يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أنهم دمروا جزءً كبيرًا من القوة العسكرية لحركة حماس، ولكن ما تبقى من حماس، سيكون من الصعب تدميره.
وهو ما تؤكده مخيمات النازحين في رفح ودير البلح، فجيش الاحتلال يحاول السيطرة على الأنقاض التي تخيم عليها رائحة حماس، بحسب صحيفة “فايننشيال تايمز” البريطانية.
الحفاظ على النظام وسط الفوضى
وقعت سلسلة من عمليات السطو على المجوهرات والهواتف المحمولة والأموال في ملجأ، وذهبت الشكاوى إلى شرطي محلي يرتدي ملابس مدنية من خان يونس، وهي المدينة التي كانت تعتبر في السابق معقلاً لحماس، وفي غضون يوم أو يومين، انتشرت مقاطع فيديو على قناة تابعة لحماس على تطبيق تليجرام تظهر اللصوص وهم يتعرضون للضرب، وهو ما يشكل دليلاً على أنه كيف تحاول بقايا وزارة الداخلية التي تديرها حماس الحفاظ على مظهر من مظاهر القانون والنظام.
وعاد الشرطي ومعه حقيبة بها هواتف، وقال مسؤولي حماس المحليين: “إنهم لن يذهبوا إلى أي مكان، إنهم هنا ينتظرون توقف الحرب”. ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن الهجوم الإسرائيلي أدى إلى تدمير 23 من بين 24 كتيبة تابعة للحركة، الأمر الذي أدى إلى تقليصها من مجرد مجموعة ذات بنية عسكرية قادرة على إطلاق آلاف الصواريخ على طول الطريق إلى تل أبيب إلى خلايا صغيرة تشبه خلايا حرب العصابات.
قدرة حماس على التكيف
يبدو أن الخلايا تعمل بشكل مستقل وتحاول إعادة تنظيم صفوفها بطرق مفاجئة، بما في ذلك ما حدث مؤخراً في مخيم جباليا للاجئين في شمال غزة. ولكن حماس كانت دائماً أكثر من مجرد قوة شبه عسكرية مخيفة، وهي جزء من النسيج الاجتماعي الفلسطيني الذي يدير بشكل رسمي وغير رسمي مجموعة متنوعة من الوزارات والخدمات الاجتماعية.
وما تبقى الآن هو بقايا ضعيفة للغاية ولكنها لا تزال صامدة، فبعد طرد حركة فتح الفلسطينية المنافسة من غزة في عام 2007، ذهبت العديد من الوظائف في الوزارات المعنية بتقديم الخدمات الاجتماعية إلى أشخاص تربطهم علاقات سياسية ــ وليس عسكرية ــ بحماس، الأمر الذي سمح للجماعة بالتورط بشكل عميق في الحكم.
مواصلة المقاومة
اليوم، ورغم قصف مكاتب حماس وتشتت موظفيهم، فإن الناجين منهم يديرون شكلاً من أشكال الحكومة المنهكة وغير الفعالة ولكن الواضحة، في حين يتحول الذراع العسكري المحطم إلى حركة حرب عصابات.
وفي المقابلات، وصف سكان غزة وعسكريون إسرائيليون ومحللون ما تبقى من حماس بأنها لاعب قوي إلى حد كبير في أنقاض غزة، وأنها على استعداد للعودة إلى الحياة بمجرد انسحاب إسرائيل، ونقلت الصحيفة عن عمر شعبان، مؤسس مركز بال ثينك للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث مقره غزة ولا يزال لديه عائلة في القطاع: “إنهم حركة، ولديهم مؤسسات وسوف يستغرق الأمر بعض الوقت للتعافي، ولكنهم لن يندثروا”.
وأضاف شعبان: “بالطبع، لا يمكنهم السيطرة على المجتمع وتقديم الخدمات كما هو متوقع، لكنهم ما زالوا هناك وهم يحاولون الحفاظ على بعض أدوارهم في الحياة المدنية، إن ما تبقى من حماس هو سؤال حاسم، وخاصة بعد مقتل السنوار الشهر الماضي، على ما يبدو في لقاء صدفة مع ضباط متدربين في الجيش الإسرائيلي”.
ما تبقى من غزة
يأمل الدبلوماسيون الأمريكيون والإقليميون أن يؤدي مقتل السنوار إلى إيجاد فرصة لوقف إطلاق النار على المدى الطويل لإنهاء الحرب وتحرير الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة، ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفض الشروط، بحجة أنها ستترك في الواقع ما تبقى من حماس مسؤولاً عن ما تبقى من غزة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول عسكري إسرائيلي لم تكشف هويته: “لقد فقدوا قدراتهم العسكرية، وفقدوا سلسلة قيادتهم، لكنهم ما زالوا في غزة، وما زالوا يتمتعون بقدرات إدارية كما إن تفكيك القوة العسكرية أسهل من تفكيك القدرة الإدارية، وخسارة السنوار ستساعد في ذلك، لكن حماس أقوى من رجل واحد”.
