احتجاجات «صفر كوفيد» تتوسع في الصين.. هل تقود تغييرًا سياسيًّا؟

رنا أسامة

تشهد الصين احتجاجات نادرة وغير مسبوقة مناهضة لمواصلة تدابير مكافحة فيروس كورونا الصارمة.. ماذا يحدث؟ وما المتوقع؟


تتسع دائرة الاحتجاجات بأنحاء الصين على نحو غير مسبوق، تنديدًا بسياسات “صفر كوفيد” المثيرة للجدل، وسط مطالبات بإسقاط الحزب الشيوعي، وزعيمه شي جين بينج.

وأشعل فتيل الغضب الشعبي الصيني حريق شب في مبنى سكني شاهق بمنطقة شينجيانج، شمال غربي البلاد، يوم 24 نوفمبر 2022، موقعًا ما لا يقل عن 10 قتلى، على إثر تدابير حظر التجول، حسب ما ذكرت شبكة “سكاي نيوز” البريطانية.

إغلاق صارم

أثار الحريق شكوكًا بشأن ما إذا كانت سياسة “صفر كوفيد”، التي تطبقها الصين منذ نحو 3 أعوام، حالت دون هرب سكان المبنى، الواقع بمدينة أورومتشي، من ألسنة النيران، ما أنكره مسؤولون صينيون، وألقى المتحدث باسم إدارة الإطفاء، لي ون شنج، خلال مؤتمر صحفي، باللوم على السكان، لعجزهم عن “إنقاذ أنفسهم”، بحسب “سكاي نيوز”.

وتخضع مدن صينية عديدة لإجراءات إغلاق صارمة منذ أشهر، بما في ذلك أورومتشي، البالغ عدد سكانها 4 ملايين، في حين لم يسمح لهم بمغادرة منازلهم، تحت أي ظرف، منذ أكثر من 100 يوم. في ظل ارتفاع قياسي جديد بعدد الإصابات بفيروس كورونا، بواقع 39 ألفًا و791 إصابة جديد، وفق ما أعلنته لجنة الصحة الوطنية الصينية، يوم 26 نوفمبر 2022.

سياسة صفر كوفيد

احتجاج رمزي

اندلعت الاحتجاجات في مدن وجامعات صينية، منذ يوم السبت 26 نوفمبر 2022، حسب ما أظهرت مقاطع فيديو عبر شبكات اجتماعية وروايات لشهود عيان. وأظهر أحد المقاطع تجمع 300 شخص في وسط مدينة شنجهاي، بزهور وشموع، رافعين لافتات كتب عليها “أورومتشي 24 نوفمبر”، تخليدًا لذكرى ضحايا الحريق، في حين استخدمت الشرطة رذاذ فلفل لتفريقهم.

وحمل هؤلاء المحتجون لافتات بيضاء فارغة، في احتجاج رمزي تقليدي ضد الرقابة الصينية. وفي مقاطع، قالت شبكة “سي إن إن” الأمريكية إنها شاهدتها، سُمعت هتافات “تنحى يا شي جين بينج”، و”أسقطوا الحزب الشيوعي”، وأخرى طالبت برفع الإغلاق في شينجيانج، العاصمة الاقتصادية للبلاد، وثالثة: “لا لاختبارات كوفيد، نريد الحرية”، و”لا للديكتاتورية، نريد الديمقراطية”.

احتجاجات في شنجهاي يوم 26 نوفمبر 2022

احتجاجات في شنجهاي يوم 26 نوفمبر 2022

«الشرطة داست قدميه»

ردد محتجون في تشينجيانج النشيد الوطني للصين، ونشيد “الأممية” الاشتراكي، حاملين لافتات تحتج على الإجراءات الصارمة على نحو استثنائي ضد الوباء، وفق ما أظهرت مقاطع أخرى، في حين أعلنت الشرطة اعتقال امرأة، تبلغ من العمر 24 عامًا، بتهمة نشر “معلومات كاذبة” بشأن عدد ضحايا الحريق عبر الإنترنت.

وقال محتج ذكر اسم عائلته فقط، تشاو، لوكالة “أسوشيتيد برس” الأمريكية، إن صديقًا له تعرض للضرب على أيدي الشرطة الصينية، مشيرًا إلى أن “الشرطة داست على قدميه” وهو يحاول حماية أصدقاء آخرين له، ما تسبب في فقد حذائه ومغادرته حافيًا. وأضاف أن 100 شرطي اصطفوا، لمنع المتظاهرين من التجمع أو المغادرة.

احتجاجات محفوفة بمخاطر

نبهت “أسوشيتد برس” بأن الاحتجاجات في شينجيانج، خاصة، محفوفة بمخاطر، لا سيما في ظل حملة أمنية ضد الإيجور وأقليات عرقية أخرى، معظمها مسلمة، تضمنت عمليات اعتقال جماعي. وأشارت إلى أن معظم المحتجين، الذين أظهرتهم مقاطع الفيديو المتداولة عبر وسائل تواصل اجتماعي صينية وأجنبية، من عرقية “الهان” المهيمنة في الصين.

ونقلت عن امرأة إيجورية في أورومتشي، أن الإيجور خائفون للغاية من النزول إلى الشوارع. وأضافت المرأة، التي طلبت عدم كشف هويتها خوفًا من الانتقام: “يعلم الهان أنهم لن يعاقبوا، إذا أعربوا عن معارضتهم للإغلاق، على العكس من الإيجور. إذا تجرأنا على قول شيء مماثل، سنزج في السجون أو المعسكرات”.

