، فقد قام بتوظيف “موظفين حكوميين خاصين” من شركاته ومن قطاع التكنولوجيا الأوسع ضمن إدارته الجديدة، بينهم عدد كبير من مهندسي البرمجيات الشباب الذين يقدسون المليارديرات التقنيين، ومن بينهم مراهق عُرف باسم “Big Balls” على الإنترنت.

أحد التعيينات المثيرة للجدل كان ماركو إليز، الذي أُرسل إلى وزارة الخزانة الأمريكية حيث حصل على وصول غير مقيد لسجلات دافعي الضرائب. 

لكن بعد أن كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن منشوراته العنصرية ودفاعه عن نظرية تحسين النسل، اضطر للاستقالة، لكنه أُعيد إلى منصبه بعد يوم واحد فقط.

ما هي الأيديولوجية السياسية لماسك؟

في الظاهر، يبدو أن ماسك ينفذ وعود ترامب بخفض الإنفاق وتفكيك “الدولة العميقة”، لكنه أيضًا يعزز نفوذ اليمين المتطرف بشكل واضح، فقد أعلن دعمه لحزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف، وأثار الجدل عندما بدا وكأنه يؤدي تحية نازية خلال احتفالات تنصيب ترامب.

وفق المقال، يبدو أن ما يفعله ماسك يخدم مصالحه الشخصية بقدر ما يخدم أجندته السياسية، فقد أدى تفكيك الهيئات التنظيمية وإضعاف النقابات العمالية إلى تعزيز أرباح شركاته.

 كما تسبب شل “المجلس الوطني لعلاقات العمل” (NLRB)، وهو الجهة التي تحمي حقوق العمال، في تقليص قدرة الموظفين على المطالبة بحقوقهم.

تناقضات في أفكار ماسك 

رغم توجهه اليميني المتشدد حاليًا، كانت أفكار ماسك في الماضي أكثر تنوعًا، فقد أيد سابقًا ضريبة الدخل الأساسي الشامل وضريبة الكربون، لكنه في الوقت ذاته عبَّر عن كراهيته للنقابات العمالية والمواصلات العامة، معتبرًا أنها تجبره على الاختلاط بـ”أشخاص عشوائيين، أحدهم قد يكون قاتلًا متسلسلًا”.

كما أنه يتبنى عداءً شديدًا لبرامج التنوع والشمول (DEI) ويعتبر أن مساعدة الفقراء تعزز السلوك التخريبي، إضافةً إلى ذلك، فإن هوسه بحركة “التكاثر المتعمد” (Pronatalism) دفعه لإنجاب 12 طفلًا، مع أمله بأن تساعد شركته سبيس إكس في يوم ما على استعمار المريخ.

نزعة ماسك السلطوية

نشأ ماسك في جنوب إفريقيا خلال حقبة الفصل العنصري، ويبدو أنه متشكك في الديمقراطية؛ فجده، الذي قاد حركة “التقنية المتقدمة” في كندا خلال الثلاثينيات، سعى لإلغاء الديمقراطية واستبدالها بحكم تقنيين من النخبة، وهي أيديولوجية تم حظرها خلال الحرب العالمية الثانية بسبب ارتباطها بالفاشية.

ويشارك ماسك هذه النزعة مع غيره من مليارديرات وادي السيليكون الذين يشعرون بالإحباط من الديمقراطية التمثيلية، ورغم ذلك، فقد صرّح بدعمه للديمقراطية المباشرة، حيث يتم اتخاذ القرارات عبر استفتاءات شعبية بدلًا من ممثلين منتخبين.

لكن في الوقت الحالي، يبدو سعيدًا بتبني نموذج “الرجل القوي”، مستفيدًا من نظرية “السلطة التنفيذية الأحادية”، التي تمنح الرئيس صلاحيات شبه مطلقة مع تقييد دور الكونغرس.

تحولات شخصية 

لطالما وصف ماسك نفسه بأنه “معتدل سياسيًا”، ودعم المرشحين الديمقراطيين منذ عام 2008 حتى بدأ يبتعد عن الحزب في السنوات الأخيرة. في 2022، كتب على منصة X: “في الماضي كنت أصوت للديمقراطيين لأنهم كانوا (في الغالب) حزب الطيبة. لكنهم تحولوا الآن إلى حزب الانقسام والكراهية، لذا لم أعد أستطيع دعمهم وسأصوت للجمهوريين”.

لكنّ هناك دوافع شخصية أيضًا وراء تغييره لمواقفه، أبرزها تغيير جنس ابنه ليصبح فتاة علاوةً على تبنيه أفكار ماركسية وقطع علاقتها به تمامًا، وهو ما وصفه ماسك بأنه أحد أكثر الأمور المؤلمة في حياته، وألقى ماسك باللوم على “الفيروس الفكري اليساري” في المدارس الأمريكية، ما زاد من عدائه للهوية الجندرية وبرامج التنوع.

ماسك وكوفيد

خلال جائحة كورونا، قاوم ماسك القيود الصحية بشراسة، ووصف إجراءات الإغلاق بـ”الفاشية”، ورفض إغلاق مصنع تسلا رغم المخاطر، كما سخر من أنتوني فاوتشي، المستشار الطبي لبايدن.

ورغم أنه قدّم مواقفه على أنها دفاع عن الحريات، إلا أن معارضته للإغلاق كانت تصب في مصلحة أعماله، حيث مكّنته من إبقاء مصانع تسلا قيد التشغيل، حتى لو كان ذلك على حساب صحة العمال.

العمال وحرية التعبير.. ازدواجية ماسك

يعارض ماسك النقابات العمالية بشكل علني، زاعمًا أنها تعزز الانقسام داخل الشركات، كما اتُّهمت شركاته مرارًا بقمع شكاوى التحرش الجنسي والعنصري عبر آليات سرية للتحكيم.

وفي الوقت نفسه، يرفع ماسك القضايا القانونية ضد منتقديه، رفعت شركته X دعوى ضد مركز مكافحة الكراهية الرقمية بعد تقرير زعم أن المنصة تربح من حسابات تنشر الكراهية والعنصرية، إلا أن محكمة في كاليفورنيا أسقطت الدعوى.

إلى أين يتجه ماسك؟

من غير المرجح أن يتوقف طموح ماسك عند إعادة هيكلة الوكالات الحكومية، وبينما يواجه دعاوى قضائية تعيق خططه، قد يتحول اهتمامه قريبًا نحو القضاء نفسه، ساعيًا لإعادة تشكيل النظام بالكامل بما يتناسب مع رؤيته.

ويرى كاتب سيرته الذاتية، والتر إيزاكسون، أن ماسك يعيش في “حالة حرب دائمة”، طالما أن ترامب يرى فيه حليفًا مفيدًا، فلن يتوقف ماسك عن التوسع في سلطته، لكن يبقى السؤال: أين ستكون ضربته القادمة؟

ربما يعجبك أيضا