«التعويم والدعم».. أسلحة تفتك باقتصاد نيجيريا

نيجيريا تواجه أسوأ أزماتها الاقتصادية منذ جيل كامل

شروق صبري
اقتصاد نيجيريا

يعاني المواطنين في أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان من ارتفاع أسعار الغذاء والوقود والدواء، وتراجع اقتصاد البلاد فما السبب؟


قبل عامين فقط، كان يتوقع تراجع نيجيريا، أكبر اقتصاد في أفريقيا، إلى المركز الرابع هذا العام، فما السبب؟

تواجه نيجيريا أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، مع ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير، وسقوط العملة الوطنية، ونضال الملايين من الناس لشراء الغذاء.

أزمة معيشة

نيجيريا، المليئة برجال الأعمال، تتمتع بأكثر من 200 مليون مواطن ماهرون في إدارة الظروف الصعبة، من دون الخدمات التي تقدمها الدولة عادة. إنهم يولدون الكهرباء ويخرجون المياه الخاصة بهم، ويتفاوضون مع المسلحين عند اختطاف أحد أفراد الأسرة، ويحملون السلاح ويدافعون عن أنفسهم ومجتمعاتهم عندما لا تستطيع القوات المسلحة.

لكن الآن، حسب صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، اليوم 11 يونيو 2024، فإن الأزمة تتصاعد، حيث تخرج النقابات احتجاجًا على الرواتب التي تبلغ حوالي 20 دولارًا شهريًا، ويموت الناس في التدافع، يائسين للحصول على أكياس الأرز المجانية. وتمتلئ المستشفيات بالنساء المصابات بالتشنجات الناجمة عن نقص الكالسيوم.

التضخم يضرب نيجيريا

الأسبوع الماضي، أغلقت النقابات المستشفيات والمحاكم والمدارس والمطارات وحتى برلمان البلاد، في محاولة لإجبار الحكومة على زيادة الراتب الشهري البالغ 20 دولارًا الذي تدفعه لأدنى عمالها، لكن أكثر من 92% من النيجيريين في سن العمل يعملون في القطاع غير الرسمي، حيث لا توجد أجور، ولا توجد نقابات تناضل من أجلهم.

الآن، يعيش أكثر من 87 مليون شخص في نيجيريا، الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في إفريقيا، تحت خط الفقر، فهي بها ثاني أكبر عدد من الفقراء في العالم بعد الهند. وهو ما يعني أن التضخم سيرتفع معدلات الفقر بشكل أكبر هذا العام والعام المقبل، وفقًا للبنك الدولي.

التدافع على الطعام في نيجيريا

التدافع على الطعام في نيجيريا

إلغاء الدعم والتعويم

من المعتقد إلى حد كبير أن جذور الأزمة ترجع إلى تغييرين رئيسيين نفذهما رئيس منتخب قبل 15 شهراً وهما الإلغاء الجزئي لدعم الوقود وتعويم العملة، واللذان تسببا معاً في ارتفاع الأسعار بشكل كبير.

ونيجيريا بلد يعتمد بشكل كبير على المنتجات النفطية المستوردة، رغم كونها منتجا رئيسيا للنفط. وبعد سنوات من نقص الاستثمار وسوء الإدارة، لا تنتج مصافيها الحكومية أي بنزين تقريبًا.

دعم الحكومة

لعقود من الزمن، كانت الموسيقى التصويرية الوطنية عبارة عن طنين المولدات الصغيرة، التي يتم تشغيلها أثناء انقطاع التيار الكهربائي اليومي. تعمل المنتجات البترولية على نقل البضائع والأشخاص في جميع أنحاء البلاد. وحتى وقت قريب، كانت الحكومة تدعم هذا النفط بما يصل إلى مليارات الدولارات سنوياً.

وقال العديد من النيجيريين إن الدعم كان المساهمة المفيدة الوحيدة من حكومة. وقد تعهد الرؤساء المتعاقبون بإلغاء الدعم، الذي يستنزف جزءًا كبيرًا من الإيرادات الحكومية، ثم تراجعوا لاحقًا خوفًا من حدوث اضطرابات جماعية.

إفلاس المواطنين

قال الرئيس النيجيري، بولا تينوبو، الذي انتخب رئيساً عام 2023 عن إلغاء الدعم في أبريل 2024 خلال اجتماع للمنتدى الاقتصادي العالمي في السعودية: “لقد كان إجراءً ضروريًا حتى لا تتعرض بلادي للإفلاس”.

وهذا الإجراء سيتسبب في إفلاس العديد من النيجيريين، أو أنهم سيعملون في وظائف متعددة للبقاء على قيد الحياة. وقد أصبح الوضع مميتًا لدرجة وقوع العديد من حوادث التدافع المميتة للحصول على الأرز المجاني أو المخفض الذي وزعته الحكومة، حيث قُتل سبعة طلاب بإحدى جامعات ولاية ناساراوا بوسط البلاد خلال التدافع.

فرص عمل

وعد تينوبو بتوفير مليون فرصة عمل وزيادة حجم الاقتصاد إلى أربعة أضعاف خلال عقد من الزمن، لكنه لم يذكر كيف. وقال صندوق النقد الدولي الشهر الماضي إن الدولة بدأت في دعم الوقود والكهرباء مرة أخرى، رغم أن الحكومة لم تعترف بذلك.

وقالت خبيرة الاقتصاد السياسي ومديرة برنامج أفريقيا في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، زينب عثمان، “لا يزال هناك قدر ضئيل للغاية من الوضوح بشأن الاتجاه الذي يتجه إليه الاقتصاد، وما هي الأولويات؟”.

ألعاب التعدين

ألعاب التعدين

جنون ألعاب التعدين

من ناحية أخرى، انتشرت موجة من ألعاب التعدين المشفرة الجديدة التي تعد بإدرار الدخل كلما لعب المستخدم أكثر، جعلت الناس في جميع أنحاء نيجيريا يقضون طوال اليوم في النقر على شاشات هواتفهم الذكية، في محاولة يائسة لكسب بضعة دولارات.

ينقر الناس أثناء صلواتهم في المساجد والكنائس، الأطفال ينقرون تحت المكاتب في المدرسة، المشيعون ينقرون في الجنازات. ليس هناك ما يضمن أن أيًا منهم سيستفيد من الساعات التي يقضونها في النقر دون قصد. ومرة أخرى، لا يمكنهم الاعتماد على العملة الوطنية (النيرا).

خفض قيمة العملة

خفضت الحكومة قيمة النيرا مرتين في العام الماضي، في محاولة لتمكينها من التعويم بحرية أكبر وجذب الاستثمار الأجنبي. والنتيجة أنها فقدت ما يقرب من 70% من قيمتها مقابل الدولار. ولا تستطيع نيجيريا أن تنتج ما يكفي من الغذاء لتلبية احتياجات سكانها المتزايدين، وترتفع الواردات بنسبة 11% سنويا.

وتسبب انخفاض قيمة العملة في ارتفاع أسعار تلك الواردات، باهظة الثمن بالفعل بسبب الرسوم الجمركية المرتفعة. يمكن أن يصبح النيجيريون فقراء بين عشية وضحاها تقريبًا. لذا فهم يبحثون عن أي شيء قد يحمل قيمته، أو من الناحية المثالية، يجعلهم أثرياء.

ربما يعجبك أيضا