التغيّرات في سوريا.. كيف تؤثر على سياسة الصين الإقليمية؟

شروق صبري

شكّل انهيار النظام السوري السريع مفاجأة كبيرة للقيادة الصينية، التي كانت قد أقامت “شراكة استراتيجية” مع نظام بشار الأسد في سبتمبر 2023.

بعد انضمام سوريا إلى مبادرة “الحزام والطريق” (BRI) في 2022، والتي تعد المشروع الرئيس للصين لإقامة بنية تحتية في الشرق الأوسط والعالم، تبيّن أن الصين أخطأت في تقدير قدرة النظام على الصمود في وجه الهجمات من قبل المتمردين.

التحولات الإقليمية

وفق ما نشرت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، الجمعة 10 يناير 2025، فإنه رغم الانتقادات التي تعرضت لها السياسة الصينية بسبب هذا التقدير الخاطئ، فإن الواقع يشير إلى أن هذه التطورات توفر للصين مساحة جديدة من الفرص والتحديات الاستراتيجية.

أظهرت الصين على مدار أكثر من عقد من الزمن اهتمامًا ملحوظًا في سوريا، حيث ركزت على التفاعل الاقتصادي والدبلوماسي وتجنبت التدخل المباشر في الصراعات السياسية أو العسكرية.

الفرص والتحديات

رغم أن سوريا لم تكن تعتبر عاملًا رئيسًا في السياسة الصينية في الشرق الأوسط، فإن التغييرات الجذرية التي تحدث في سوريا، بالإضافة إلى التغيّرات الجيوسياسية في المنطقة، مثل انسحاب روسيا وضعف إيران، تتطلب من الصين إعادة تقييم استراتيجيتها.

ويعد الموقع الجغرافي لسوريا على البحر الأبيض المتوسط جسرًا حيويًا بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، مما يعزز أهميتها الجيوسياسية بالنسبة للصين.

إضافة إلى دورها البارز في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتوترات بين إسرائيل وإيران، فإن سوريا تحتوي أيضًا على موارد طاقة حيوية، بما في ذلك النفط، مما يزيد من أهميتها بالنسبة للصين في سياق مشروع “الحزام والطريق” (BRI).

إعادة النظر

منذ بدء الحرب الأهلية السورية في 2011، كانت سوريا ساحة صراع لأطراف متعددة، بما في ذلك روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة وإسرائيل، بالإضافة إلى فاعلين محليين مثل الأكراد والتنظيمات الإرهابية مثل تنظيم داعش، وتغيّرت الديناميكيات الإقليمية بشكل كبير، مما يضع الصين في موقف يتطلب إعادة النظر في سياستها.

إن اندلاع الفوضى في سوريا قد يهدد استثمارات الصين في المنطقة، خصوصًا في مشروع “الحزام والطريق”، ويعرض مصالحها الاقتصادية في المنطقة للخطر. كما أن انهيار النظام السوري، الحليف القوي لروسيا، يعمق الفجوة الاستراتيجية بين بكين وموسكو ويزيد من التباين في المصالح الجيوسياسية بين القوتين العظميين.

تأثير تراجع الدور الروسي

إن انسحاب روسيا من سوريا يبرز ضعفها في الساحة الدولية ويعزز القلق الصيني بشأن ثقة موسكو في دعمها لمشاريع الصين في المنطقة، النزاع المستمر بين الصين وروسيا بشأن العديد من القضايا، بما في ذلك الأمن في سوريا وأوكرانيا، قد يزيد من تعقيد العلاقة بين البلدين.

من ناحية أخرى، مع التغيرات السياسية المتوقعة في الولايات المتحدة، التي قد تؤثر على سياستها في الشرق الأوسط، فإن الصين قد تجد نفسها في موقع أفضل لتعزيز تأثيرها في المنطقة من خلال علاقاتها مع دول المنطقة، إلى جانب تعزيز الصين لعلاقاتها مع تركيا ودول الخليج، فإنها تعمل على تعزيز استثماراتها في مختلف القطاعات، بما في ذلك الطاقة والذكاء الاصطناعي والنقل.

دورها الاستراتيجي في الشرق الأوسط

رغم المخاوف الأمنية في سوريا، خصوصًا في ظل توسع النشاطات الإرهابية، فإن الصين تعتبر الشرق الأوسط سوقًا استراتيجيًا ذا أهمية خاصة، وتعتبر الصين أكبر مستورد للطاقة في العالم، حيث تستورد أكثر من 50% من نفطها من دول الشرق الأوسط.

كما أن الصين تحتل المرتبة الثانية كأكبر شريك تجاري للدول العربية، مما يجعل المنطقة ذات أهمية بالغة لصين في سياق تعزيز مصالحها الاقتصادية.

الشراكة مع دول الخليج

في عام 2021، وقعت الصين اتفاقًا لمدة 25 عامًا مع إيران، بقيمة 400 مليار دولار، كما قامت بتعزيز علاقاتها مع دول الخليج من خلال مؤسسات دولية مثل مجلس التعاون الخليجي (GCC)، وهو المسؤول عن توفير حوالي 34-40% من الطاقة التي تحتاجها الصين.

ومن المتوقع أن تعزز الصين شراكاتها مع دول الخليج في مجالات أخرى مثل الطاقة المتجددة، والبنية التحتية، والنقل، والتمويل، والذكاء الاصطناعي.

فرص التوسع

إن الفوضى في سوريا قد تضع تحديات أمام الصين، لكنها قد تفتح أيضًا فرصًا جديدة للاستثمار في مشاريع بنية تحتية بعد استعادة الاستقرار في البلاد.

من المحتمل أن ستسعى الصين للاستثمار في سوريا بعد أن تستقر الأمور وتتمكن من التعرف على الحكومة الجديدة في البلاد. لا سيما أن الصين قد تتبنى نفس المنهج الذي اتبعته في أفغانستان بعد اعترافها بحكومة طالبان.

الوجود الصيني فى سوريا

مع استمرار القلق الصيني من خطر توسع الإرهاب في سوريا وانتشاره إلى باكستان وأفغانستان المجاورتين، فإن الصين قد تعمل على توسيع تواجدها الأمني في المنطقة لحماية مصالحها الاستراتيجية.

كما أن تزايد التوترات مع إيران قد يفتح المجال أمام الصين لتقوية موقعها في سوريا وفرض هيمنتها في مفاوضات مستقبلية بشأن البرنامج النووي الإيراني.

الصين كقوة إقليمية ناشئة

إلى جانب تعزيز تحالفاتها في الشرق الأوسط، يُتوقع أن تستخدم الصين ضعف خصومها مثل إيران، إلى جانب انحسار الدور الأمريكي في المنطقة، لتعزيز علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية.

هذه التحولات في سياسات الصين تشير إلى تحرك استراتيجي طويل المدى يستهدف تعزيز وجودها في الشرق الأوسط، وزيادة تأثيرها في الشؤون العالمية، في إطار سعيها لتحدي الهيمنة الأمريكية على الساحة الدولية.

ربما يعجبك أيضا