الدول الصغيرة والبحث عن استراتيجيات بديلة في «عصر ترامب»

محمد النحاس
ترامب

في ظل سياسات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تجد الدول الصغيرة نفسها أمام واقع جيوسياسي متغير، حيث لم يعد ممكنًا الاعتماد على التحالفات التقليدية وحدها لضمان الأمن والاستقرار. 

وسلط مقال نشرته صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، في 15 فبراير 2025، الضوء على هذا التحول، مشيرًا إلى أن السياسات الأمريكية الجديدة تدفع العديد من الدول إلى البحث عن استراتيجيات بديلة ومتنوعة لحماية مصالحها السياسية والأمنية والاقتصادية، كما أن الصين تسعى لاستغلال هذه الثغرات لزيادة نفوذها. 

التوجه نحو الصين

يبرز المقال مثال جزر كوك، التي كانت حتى وقت قريب بعيدة عن الأنظار، باستثناء اهتمام بعض الدبلوماسيين النيوزيلنديين؛ والتي تتمتع بإدارة ذاتية مستقلة مع صلاحيات واسعة رغم أنها تتبع نيوزيلندا، قررت توقيع اتفاق استثماري مع الصين.

هذه الخطوة أثارت قلق نيوزيلندا التي تخشى رد فعل واشنطن، لكنها من جهة أخرى تعكس تحولًا أوسع، حيث باتت الدول الصغيرة تسعى إلى تنويع علاقاتها بدلاً من الاعتماد المطلق على الغرب.

نهج مغاير

على الطرف الآخر، هناك دول مثل اليابان التي تبنت نهجًا مختلفًا، حيث سعت إلى توثيق علاقاتها مع الولايات المتحدة من خلال استثمارات اقتصادية ضخمة وصفقات تجارية كبرى، في محاولة لكسب ود الإدارة الأمريكية. 

أما نيكاراغوا، فقد اختارت خيارًا أكثر جرأة عبر تعزيز علاقاتها مع الصين، من خلال تعديل دستورها للسماح بإنشاء ممر مائي جديد قد ينافس قناة بنما الخاضعة لنفوذ أمريكي. 

فيتنام وخطوات نحو ترامب 

وفق المقال، فإن فيتنام أيضًا تجد نفسها في موقع حساس، حيث تسعى إلى تحقيق توازن دقيق بين المصالح الاقتصادية والعلاقات السياسية. 

وخلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، كشف رئيس وزرائها عن خطط لشراء معدات تكنولوجية وطائرات أمريكية، بل حتى أبدى استعداده لاستضافة ترامب في جولات جولف طويلة إذا كان ذلك يخدم مصلحة بلاده.

 ومع ذلك، فإن مثل هذه الإيماءات لا تعني التخلي عن العلاقات الاقتصادية مع الصين، ما يعكس استراتيجية “التودد الحذر” التي تتبعها العديد من الدول للتعامل واشنطن.

غير قابل للتنبؤ

المقال يشير إلى أن المشكلة الأساسية التي تواجه هذه الدول تكمن في عدم القدرة على التنبؤ بسياسات ترامب، حيث أصبح من الصعب تقييم المخاطر واتخاذ قرارات طويلة الأمد. 

وفق المقال، ففي عالم أصبح أكثر تقلبًا، تتجه العديد من الدول نحو استراتيجيات مرنة تعتمد على تقديم “ولاءات شكلية” للقوى الكبرى، مع الاحتفاظ بهوامش للمناورة تحسبًا لأي تغيرات مفاجئة.

نتائج عكسية

رغم أن ترامب يسعى إلى الحد من النفوذ الصيني، فإن الواقع يشير إلى نتائج عكسية، حيث تدفع سياسته الدول نحو تعزيز الروابط التجارية والاقتصادية مع بكين، حتى في المناطق التي كانت تقليديًا محسوبة على الغرب.

 وفي حال استمرار هذه الديناميكية، قد ينظر المؤرخون إلى نهجه باعتباره استراتيجية ذات نتائج عكسية، رغم قناعته بأن قوته تكمن في سلوك غير متوقع.

وفي ظل هذا المشهد المعقد، يبدو أن الدول الصغيرة لن يكون لديها خيار سوى اللعب على جميع الحبال، في محاولة لتحقيق الاستقرار وسط عالم تتحكم فيه المصالح المتغيرة والقوى الكبرى المتنافسة.

ربما يعجبك أيضا