التسويّة كانت قريبة.. كيف يمكن إنهاء الحرب في أوكرانيا؟

لا غنى عن تقديم تنازلات.. هل من سبيل للسلام في أوكرانيا؟

محمد النحاس

مهما كان الطريق الذي سيؤول إلى وقف القتال، سواءًا كاتفاق ينهي الحرب، أو وقف إطلاق نار لإجراء محادثات، فإن الموقف العسكري الميداني سيكون حاسمًا في تحديد شروط هذا المسار


لإنهاء الحرب في أوكرانيا، أمام المجتمع الدولي اقتراحان رسميان، أوكراني وروسي لكن كليهما في الظروف الحالية لا يلقي القبول اللازم.

ومع ذلك، ينبغي للدبلوماسيين والمحللين التفكير فيما إذا كان يمكن في المستقبل استخدامهما كنقطة انطلاق للمفاوضات التي قد تؤدي إلى حل وسط في نهاية المطاف، بحسب مقال لمجلة “ريسبنسبول ستيت كرافت” الأمريكية، والذي نشرته الأربعاء 19 يونيو 2024.

الموقف الأوكراني

“خطة السلام” الأوكرانية المكونة من 10 نقاط تطالب بالانسحاب الكامل للقوات الروسية من الأراضي الأوكرانية حتى تلك التي تخضع لسيطرة موسكو منذ عام 2014، وذلك كشرط مسبق للانخراط في محادثات مع الروس.

ومن المفترض أن تتناول هذه المحادثات نقاطًا أوكرانية أخرى، بما في ذلك محاكمات جرائم الحرب ضد القيادة الروسية وتعويضات روسية عن الأضرار الناجمة عن الحرب.

وبالإضافة إلى ذلك، أعلن الرئيس زيلينسكي ومسؤولون أوكرانيون آخرون أن الحياد الأوكراني غير مقبول أيضًا، كما يورد مقال المجلة الأمريكية.

التسويّة كانت قريبة

لكن مطالب كييف، تختلف جذريًّا عن تلك التي طالبت بها في محادثات مع روسيا التي جرت في إسطنبول خلال الأسابيع الأولى للحرب، وفق ما كشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز هذا الأسبوع.

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن أحد  أعضاء الوفد الأوكراني في المفاوضات، أولكسندر شاليي “تمكنّا من الوصول إلى تسوية واقعية للغاية.. كنا قريبين جدًا في نهاية أبريل، من إنهاء حربنا بتسوية سلمية.”

في ذلك الوقت، كانت الحكومة الأوكرانية مستعدة للموافقة على معاهدة دائمة للحياد (تسمح بالعضوية في الاتحاد الأوروبي ولكن ليس في الناتو) مقابل ضمانات أمنية من جميع أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

رفض الأوكرانيون الاعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم أو استقلال المناطق التي تحتلها روسيا في دونباس، ولكنهم كانوا مستعدين لترك هذه المناطق تحت السيطرة الروسية الفعلية في انتظار مفاوضات مستقبلية في موعد غير محدد.

مطالب روسيا

وطالبت روسيا بأن يتم الاتفاق بالإجماع على أي إجراءات من مجلس الأمن الدولي للدفاع عن أوكرانيا، ما يمنح روسيا حق الفيتو.

علاوةً على ذلك، أرادت روسيا بأن تقتصر الصواريخ الأوكرانية على مدى 25 ميلاً (نحو 40 كيلومترًا) بينما لا توضع أي قيود على الأسلحة الروسية.

بطبيعة الحال، لم تكن هذه الشروط مقبولة لأوكرانيا، لكن هل كان من الممكن التفاوض حولها؟ أو تعديلها خلال المحادثات؟

لا يمكن أن نعرف ذلك على وجه التحديد فقد أقدم الجانب الأوكراني على قطع المحادثات، وعلى مدار العامين التاليين أبدت كلاً من كييف وموسكو مواقف أكثر تشددًا.