ماذا بعد موت الملك؟
قبل الحرب، اعتاد السنوار أن يقف على عرش قطاع غزة وكأنه ملك: يتفقد القوات العسكرية أثناء التدريبات الجماعية، ويلتقي بالدبلوماسيين الإقليميين، ويلقي الخطب النارية أمام الحشود المعجبة به في التجمعات الخارجية، ومن المرجح أن يتم اغتيال خليفته، الذي لم يتم تعيينه رسميا بعد، من قبل إسرائيل، وإجباره على العيش في الظل، وهو ما من شأنه أن يزيد من تحول حما.
و بعد مرور عام واحد فقط على قرار السنوار بمهاجمة إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 والحرب الإسرائيلية الشرسة اللاحقة على غزة، تحولت الأراضي التي كان يسيطر عليها ذات يوم إلى أنقاض، وقُتل أكثر من 43 ألف فلسطيني، وفقًا لمسؤولي الصحة المحليين، ونزح ما يقرب من جميع السكان في أرض قاحلة غير مضيافة وغير خاضعة للقانون.
الفصيل الفلسطيني الأكثر شعبية
في حين يلقي العديد من سكان غزة باللوم على حماس فيما يعتبرونه مقامرة متهورة استفزت الهجوم الإسرائيلي، فإن الحركة التي ينظر إليها باعتبارها حاملة لواء المقاومة المسلحة تظل الفصيل الفلسطيني الأكثر شعبية حتى الآن، ورغم أن الدعم يبدو آخذاً في التضاؤل مع استمرار الحرب، فإن الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين يعتقدون أن هجوم السابع من أكتوبر جعلهم أقرب إلى الدولة الفلسطينية من خلال إعادة معاناتهم إلى الساحة العالمية، وفقاً لتقرير مركز استطلاعات الرأي الفلسطيني ومقره رام الله، وخارج غزة والضفة الغربية، ظلت حماس بمنأى إلى حد كبير عن أي تأثير.
وعلى الرغم من اغتيال الزعيم السياسي إسماعيل هنية أثناء زيارة إلى طهران في وقت سابق من هذا العام، فإن الحركة لديها مكاتب في الدوحة، وتعقد مؤتمرات صحفية في بيروت وإيران، ويسافر مبعوثوها إلى عواصم العالم لإجراء محادثات، بما في ذلك إلى بكين في يوليو، ويمكنك إلحاق الضرر بهم ولكن لا يمكنك إجبارهم على رفع الراية البيضاء.
إسرائيل لا تقترب من الهدف
قال المسؤول الاستخباراتي الإسرائيلي السابق والخبير في الشؤون الفلسطينية في جامعة تل أبيب، مايكل ميلشتاين: “يمكنك تحطيم رؤوسهم، كما فعلنا مع السنوار، ولكن دعونا نعترف بذلك في غزة نحن لا نقترب من الهدف الذي حددته الحكومة في بداية الحرب، حتى بعد أن عانوا من أضرار غير مسبوقة، فإنهم لا يزالون اللاعب المهيمن في غزة، ولا يزالون يتمتعون بقدرات عسكرية أساسية”.
ونقلت فايننشيال تايم عن مقاتل من كتائب القسام التابعة لحماس أصيب مؤخراً، وطلب طالبا أن يشار إليه باسم إبراهيم التركي، إن الحركة كانت مستعدة لمثل هذه اللحظة بالذات الاختفاء من ساحة المعركة التي تميل لصالح الجيش الإسرائيلي المدجج بالسلاح، والعودة إلى الظهور كقوة حرب عصابات تضايق وتقتل جنوداً من قوات الدفاع الإسرائيلية، مما يؤدي ببطء إلى استنزاف قوة إرادة إسرائيل.
حرب عصابات
أضاف المقاتل أن: “حماية الوطن قد تعني أشياء كثيرة، اليوم، تعني إذلال العدو بألف جرح عميق، وطرده من فلسطين المقدسة، وحماس كانت مجهزة تجهيزاً جيداً لمقاومة طويلة الأمد، لأنها كانت تعتمد على الأسلحة الخفيفة، وكميات صغيرة من العبوات الناسفة، وفرق صغيرة تتألف من ثلاثة إلى خمسة مقاتلين يعملون بسرعة ويختفون وسط أنقاض غزة”.
وأصبحت قدرة حماس على المحاربة بحرب العصابات واضحة بشكل متزايد فقد قُتل عقيد إسرائيلي مؤخراً في انفجار لحماس على مشارف جباليا خلال الهجوم الرابع الذي يشنه جيش الدفاع الإسرائيلي على مخيم اللاجئين منذ بدء الحرب.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي ثان إن القتال هناك كان عنيفًا وقد يستمر لعدة أسابيع أخرى. مضيفًا أن القتال قد يمتد إلى أجزاء أخرى من شمال غزة، ويقول رئيس مركز هورايزون للأبحاث في رام الله، إبراهيم دلالشة: “إن آلة حماس تتكاثر، وهذا الصراع لا يتعلق بالشخصيات بل يتعلق ببدء عملية جديدة تستفيد من القضاء على السنوار”، مضيفًا: “أنا كبير السن بما يكفي لرؤية شخصيات ترتفع وتهبط على مدى سنوات عديدة، من خلال الانتفاضات والصراعات”.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2035891