في قاعة الكنيست، حيث يُفترض أن تُصاغ القرارات المصيرية، لم يكن المشهد سوى انعكاس لعجز السلطة عن مواجهة الحقيقة.
العائلات الثكلى التي جاءت تطالب بالعدالة، وجدت الأبواب موصدة، بينما وقف زعيم البلاد فوق المنصة، لا ليتحمل المسؤولية، بل ليشن هجومًا جديدًا على خصومه، محاولًا التهرب من المساءلة، وسط هذا الصخب، بات واضحًا أن التحقيق ليس مجرد مطلب سياسي، بل ضرورة وطنية لكشف أكبر إخفاق أمني في تاريخ إسرائيل.
خطاب التصعيد
خلال خطابه في الكنيست، الذي كان من المفترض أن يركز على تشكيل، لجنة تحقيق حكومية حول حرب السابع من أكتوبر، تخلى نتنياهو عن ضبط النفس وشن هجوماً حاداً على الجميع. بكلماته، كشف عن العقلية التي تدير حملة التحريض المستمرة، حيث استخدم الخطاب لتشويه الخصوم وتكرار الادعاءات التي تروجها آلة الدعاية الحكومية.
ووفق ما نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية الخميس 6 مارس 2025، كان من الواضح أن نتنياهو يسعى لإبعاد الأنظار عن فشله عبر استغلال قضايا أخرى، وقد طالب بالتحقيق الفوري في مزاعم ضد معارضيه. وعندما تطرق إلى موضوع لجنة التحقيق، خصص لها دقيقة واحدة فقط، معتمداً على الأسلوب التقليدي في الهجوم على الجهاز القضائي واتهامه بالتحيز، مؤكداً أن نتائج أي تحقيق ستكون محددة مسبقاً.
الهروب من لجنة التحقيق
في الماضي، لم يتردد نتنياهو في المطالبة بتشكيل لجان تحقيق في قضايا مختلفة، مثل قضية برامج التجسس الإلكتروني، لكن عندما أصبح التحقيق يتعلق بفشله في إدارة الأمن القومي، تحوّل موقفه تمامًا، وبدأ في عرقلة الجهود لتشكيل اللجنة، هذا التناقض يعكس خوفه من كشف الإخفاقات التي قادت إلى أسوأ هجوم تتعرض له إسرائيل منذ تأسيسها.
أحد أبرز مظاهر هذا الهروب هو محاولة الحكومة استبدال لجنة تحقيق مستقلة بلجنة يتم اختيار أعضائها من قبل مسؤولين موالين لها، لضمان التحكم في نتائجها. حتى المقترحات الوسطية، مثل تعيين قاضٍ محافظ بدلًا من رئيس المحكمة العليا، لم تكن كافية لإقناع الحكومة بالموافقة.
الإخفاقات الأمنية
لا يمكن تجاهل أن سجل نتنياهو الأمني في السنوات الأخيرة كان كارثيًا، فمنذ حرب السابع من أكتوبر، فشلت حكومته في تحقيق أي إنجاز ملموس؛ لم يتم القضاء على حماس، وعملية إعادة الأسرى تعثرت، والتعامل مع النازحين من الشمال والجنوب كان فوضويًا، والعمليات المسلحة داخل إسرائيل لا تزال تتصاعد، كل هذه المؤشرات تؤكد أن إسرائيل تعيش تحت قيادة ضعيفة.
لقد أصبح واضحًا أن نتنياهو يتجنب أي تحقيق قد يكشف حجم التقصير، ويفضل استخدام الدعاية السياسية لصرف الانتباه عن إخفاقاته، حتى لو كان ذلك على حساب الأمن القومي.

لجنة التحقيق “مسألة وقت”
رغم الجهود الحكومية لتعطيل لجنة التحقيق، فإن الضغط الشعبي والسياسي يزداد يومًا بعد يوم، العائلات الثكلى، الناجون من الهجمات، والمجتمع الإسرائيلي ككل يطالبون بالمحاسبة، ومن الواضح أن تشكيل اللجنة أمر لا مفر منه، حتى أعضاء الائتلاف الحكومي بدأوا يدركون أن هذه القضية تتجاوز الحسابات الحزبية، فالمطالبة بتحقيق رسمي ليست مسألة يمين أو يسار، بل تتعلق بالحقيقة والعدالة.
وقد يتمكن نتنياهو من تأجيل التحقيق لبعض الوقت، لكنه لن يستطيع منعه إلى الأبد، التاريخ يثبت أن الحكومات التي تتجاهل مطالب شعبها تفقد شرعيتها تدريجيًا، ومع استمرار الاحتجاجات والضغط الإعلامي، لن يكون أمام الحكومة أي خيار سوى الرضوخ لمطلب تشكيل لجنة تحقيق مستقلة لكشف الحقائق، ومحاسبة المسؤولين عن الفشل الأكبر في تاريخ إسرائيل.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2157457