روسيا ترد على قمة السلام

في بيان ردًا على “قمة السلام” التي عقدها الغرب في سويسرا، طالب بوتين بأن تسحب أوكرانيا قواتها من جميع المقاطعات الأوكرانية الأربع التي ضمتها روسيا.

وقال بوتين إنه بمجرد أن تبدأ أوكرانيا في سحب قواتها، ستوقف روسيا عملياتها العسكرية، مردفًا أنه كجزء من التسوية النهائية للسلام، يتعين على أوكرانيا الاعتراف بالسيادة الروسية على هذه المقاطعات الأربع وشبه جزيرة القرم، وتوقيع معاهدة للحياد، وضمان حقوق المتحدثين بالروسية في أوكرانيا، والانخراط في “نزع السلاح” و”اجتثاث النازية”، وكما كان متوقعًا سرعان ما رفضت كييف والعواصم الغربية الشروط الروسية.

كيف يمكن إرساء السلام؟

مهما كان الطريق الذي سيؤول إلى وقف القتال، سواءًا كاتفاق ينهي الحرب، أو وقف إطلاق نار لإجراء محادثات، فإن الموقف العسكري الميداني سيكون حاسمًا في تحديد شروط هذا المسار، وفقًا للمقال.

من هذا المنظور، فإن مطلب أوكرانيا بانسحاب روسي كامل كشرط مسبق للمحادثات هو أمر مستحيل. ويتطلب إلحاق هزيمة ساحقة بالجيش الروسي، وهو أمر بعيد عن إمكانات أوكرانيا ولا يمكن تصوره في المستقبل.

وفي المقابل، فإن شروط بوتين للسلام، رغم أنها تتطلب أن تلحق روسيا هزائم كبيرة بأوكرانيا، إلا أنها لا تتطلب أن تكون هذه الهزائم ساحقة، فلتحقيق هذا يتعين على روسيا السيطرة على ما تبقى من المقاطعات الأربع التي ضمتها.

يدرك من يسمهيم المقال “المحللين الروس العقلانيين” أن كلاً من أوكرانيا والغرب لن يوافقا على الاعتراف بسيادة روسيا على المناطق التي ضمتها، مع ذلك وهو كما هو الحال في قبرص التركيّة غير المعترف بها، فإن ذلك لن يكون عائقًا للتوصل إلى تسوية.

ويرى أنه وبشكل واقعي فقد قبل الغرب الحياد، بإعلانه إنه على الرغم من الدعم أوكرانيا، إلا أنه لن ينخرط في حرب للدفاع عنها، وبالتالي يمكن أن تكون هذه النقطة منطلقًا للسلام.

ماذا عن المستقبل؟

إذا استطاع الجيش الأوكراني في الأشهر والسنوات المقبلة الحفاظ على الوضع الحالي، فإن خط التقسيم المستقبلي بين أوكرانيا وروسيا (سواء تم رسمه في تسوية سلام رسمية أو قبوله كجزء من هدنة) سيمتد أيضًا على طول هذه الخطوط.

أما إذا هُزمت أوكرانيا وفقدت مزيدًا من الأراضي، فقد تندم الأجيال الأوكرانية القادمة على أن كييف لم تتعامل مع اقتراح بوتين على الأقل كنقطة انطلاق للمفاوضات.

وختامًا يذكّر المقال أنه على الرغم من أن الشروط الروسية في مارس 2022، كان قبولها ثقيل بالنسبة لكييف، إلا أنه كان سيوفر لأوكرانيا عدم خسارة مقدار كبير من الأراضي، والتي يبدو من المؤكد الآن خسارتها للأبد، علاوةً على ذلك، لم يكن ليحدث مقدار كبير من الدمار، فضلاً عن الأرواح التي أزهقتها الحرب، ولا يمكن إعادتها.

ربما يعجبك أيضا