اشتباكات دير الزور.. لماذا تهدد الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة؟

آية سيد
اشتباكات دير الزور.. لماذا تهدد الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة؟

تجربة القتال ضد عدو مشترك ستجعل العائلات والعشائر في دير الزور يضعون خلافاتهم جانبًا للتركيز على الهدف المشترك المتمثل في الثأر، وتوفر وقود كافي لتمرد طويل الأمد.


حذّر الصحفي الأمريكي، جيرمي هودج، من أن الاشتباكات التي شهدتها دير الزور في شمالي سوريا، تهدد الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.

وفي تحليل بمجلة فورين بوليسي الأمريكية، الجمعة 15 سبتمبر 2023، قال هودج إن “اندلاع العنف بين العرب والأكراد يهدد بزعزعة التوازن الدقيق الذي ساعد في صد تنظيم داعش، وخصوم الولايات المتحدة الآخرين”.

بداية التصدعات

منذ 2017، نجحت واشنطن في منع عودة ظهور داعش وكبح التوسع الإيراني والروسي، مع الإبقاء على وجود عسكري محدود، من خلال العمل مع قوات سوريا الديمقراطية، وهو ائتلاف غير مستقر يضم شركاء تكتنفهم الخصومات الداخلية، وفق الكاتب.

ولفت هودج إلى أن “التصدعات الأولى في هذا الائتلاف بدأت الظهور، ففي الفترة من 27 أغسطس حتى 6 سبتمبر، طرد رجال العشائر العربية قوات سوريا الديمقراطية، ذات الأغلبية الكردية، من عشرات المدن والقرى في محافظة دير الزور السورية، في اشتباكات خلّفت من 150 إلى أكثر من 350 قتيلًا”.

أهمية استراتيجية

يقسم نهر الفرات دير الزور إلى نصفين، الشمالي خاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، والجنوبي خاضع لسيطرة نظام بشار الأسد.

وأشار هودج إلى أن “النصف الشمالي هو الجزء الوحيد الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية، ولا يوجد به سكان أكراد، ما يجعل حكمه أكثر صعوبة من المناطق الأخرى”.

اقرأ أيضًا| اشتباكات عنيفة.. ماذا يجري في دير الزور؟

قوات سوريا الديمقراطية

قوات سوريا الديمقراطية

ويُعد شمالي دير الزور موطن أكبر عدد من حقول النفط والغاز السورية، ما يضعها في مرمى نيران نظام الأسد وداعميه الإيرانيين والروس.

تهريب الأسلحة والجنود

ينشط تنظيم داعش في دير الزور أكثر من أي منطقة أخرى، عن طريق ابتزاز مبالغ مالية ضخمة من تجار النفط لتمويل أنشطة الجماعة.

وإضافة إلى هذا، يُعد موقع دير الزور على طول الحدود السورية العراقية مُهمًا لإيران وتنظيم داعش، اللذين يستخدمان المنطقة لتهريب الأسلحة والجنود.

تمرد العشائر

وسط هذه المنافسة الشرسة، شعرت العشائر المحلية شمالي دير الزور بالتجاهل واتهمت قوات سوريا الديمقراطية بتحويل عائدات حقول النفط والغاز إلى المناطق ذات الأغلبية الكردية.

وحسب هودج، كان التمرد القبلي مطلع هذا الشهر محاولة للسيطرة على المنطقة وإرغام الولايات المتحدة على الاعتراف بإقامة دويلة عربية  شمالي دير الزور، مستقلة عن قوات سوريا الديمقراطية ونظام الأسد.

إلا أن المسؤولين العسكريين والدبلوماسيين الأمريكيين التزموا الصمت في أثناء القتال، ولم ينحازوا علنًا لأي طرف في صراع بين جماعتين تحتاج واشنطن بشدة إلى أن تعملا معًا لمنع صعود تنظيم داعش.

اتهامات بالتواطؤ

كان الكثير ممن شاركوا في الأيام الأولى للانتفاضة أعضاء في مجلس دير الزور العسكري، وهو الذراع الحاكمة لقوات سوريا الديمقراطية في المنطقة.

وفي أثناء محاولة إخماد التمرد، قتلت قوات سوريا الديمقراطية، وسجنت عددًا ضخمًا من القيادات العسكرية والقبلية في المنطقة، بدعوى التعاون مع نظام الأسد، استعدادًا لتسهيل استيلائه على شمالي دير الزور.

وتشير مصادر موثوقة إلى أن “رئيس مجلس دير الزور العسكري، أحمد الخبيل، ربما كانت لديه هذه النوايا، لكن قوات سوريا الديمقراطية استخدمت التهمة للإشارة إلى معظم المشاركين في القتال، ذريعةً للمزيد من الحملات القمعية”.

اقرأ أيضًا| المركز الأوروبي يناقش علاقة أمريكا باستمرار خطر داعش في سوريا

ولفت الصحفي الأمريكي إلى أن “المنطقة لن تعود إلى وضعها السابق، وستفقد قوات سوريا الديمقراطية قدرتها على منع صعود خلايا داعش ومنع نظام الأسد، وإيران، وروسيا، من الاستيلاء على احتياطيات البترول في دير الزور”.

واشنطن في مأزق

هذه الأحداث تضع الولايات المتحدة في مأزق صعب، وفق هودج. فمنذ تدخلها في سوريا في أواخر 2014، بذلت واشنطن جهدًا لحماية شمالي دير الزور من هجمات القوات الخارجية أكثر من أي منطقة أخرى تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

وفي أكتوبر 2019، وافقت الولايات المتحدة على إجلاء قواتها من المواقع الأمامية في حلب، والرقة، وشمال غربي الحسكة، قبل حملة تركيا لطرد قوات سوريا الديمقراطية من منطقة حدودية مع سوريا.

لكن واشنطن رفضت التخلي عن السيطرة على احتياطيات النفط والغاز في دير الزور وجنوب غربي الحسكة، خشية سيطرة داعش أو نظام الأسد عليها.

قوات سوريا الديمقراطية

قوات سوريا الديمقراطية

وفي هذه البيئة، أصبحت الولايات المتحدة أكثر اعتمادًا على مجلس دير الزور العسكري، الذي كانت قواته فاعلة أكثر من قيادة قوات سوريا الديمقراطية في حشد الدعم المحلي. وإدراكًا لنفوذهم، بدأ مجلس دير الزور العسكري والقبائل المحلية المطالبة بمزيد من الاستقلال الذاتي بداية من 2020.

تداعيات التمرد

على الرغم من اعتقال أحمد الخبيل، وإخماد التمرد، رأى الصحفي الأمريكي أن تداعياته ستكون هائلة، وقال إن “تجربة القتال ضد عدو مشترك ستجعل العائلات والعشائر في دير الزور يضعون خلافاتهم جانبًا للتركيز على الهدف المشترك المتمثل في الثأر، وتوفر وقود كافٍ لتمرد طويل الأمد”.

وعلى الرغم من التحديات الكثيرة التي تواجهها في المناطق الأخرى، قال هودج إنه “يجب على واشنطن أن تكرس تركيزًا كافيًا على سوريا والمنطقة الأوسع لضمان عدم ظهور انقسامات مشابهة بين قوات سوريا الديمقراطية والفصائل العربية الأخرى المتحالفة معها”، مُحذرًا من أن الفشل، سيخلق مساحة للخصوم لتقويض المكاسب التي حققتها واشنطن بشق الأنفس.

ربما يعجبك أيضا