الإمارات وأمريكا.. شراكة تكنولوجية تعيد تشكيل المستقبل

شروق صبري
الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم أبوظبي ومستشار الأمن الوطني

في عالم يتغير بوتيرة متسارعة، حيث لم تعد الدول تُقاس فقط بثرواتها الطبيعية، بل بقدرتها على الابتكار والتكيف مع التكنولوجيا المتقدمة، تبرز الإمارات العربية المتحدة كنموذج فريد للتحول الاقتصادي.

فمنذ سنوات، وضعت الدولة خططًا طموحة لتجاوز الاعتماد على النفط، والتحول إلى مركز عالمي في الذكاء الاصطناعي، صناعة الرقائق الإلكترونية، ومراكز البيانات المتطورة. واليوم، تأتي زيارة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان إلى الولايات المتحدة لتؤكد على أن الإمارات لم تعد مجرد مستثمر في التكنولوجيا، بل قوة فاعلة ومؤثرة في صياغة مستقبلها الرقمي.

زيارة مثمرة

يبدأ الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم أبوظبي ومستشار الأمن الوطني، زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية الاثنين 17 مارس 2025.

ومن المقرر أن يلتقي بعدد من كبار المسؤولين الأمريكيين في البيت الأبيض لمناقشة سبل تعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية، إضافة إلى بحث التحديات الإقليمية الراهنة.

تنويع الاقتصاد

تأتي هذه الزيارة في وقت تشهد فيه العلاقات بين الإمارات والولايات المتحدة تحولًا جوهريًا، حيث لم تعد تقتصر على النفط، بل أصبحت التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي في صدارة التعاون المشترك. ويعكس هذا التوجه رغبة الإمارات في تنويع اقتصادها وتعزيز مكانتها كقوة عالمية في الابتكار والتقنيات المتقدمة.

خلال العقدين الماضيين، حققت الإمارات تقدمًا ملحوظًا في بناء اقتصاد رقمي متكامل، حيث أصبحت مركزًا عالميًا للذكاء الاصطناعي، التصنيع المتقدم، التكنولوجيا العميقة، والفضاء. وقد دعم صندوق أبوظبي للاستثمار (ADIA) وشركة مبادلة هذا التحول عبر استثمارات ضخمة في شركات التكنولوجيا الكبرى حول العالم.

التكنولوجيا في صلب العلاقات

خلال زيارة رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى الولايات المتحدة في سبتمبر 2024، تم توقيع بيان مشترك يعكس هذا التحول، حيث تم الاتفاق على التعاون في الذكاء الاصطناعي، البنية التحتية الرقمية، أمن الفضاء السيبراني، وصناعة الرقائق الإلكترونية، مما يمهد الطريق لشراكات أعمق بين البلدين.

وزيارة الشيخ طحنون بن زايد تأتي لتعزيز هذا المسار، حيث من المتوقع أن تشمل محادثاته مع المسؤولين الأمريكيين سبل توسيع التعاون في هذه القطاعات. لا سيما فيما يخص مراكز البيانات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتطوير البنية التحتية للطاقة اللازمة لدعم هذه المشاريع.

الاستثمار الإماراتي في التكنولوجيا الأمريكية

أشار موقع الشرق الأوسط للأبحاث في 10 أكتوبر 2024 إلى أن الإمارات عززت من حضورها في قطاع التكنولوجيا الأمريكي عبر استثمارات استراتيجية. فعلى سبيل المثال:

–  شركة إم جي إكس (MGX)، التي يرأسها الشيخ طحنون بن زايد، شاركت في جولة تمويل ضخمة لصالح OpenAI، مما يعكس التزام الإمارات بأن تكون جزءًا من مستقبل الذكاء الاصطناعي عالميًا.

–  جهاز أبوظبي للاستثمار (ADIA) استثمر في شركة فلاير (Flyr) الأمريكية المتخصصة في تكنولوجيا السفر، ضمن صفقة بلغت 295 مليون دولار.

