في ظل تصاعد الضغوط الأمريكية على حلفائها الأوروبيين لزيادة إنفاقهم العسكري، يشهد المشهد الأوروبي موجة جديدة من العسكرة، تغذيها مخاوف سياسية أكثر من كونها مبنية على استراتيجيات أمنية واضحة.
يحذر تحليل نشرته مجلة “ريسبنسبول ستيت كرافت” الأمريكية من أن هذا التحول، قد يعني أن أوروبا تنجرف نحو سباق تسلح غير مدروس، قد يؤدي إلى نتائج عكسية على استقرارها الداخلي والخارجي.
من الإلحاح الأمريكي إلى الهوس الأوروبي
على مدار ربع قرن، حثت واشنطن حلفاءها الأوروبيين على زيادة إنفاقهم الدفاعي، لكن الضغوط بلغت ذروتها بعد انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي تبنى موقفًا أكثر صرامة تجاه التزام الدول الأعضاء في الناتو بتمويل الدفاع الجماعي.
ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تسارعت وتيرة الاستجابة الأوروبية، حيث دفعت الصدمة التي أحدثها المؤتمر الصحفي الأخير بين الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي والرئيس الأمريكي جو بايدن، الأوروبيين إلى فتح خزائنهم العسكرية على مصراعيها.
لكن التحليل يحذر من أن زيادة الإنفاق العسكري دون تقييم دقيق للتهديدات الحقيقية قد يكون خطأ استراتيجيًا، حيث يجري التركيز على تحقيق نسبة إنفاق معينة من الناتج المحلي الإجمالي بدلًا من بناء استراتيجية أمنية متكاملة تشمل الدبلوماسية، وضبط التسلح، وتعزيز آليات بناء الثقة.
ألمانيا.. نموذج للتوجه العسكري الجديد
أبرز مظاهر التحول العسكري ظهرت في ألمانيا، التي انتقلت من سياسة دفاعية قائمة على “قدرة الحماية” إلى تبني مفهوم “القدرة على الحرب” (Kriegstüchtigkeit)، وهو مصطلح يحمل دلالات تاريخية مقلقة.
التحليل يشير إلى أن وسائل الإعلام الألمانية تعج الآن بـ”خبراء عسكريين جدد”، رغم أنهم كانوا مخطئين مرارًا في تنبؤاتهم بانتصار أوكرانيا أو انهيار روسيا.
الأمر لا يقتصر على الخطاب السياسي، بل يمتد إلى اقتراحات مثل إعادة الخدمة العسكرية الإلزامية وتوسيعها لتشمل النساء، وسط قلق متزايد من “ضعف الجيل الجديد” أمام تحديات الحرب المحتملة.
عسكرة بلا رؤية.. وأوروبا تفقد توازنها الديمقراطي
في ظل هذا التصعيد، يرى التحليل أن النخبة الأوروبية تتحرك بدافع الهلع من فقدان موقعها السياسي في النظام العالمي المتغير، أكثر من كونها تستجيب لتهديدات واقعية.
المخاوف الأوروبية لم تعد تقتصر على روسيا، بل تمتد إلى فكرة فقدان الهيمنة العالمية التي تمتعت بها أوروبا لعقود تحت المظلة النووية الأمريكية، المفارقة التي يبرزها التحليل هي أن هذه الطفرة العسكرية تترافق مع تآكل القواعد الديمقراطية في أوروبا، في ألمانيا، يتم تعديل الدستور للسماح بالإنفاق العسكري رغم القيود المالية الصارمة المفروضة على القطاعات المدنية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية.
وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، تم تمرير آلية تمويل بقيمة 150 مليار يورو لدعم الدفاع، رغم أن معاهدات الاتحاد تحظر صراحةً تمويل النشاطات العسكرية.
هل أوروبا تسير على خطى واشنطن؟
يرى التحليل أن تجربة الولايات المتحدة مع العسكرة المفرطة لم تؤدِّ إلى زيادة أمنها، بل كانت سببًا في حروب طويلة الأمد استنزفت اقتصادها وأضعفت ديمقراطيتها.
وبالتالي، فإن تكرار هذا النهج في أوروبا قد يؤدي إلى نتائج مماثلة، خاصة في ظل غياب استراتيجية شاملة تأخذ في الاعتبار التطورات التكنولوجية والتكتيكية التي يشهدها ميدان المعركة الأوكراني.
وبينما يتجه صانعو القرار الأوروبيون نحو زيادة الإنفاق العسكري بوتيرة متسارعة، يحذر التحليل من أن غياب التخطيط الاستراتيجي قد يجعل من هذا الاستثمار مجرد استجابة انفعالية أكثر منه سياسة رشيدة؛ فبدلًا من اللهاث وراء سباق تسلح جديد، تحتاج أوروبا إلى رؤية أكثر توازنًا، تجمع بين القوة العسكرية والدبلوماسية، وتراعي المخاطر الحقيقية بدلًا من الاستسلام لمخاوف متضخمة قد تؤدي إلى نتائج كارثية.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2163998