يشهد العراق في الآونة الأخيرة موجة متصاعدة من التسريبات الصوتية، والتي يرى محللون أنها جزء من صراع سياسي خفي يسبق الانتخابات البرلمانية المقررة العام المقبل.
وهذه التسريبات، التي تطال مسؤولين وشخصيات سياسية بارزة، أثارت جدلًا واسعًا حول دوافعها وتأثيرها على الساحة السياسية في البلاد.
تصاعد حرب التسريبات
أحدث التسريبات استهدف زعيم تحالف السيادة، خميس الخنجر، الذي وُثق في تسجيل صوتي وهو يتحدث مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حول تعيين عبدالباسط المشهداني في منصب رئيس قسم الاستثمار في ديوان الوقف السني، وفي التسجيل، حذر الخنجر من فضائح فساد محتملة إذا تولى المشهداني المنصب، مشددًا على رفضه لهذه الخطوة التي وصفها بأنها كارثية.
كما شهد الأسبوع الماضي تسريبًا آخر لرئيس هيئة المستشارين في مجلس الوزراء، عبدالكريم الفيصل، متحدثًا عن استلامه مبلغ مليون دولار، ما اعتبره البعض “رشوة” تتعلق بمشاريع استثمارية. ولم تقتصر هذه التسريبات على إثارة الجدل، بل أصبحت أداة يستخدمها بعض الأطراف السياسية لتحقيق مكاسب انتخابية أو لتصفية الحسابات.
ويرى مراقبون أن التسريبات تهدف إلى إسقاط شخصيات سياسية بارزة، بينما يصفها آخرون بأنها وسيلة لكشف الفساد المستشري في أروقة السلطة. ووصفها عضو البرلمان، سعود الساعدي، بأنها “منافسة عديمة الضمير”، محذرًا من تصاعد هذه الظاهرة مع اقتراب الانتخابات.
تعزيز الشفافية أم محاولات لإفشال الحكومة؟
يقول مدير مركز الأمصار للدراسات الاستراتيجية وأستاذ العلاقات الدولية العراقي، الدكتور رائد العزاوي، إن التسريبات تشكل قضية بالغة الأهمية في المشهد العراقي الحالي، وأن حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قد التزمت منذ تشكيلها بمحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين الذين أثروا بشكل سلبي على البلاد، ورغم الإجراءات القانونية التي اتخذتها الحكومة لمواجهة الفساد، إلا أن هذه الظاهرة لا تزال مستشرية في مفاصل الدولة العراقية.
ويضيف العزاوي في تصريحات خاصة لـ”شبكة رؤية الإخبارية”، أن الحكومة العراقية تعتمد على القانون في محاسبة أي مسؤول يثبت تورطه في استغلال منصبه لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المال العام، مشددًا على أن الحكومة ليست لديها أي أجندات سياسية خلف هذا الملف، مشيرًا إلى أن العراق دولة ديمقراطية منفتحة تمتلك هامشًا كبيرًا من حرية الإعلام ومنصات صحفية مستقلة، وهو ما يتيح كشف قضايا الفساد للرأي العام.
بناء العراق يبدأ بكشف الحقائق
يشير العزاوي إلى أن الهدف الأساسي من هذه التسريبات هو تعزيز الشفافية في بناء العراق الديمقراطي الجديد، ومحاسبة المتورطين في قضايا الفساد، مشيدًا بما حققته حكومة السوداني من إنجازات كبيرة رغم التحديات السياسية والتجاذبات التي تواجهها، معتبرًا أن بعض التسريبات قد تكون مدفوعة بأهداف سياسية تهدف إلى إفشال الحكومة. لكنه أكد أن هذه التسريبات تلعب دورًا مهمًا في كشف الحقائق للمواطنين، لا سيما في بلد يعاني من الفساد والدولة العميقة منذ أكثر من عشرين عامًا.
ويختتم العزاوي حديثه بالتأكيد على أهمية هذه التسريبات في توعية الرأي العام العراقي وتسليط الضوء على قضايا الفساد التي تعيق التنمية وتؤثر على مستقبل العراق.
أبعاد داخلية وخارجية للصراع
كشف ائتلاف النصر، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، عن أبعاد أخرى لهذه الحرب، مشيرًا إلى وجود تدخلات خارجية وأجندات مخابراتية وراء بعض التسريبات. هذه التدخلات قد تحمل تأثيرات خطيرة على استقرار الحكومة والعملية السياسية في العراق، خاصة وأن البلاد تعاني من اختراقات أمنية كبيرة.
وبدأت موجة التسريبات في 2022 عندما نشر تسجيل صوتي لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ينتقد فيه شخصيات سياسية بارزة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت التسريبات أداة بارزة في الصراع السياسي. مؤخرًا، أمر رئيس الوزراء السوداني بفتح تحقيقات عاجلة في تسجيلات طالت مسؤولين كبار، منها قضية مدير هيئة الضرائب الذي وُثق وهو يتحدث عن تلاعب مالي لصالح شركات خاصة.
تعكس حرب التسريبات في العراق حالة من التنافس الشرس بين القوى السياسية، لكنها في الوقت ذاته تضع قضايا الفساد تحت المجهر. ومع استمرار هذه الظاهرة، تبقى التساؤلات مفتوحة حول مدى تأثيرها على الانتخابات المقبلة واستقرار النظام السياسي في العراق.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2044433