شهدت السنوات الأخيرة تحولًا استراتيجيًا كبيرًا في السياسة الفرنسية تجاه إفريقيا، حيث أعلنت باريس عن انسحاب قواتها العسكرية من عدة دول إفريقية.
أبرز تلك الدول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، وذلك بعد عقود من الوجود العسكري المُمتد الذي بدأ منذ حقبة الاستعمار.
القوات الفرنسية
دعوة للخروج
حسب دراسة مركز فاروس للاستشارات، جاء الانسحاب من مالي بعد توترات متصاعدة مع الحكومة العسكرية التي وصلت إلى السلطة عبر انقلابين متتاليين، واتهمت باريس بالتدخل في شؤونها الداخلية وعدم احترام سيادتها، وفي النيجر، أدى الانقلاب العسكري في يوليو 2023 إلى طرد القوات الفرنسية، كما رأت السلطات الجديدة أن الوجود الفرنسي لم يعد يتماشى مع مصالح البلاد.
أما في بوركينا فاسو، فقد طالبت الحكومة الانتقالية بإنهاء الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا، مشيرة إلى فشل باريس في مساعدتها على مواجهة التهديدات الأمنية المتمثلة في الجماعات الإرهابية. وفي تشاد، التي كانت تُعتبر حليفًا استراتيجيًا لفرنسا، بدأت العلاقات تتوتر بعد وفاة الرئيس إدريس ديبي، فيما بدأت الحكومة التشادية تتجه نحو تنويع شراكاتها العسكرية والأمنية.
مناطق أخرى
هذا الانسحاب المتسارع لم يقتصر على هذه الدول فحسب، بل تشير تقارير إلى أن فرنسا قد تكون في طريقها للخروج من دول أخرى مثل ساحل العاج والسنغال؛ حيث تواجه انتقادات متزايدة من قبل الشعوب والحكومات التي تطالب بإنهاء التبعية لباريس، في ساحل العاج، التي كانت تُعتبر حصنًا فرنسيًا في غرب إفريقيا، بدأت تظهر أصوات تطالب بإعادة النظر في الوجود العسكري الفرنسي.
بينما في السنغال، التي تشهد تحولات سياسية داخلية، بدأت تتعالى المطالب بتقليص النفوذ الفرنسي، هذه التحولات تعكس نهاية عصر الهيمنة الفرنسية التقليدية في إفريقيا.
قوات فرنسية في إفريقيا
مشاعر معادية
في نوفمبر 2024 ألغت تشاد اتفاقيات التعاون الأمني والدفاعي؛ حيث جاء هذا القرار عقب زيارة أجراها وزير الخارجية الفرنسي “جان نويل بارو” للعاصمة التشادية أنجامينا، والتي تعد مماثلة لقرار انسحاب تشاد من اتفاقية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة في مارس 2024، وهو ما يعزز الوجود الروسي في المنطقة.
ويأتي قرار تقليص التعاون العسكري الإفريقي مع فرنسا في ظل موجة متصاعدة من المشاعر المعادية لفرنسا في العديد من الدول الأفريقية، وخاصة في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، وفي السنوات الأخيرة، حذت دول مثل تشاد والنيجر وبوركينا فاسو حذوها، فطردت القوات الفرنسية التي كانت متمركزة في المنطقة لعقود من الزمن، كما أن هذه التغييرات تشكل جزءًا من تحول هيكلي أوسع نطاقًا في تعامل إفريقيا مع فرنسا.
ورغم أن فرنسا كانت حليفًا عسكريًا رئيسًا في المنطقة، وخاصة في مكافحة التمرد الإسلامي، فإن الدفع المتزايد من جانب القارة نحو مزيد من الحكم الذاتي يعمل على تحويل ديناميكيات علاقاتها مع القوى الاستعمارية السابقة.
جنود فرنسيون في قاعدة بتشاد
انتكاسة نفوذ
بالنسبة لفرنسا، يمثل هذا الانسحاب انتكاسة كبيرة؛ فبعد أن كانت ذات يوم قوة مهيمنة في غرب إفريقيا، أمضت فرنسا السنوات العديدة الماضية في محاولة الحفاظ على نفوذها في القارة، بل وحتى تنشيطه، سواء على المستوى السياسي أو العسكري.
ومع ذلك، تشير هذه التطورات الأخيرة إلى أن بصمتها العسكرية تتضاءل مع سعي الدول الإفريقية إلى فرض سيطرة أكبر على شؤونها الأمنية، كما أن انسحاب القوات الفرنسية من ساحل العاج، إلى جانب إجراءات مماثلة في بلدان أخرى، يشكل فصلًا جديدًا في تطور مشاركة فرنسا في إفريقيا.
ويبقى أن نرى كيف سيؤثر هذا التحول في المشهد الجيوسياسي الأوسع، وما هو الدور الذي قد تلعبه قوى دولية أخرى، مثل الصين وروسيا، في سد الفجوة التي خلفتها فرنسا.
للاطلاع على الدراسة كاملة، اضغط هنا.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2128574