من شينجاينج إلى بكين: لا للإغلاق

الاحتجاجات طالت العاصمة الصينية أيضًا. وقال أحد طلاب جامعة بكين، لـ”سي إن إن”، إنه عندما وصل إلى موقع الاحتجاج في الساعة 1 صباح يوم الأحد بالتوقيت المحلي، وجد 100 طالب، في حين استخدم حراس أمن سترات، لتغطية شعار احتجاجي مرسوم على جدران.

وجاء في رسالة مكتوبة بطلاء أحمر على أحد جدران جامعة بكين: “قل لا للإغلاق، ونعم للحرية. لا لاختبارات كوفيد، نعم للطعام”، مرددة شعارات “احتجاج جسر بكين“، الذي اندلع أكتوبر الماضي، قبيل اجتماع الحزب الشيوعي الرئيس، الذي فاز فيه شي بولاية ثالثة تاريخية.

حارس أمن يغطي شعار احتجاجي ضد صفر كوفيد في حرم جامعة بكين

حارس أمن يغطي شعار احتجاجي ضد صفر كوفيد في حرم جامعة بكين

«صفر كوفيد» كذبة

قال شعار الاحتجاج بجامعة بكين: “افتح عينيك وانظر إلى العالم، صفر كوفيد كذبة”، ليغطيه حراس الأمن لاحقًا بطلاء أسود، وفق ما نقلته “سي إن إن” عن الطالب، الذي لم تسمه. وفي جيانجسو، شرقي الصين، أظهر مقطع فيديو تجمع عشرات الطلاب حدادًا على ضحايا حريق شينجيانج، في حين سمع مسؤول جامعي يتوعدهم: “ستدفعون الثمن”، ليرد عليه طالب: “وأنت أيضًا، وكذلك الدولة”.

وفي تشنجتشو بوسط الصين، قذف آلاف العمال، بأكبر مصانع “آيفون” في العالم، شرطة مكافحة الشغب الصينية بالعصي والطوب، وحطموا أكشاك اختبارات كوفيد، في حين أزال متظاهرون بمقاطعة جوانجدونج حواجز في وجه العاملين الصحيين، وساروا في احتجاجات بالشوارع. على إثر ذلك، أصدرت سلطات المقاطعة مرسومًا ضاعف من عقوبات “العنف ضد تدابير كوفيد”.

تحدٍ لرواية شي

تحت مظلة سياسة “صفر كوفيد”، التي تسعى إلى قطع سلسلة انتقال الفيروس بالمجتمع الصيني، فإن هذه الاحتجاجات تشكل تحديًا لرواية الرئيس، شي جين بينج، بأن الحزب الشيوعي صار أكثر استجابة لاحتياجات المواطنين. ووفق صحيفة “ساوث تشاينا مورنينج بوست“، ساعدت هذه الرواية شي على استقطاب الدعم لحملته بعيدة المدى لمكافحة الفساد والوباء.

ولطالما دافع شي عن تلك السياسة، المقرر أن تدخل عامها الرابع في الربيع المقبل، باعتبار أنها مثال على تفوق نظام الصين، مقارنة بالولايات المتحدة ودول غربية أخرى، التي قال إنها “سيست” ارتداء أقنعة الوجه، وواجهت صعوبات في فرض عمليات إغلاق واسعة النطاق.

وقفة طلابية احتجاجية في نانجينج مساء 26 نوفمبر 2022 حدادا على ضحايا حريق شينجيانج

وقفة طلابية احتجاجية في نانجينج مساء 26 نوفمبر 2022 حدادا على ضحايا حريق شينجيانج

نظرة سابقة لأوانها

في حين أشاد الإعلام الحكومي الصيني مرارًا بقيادة شي لجهود مكافحة الأوبئة، التي شملت إغلاقًا لشنجهاي استمر أكثر من شهرين، فإن مشاعر الغضب المتنامية تدحض تلك الرواية، حسب ما نقلت “ساوث تشاينا مورنينج بوست” عن خبير الصحة بمجلس العلاقات الخارجية، يانتشونج هوانج.

وفي حين أسهمت “صفر كوفيد” في الحدّ من الوفيات، لم تتكشف أضراها الثانوية أو تبعاتها السلبية، في وقت يهوّن فيه مسؤولو الصحة العامة بأنحاء العالم من خطورة المرض اليوم. ومع ذلك، رأى هوانج أنه “من السابق لأوانه القول إن الضغط الشعبي قاد إلى نقطة تحول، من شأنها أن تؤثر في الاستقرار السياسي والاجتماعي”، لأن الأحداث المنفصلة لا تهدد النظام بدرجة كبيرة.

ما السيناريو الأرجح؟

بالرغم من وجود شواهد على تنامي الاستياء الشعبي من “صفر كوفيد”، استبعد خبراء أن تتراجع الصين عنها، في حين شكك آخرون في حاجتها لأي قيود. وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة هونج كونج، جان بيير كابيستان، إن السيناريو الأرجح يذهب إلى أن يتكيف الصينيون تدريجيًا مع الوضع الحالي، بشرط منحهم مزيدًا من الحرية.

وأضاف كابيستان لـ”ساوث تشاينا مورنينج بوست”: “قدمت الحكومة المركزية تسهيلات بالفعل، وسمحت للحكومات المحلية بالتصرف بطريقة أكثر مرونة، ردًا على الاستياء الشعبي المتزايد. لكن الاستجابة لضغط المجتمع كانت بغاية البطء”. وعزا ذلك إلى أن “المجتمع الصيني نفسه منقسم إزاء هذه القضية”.

ربما يعجبك أيضا