في الوقت الذي يشهد العالم أزمات اقتصادية وسياسية مركبة، تتسبب في تراجع التجارة الدولية وتباطؤ حركة الاستثمارات عبر الحدود، تبرز ظاهرة موازية لم يتوقعها الكثيرون: انتشار العصابات والجريمة المنظمة.
وبينما تكافح الحكومات والشركات لحماية اقتصاداتها ومصالحها، تجد هذه العصابات فرصًا جديدة للنمو والتوسع، مستفيدة من التطورات التكنولوجية والاقتصادية الحديثة، فما الذي يجعل هذه العصابات أكثر قدرة على التكيف والنمو في وقت يشهد فيه النظام العالمي تراجعًا؟ وكيف يمكن لهذه القوى المظلمة أن تؤثر في مستقبل الاستقرار السياسي والاجتماعي حول العالم؟
ارتفاع في معدلات الجريمة
يقول يورجن ستوك، الذي استقال في 7 نوفمبر 2024 من منصبه كأمين عام للإنتربول بعد عشرة أعوام في الخدمة، “أخشى أن العالم يخسر المعركة ضد العصابات والجريمة المنظمة” مردفًا: “إن نمو الجريمة المنظمة من حيث النطاق والاحترافية غير مسبوق” بحسب صحيفة “الإيكونوميست” البريطانية.
ورغم أن العديد من مناطق العالم التي ليست في حالة حرب أصبحت أقل عنفًا وأكثر التزامًا بالقانون في العقدين الأخيرين، إلا أن هناك ارتفاعًا ملحوظًا في الجريمة المنظمة على مستوى العالم منذ بداية القرن الجديد.
هذا الارتفاع مدفوع بثلاثة عوامل رئيسية: انتشار تقنيات مثل التطبيقات المشفرة والعملات الرقمية، انتشار المخدرات الاصطناعية التي تعد أكثر قوة وأقل تكلفة من المخدرات النباتية، بالإضافة إلى صعود العصابات متعددة الجنسيات والمتنوعة.
التكنولوجيا تدعم الجريمة المنظمة
منذ حوالي عقد مضى، كانت الرسائل الإلكترونية والمكالمات الهاتفية غير مشفرة، مما سهل على أجهزة الشرطة والمخابرات الاطلاع عليها.
لكن الآن، مع الانتشار الواسع للتقنيات المشفرة، أصبح بإمكان المجرمين التخطيط والاتصال في سرية تامة، ويتيح “الإنترنت المظلم” (ديب ويب) بيع السلع المحظورة، بينما تسمح العملات الرقمية للمجرمين بتلقي المدفوعات التي يصعب تتبعها، ما يفتح الأبواب أمام أنشطة إجرامية متنوعة، مثل الفدية والهجمات الإلكترونية.
وفي هذا السياق، يشير رئيس وحدة الجرائم الإلكترونية في الإنتربول إيفو دي كارفاليو بيكشينيو، إلى أن “كل تقدم في التكنولوجيا يخلق تهديدًا جديدًا.” وأضاف أن “التهديدات تتزايد مع استخدام تقنيات مثل ChatGPT في إنشاء رسائل احتيالية”.
الارتفاع الكبير في تجارة المخدرات
العامل الثاني هو تزايد استخدام المخدرات، مدفوعًا بشكل جزئي بانتشار المخدرات الاصطناعية؛ هذه المخدرات تتيح للعصابات تجاوز بعض القيود الجغرافية التي كانت مفروضة على التجارة بالمخدرات التقليدية، مثل الكوكايين والهيروين.
وعلى سبيل المثال، أظهرت بيانات أن عمليات ضبط الميثامفيتامين في شرق وجنوب شرق آسيا قد زادت بمقدار أربعة أضعاف بين عامي 2013 و2022، وفق الإيكونوميست.
تنوع الجريمة المنظمة جغرافيًا
أما العامل الثالث، فهو تنوع العصابات من حيث نشاطاتها الجغرافية. ففي حين أن الجريمة المنظمة كانت تقتصر في السابق على بعض المناطق، أصبح الآن بإمكان العصابات التوسع دوليًا.
وعلى سبيل المثال، في أمريكا اللاتينية، استطاعت عصابات مثل “تريين دي أراجوا” الفنزويلية أن تسيطر بشكل كبير على تجارة البشر بدلاً من المخدرات. ووفقًا لخبراء الإنتربول، فقد أصبحت العصابات قادرة على بناء شبكات معقدة تمتد عبر 26 دولة.
التحديات أمام الشرطة الدولية
رغم بعض النجاحات للشرطة الدولية، (الإنتربول) مثل التحقيقات التي سمحت بالإطاحة بشبكات إجرامية دولية باستخدام تقنيات مشفرة، لا يزال التعاون بين الدول في مواجهة هذه العصابات يواجه العديد من العقبات.
ولا يزال هناك نقص في الإرادة السياسية لإنشاء استراتيجيات تعاون دولية فعالة لمواجهة هذه الجرائم العابرة للحدود، وختماما يرى التقرير أن الفشل في مواجهة الجريمة المنظمة على المستوى الدولي يعكس ضعف التنسيق بين الأجهزة الأمنية في الدول المختلفة، ما يزيد من قوة هذه العصابات وانتشارها عالميًا.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2061385