الدفاع الأوروبي.. هل ينشر الاتحاد قوات في أوكرانيا؟ (2-3)

محمد النحاس

في الآونة الأخيرة، تصاعدت المناقشات حول إمكانية إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا في إطار جهود حفظ السلام حيث تسعى دول أوروبية، بقيادة فرنسا والمملكة المتحدة، إلى تشكيل “تحالف الراغبين” الذي يهدف إلى نشر قوات حفظ سلام في أوكرانيا لضمان استدامة أي اتفاق سلام محتمل.

وفي هذا التقرير نستعرض تحليل المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، المنشور الأحد 23 مارس 2025، بقلم الباحث في الأمن الدولي والإرهاب و رئيس المركز الأوروبي جاسم محمد، مقدمًا قراءة التحديات التي تواجه أوروبا على الصعيد الدفاعي وسبل التعامل معها. 

غياب الإجماع

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن عقد قمة في باريس الخميس 27 مارس 2025، بحضور الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، لمناقشة دعم الجيش الأوكراني وبناء نموذج عسكري مستدام لمنع أي غزو روسي مستقبلي، وأشارت دول أوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وأستراليا، إلى استعدادها لإرسال قوات للمساعدة في فرض وقف إطلاق النار في أوكرانيا، بينما أعلنت الدانمارك والسويد استعدادهما للمساهمة بقوات في أي عملية حفظ سلام متفق عليها في أوكرانيا. 

يأتي تحرك باريس في وقت تتعالى فيه الأصوات داخل كييف بضرورة الحصول على ضمانات أمنية حقيقية، وسط استمرار السيطرة الروسية على نحو 20% من الأراضي الأوكرانية وامتداد الجبهة القتالية لأكثر من ألف كيلومتر.

ولا يزال الموقف الأوروبي منقسمًا، حيث تعارض دول مثل بولندا وإيطاليا والمجر أي تدخل عسكري مباشر، في ظل قدرات عسكرية محدودة لا تسمح بحشد 200.000 جندي كما يطالب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي.

انقسام أوروبي وتحديات عسكرية

وفقًا للتحليل الصادر عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، فإن فكرة نشر قوات غربية في أوكرانيا تصطدم بعقبات كبيرة، سواء على مستوى القدرات العملياتية أو الانقسامات السياسية داخل الاتحاد الأوروبي؛ الجيش الفرنسي، رغم كونه من أقوى الجيوش الأوروبية، بالكاد يستطيع إرسال بضعة آلاف من الجنود، وهي أعداد ضئيلة مقارنة بالاحتياجات الأوكرانية. 

أما بريطانيا، الشريك الدفاعي التقليدي لأوروبا، فهي الأخرى لا تمتلك القدرة على نشر قوات كبيرة دون دعم أمريكي مباشر. 

فرنسا والردع النووي

وفي هذا السياق، أكد فيليب ميجولت، مدير المركز الأوروبي للتحليل الاستراتيجي (CEAS)، أن “الأوروبيين لا يملكون العدد الكافي من الجنود، كما أنهم منقسمون بشدة بشأن هذه القضية”، مما يعكس التعقيدات السياسية والعسكرية التي تواجهها العواصم الأوروبية عند التفكير في أي تدخل مباشر.

الرد الروسي والقلق من تصعيد محتمل

على الجانب الآخر، ترفض موسكو بشكل قاطع أي وجود عسكري غربي في أوكرانيا، وتعتبره تصعيدًا خطيرًا قد يدفع الحرب إلى أبعاد أكثر خطورة. 

خلال محادثات مع الولايات المتحدة في الرياض في فبراير 2025، شدد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على أن مثل هذا الانتشار سيكون “غير مقبول تمامًا”، ما يطرح تساؤلات حول طبيعة الرد الروسي في حال أقدمت بعض الدول الأوروبية على إرسال قواتها إلى أوكرانيا.

تحديات تواجه فكرة إرسال قوات أوروبية

وفقًا للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، فإن التحدي الرئيسي الذي يواجه الأوروبيين لا يقتصر فقط على إرسال قوات، بل على كيفية دعمها لوجستيًا واستخباراتيًا، خاصة إذا قررت روسيا استهداف هذه القوات. 

هنا، يبرز التساؤل الأهم: كيف سترد واشنطن إذا تعرضت القوات الأوروبية لهجمات روسية مباشرة؟ حتى الآن، تركز الإدارة الأمريكية على تعزيز تعاونها مع كييف في مجالات أخرى، مثل الموارد الطبيعية والمعادن النادرة، بينما تبدو أقل اندفاعًا نحو التصعيد العسكري المباشر.

هل تستطيع أوروبا بناء قوة دفاعية مستقلة؟

في ظل استمرار الحرب واستبعاد تدخل عسكري مباشر، تواجه أوروبا تحديًا آخر يتمثل في ضرورة تعزيز قدراتها الدفاعية، ومنذ عام 2022، تحاول العواصم الأوروبية إعادة بناء صناعاتها الدفاعية التي تضررت بسبب تقليص الإنفاق العسكري بعد الحرب الباردة.

 ومع ذلك، لا تزال القدرات التصنيعية محدودة في بعض المجالات الحيوية مثل أنظمة إطلاق الصواريخ والطائرات المضادة للغواصات، ما يدفع العديد من الدول الأوروبية إلى الاعتماد على استيراد الأسلحة من الولايات المتحدة وإسرائيل وكوريا الجنوبية.

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات يشير في تحليلة إلى أن الصناعة الدفاعية الأوروبية تواجه مشكلات معقدة، من أبرزها معدلات الإنتاج المنخفضة، ونقص العمالة الماهرة، والاعتماد على سلاسل توريد خارجية قد تكون مهددة بسبب التوترات الجيوسياسية،  إضافة إلى ذلك، فإن تقليص حجم القوات المسلحة الأوروبية مقارنة بفترة الحرب الباردة أدى إلى نقص كبير في الجاهزية العسكرية، وهو ما يشكل عائقًا أمام أي استراتيجية دفاعية مستقلة.

مستقبل الأمن الأوروبي بين واشنطن والاستقلال الاستراتيجي

مع تزايد التهديدات الأمنية، يحاول الاتحاد الأوروبي إعادة تقييم سياسته الدفاعية من خلال “البوصلة الاستراتيجية”، وهي خطة تهدف إلى تحقيق استقلالية أكبر عن الولايات المتحدة وتعزيز القدرة على التحرك في الأزمات دون انتظار دعم الحلفاء، ومع ذلك، لا يزال هناك جدل حول مدى واقعية هذا الطموح في ظل استمرار اعتماد أوروبا على القدرات العسكرية الأمريكية، خاصة في مجالات النقل الجوي والاستخبارات والقيادة والسيطرة.

يخلص المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات إلى أن أوروبا تواجه معضلة حقيقية: فبينما تسعى بعض الدول إلى اتخاذ مواقف أكثر استقلالية، تظل البنية الدفاعية للقارة غير قادرة على دعم طموحاتها دون دعم أمريكي.

وفي ظل الغموض الذي يحيط بالسياسات الأمريكية المستقبلية، فإن أوروبا تجد نفسها أمام خيارات صعبة، سواء فيما يتعلق بدعم أوكرانيا عسكريًا، أو بناء قدرة دفاعية أكثر استقلالية لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة.

ربما يعجبك أيضا