– وافقت الحكومة الأمريكية مؤخرًا على بيع رقائق Nvidia H100 المتطورة إلى Group 42 (G42) الإماراتية، بعد تجاوز مخاوف تتعلق بحماية الملكية الفكرية.

إنفوجراف التجارة بين الإمارات وأمريكا عند مستوى قياسي

قوة عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي

توضح هذه الاستثمارات أن الإمارات لم تعد تكتفي بالاستثمار في التكنولوجيا، بل تسعى لأن تكون مطورًا رئيسيًا لها، وهو ما يعكسه أيضًا إطلاقها لنماذج الذكاء الاصطناعي الضخمة (LLMs) مثل: (Jais) باللغتين العربية والإنجليزية و(Falcon 2) يدعم لغات متعددة مثل الفرنسية والإسبانية والألمانية و(NANDA) باللغة الهندية.

هذه الخطوات تعزز مكانة الإمارات كقوة عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، وتدعم رؤيتها للتحول إلى مركز عالمي للابتكار التكنولوجي.

مراكز البيانات والطاقة المتجددة

نظرًا لأن تقنيات الذكاء الاصطناعي تحتاج إلى بنية تحتية قوية، تعمل الإمارات على الاستفادة من فائضها من الطاقة لإنشاء مراكز بيانات متطورة. في هذا الإطار، تم الإعلان عن الشراكة العالمية لاستثمارات البنية التحتية للذكاء الاصطناعي (GAIIP)، وهي مبادرة مشتركة بين بلاك روك ومايكروسوفت و إم جي إكس.

وتهدف هذه الشراكة إلى توسيع مراكز البيانات العالمية ودعم البنية التحتية للطاقة اللازمة لتشغيلها. كما تدرس الإمارات بناء مصانع رقائق إلكترونية ضخمة بالتعاون مع TSMC وسامسونج، ما قد يجعلها مركزًا عالميًا لإنتاج أشباه الموصلات.

قطاع الفضاء

لم تقتصر الطموحات التكنولوجية الإماراتية على الأرض، بل امتدت إلى استكشاف الفضاء. ففي عام 2021، أصبحت الإمارات أول دولة عربية والخامسة عالميًا تصل إلى المريخ عبر مهمة الأمل. وفي أغسطس 2024، انضمت الإمارات إلى اتفاقيات أرتميس، التي تقودها الولايات المتحدة لوضع أسس التعاون الدولي لاستكشاف القمر والمريخ.

هذه الإنجازات تعزز دور الإمارات كشريك رئيسي في تطوير الابتكارات الفضائية والمشاركة في وضع أطر الحوكمة العالمية لهذا القطاع.

التحديات التعاون التكنولوجي

رغم التطورات الإيجابية في العلاقات بين الإمارات والولايات المتحدة، إلا أن هناك بعض التحديات، لا سيما المخاوف في الكونغرس الأمريكي بشأن نقل التكنولوجيا إلى الصين.

على سبيل المثال، أثارت صفقة مايكروسوفت مع G42 بقيمة 1.5 مليار دولار جدلًا في الأوساط السياسية الأمريكية، مما دفع الشركتين إلى إعادة هيكلة الشراكة لضمان الامتثال للمعايير الأمريكية لحماية الملكية الفكرية. ومع ذلك، يبدو أن الإمارات نجحت في طمأنة الجانب الأمريكي، حيث وافقت الإدارة الأمريكية على بيع رقائق Nvidia المتطورة للإمارات مؤخرًا.

دعم التحول الرقمي في إفريقيا

تمتد الشراكة التكنولوجية الإماراتية الأمريكية إلى إفريقيا، حيث أعلنت مايكروسوفت وG42 عن استثمار 1 مليار دولار في كينيا، يشمل: إنشاء مركز بيانات يعمل بالطاقة الحرارية الجوفية وتوسيع خدمات الإنترنت وإطلاق مختبر الابتكار في شرق إفريقيا لدعم الشركات الناشئة.

هذا التعاون يعزز مكانة الإمارات كشريك عالمي في التحول الرقمي، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل أيضًا في الأسواق الناشئة.

ربما يعجبك أيضا