بين الفينة والأخرى يعود خبر اتفاقية إنشاء قاعدة بحرية روسية في بورتسودان، ليتصدر وسائل الإعلام ومواقع التواصل بمعلومات وتحديثات جديدة.
ويأتي ذلك في الوقت الذي يشهد السودان صراعاً دامياً بين قوات الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وسط خلافات سياسية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم.
التدخل الخارجي وتعقيدات الصراع
يرى بعض الخبراء والمراقبون بأن التدخل الخارجي بالسودان، وتدفق المرتزقة والأموال والسلاح لقوات “الدعم السريع” عبر الحدود التشادية، أسهم بشكل أساسي بتعقد الحل وإطالة أمد الصراع.
كما أنه أعاق بشكل كبير تحقيق استقرار البلاد وانطلاقها نحو تنمية اقتصادية مستدامة، وبناء مشاريع استراتيجية وشراكات فعالة مع الدول التي تطمح إلى الاستثمار في هذا البلد الأفريقي الكبير وذو الموقع الاستراتيجي.
ولعل تأخر تنفيذ اتفاقية إنشاء قاعدة بحرية روسية في مدينة بورتسودان الموقعة منذ أكثر من 5 أعوام، أي منذ عهد الرئيس السابق عمر حسن البشير، ولاتزال سارية المفعول حتى اللحظة، أحد أبرز الأمثلة على التأثيرات السلبية للصراع الدائر في البلاد.
مرحلة جديدة في العلاقات الروسية السودانية
القاعدة البحرية الروسية في بورتسودان دشّنت موسكو والخرطوم، في الـ 12 من فبراير 2025، مرحلة جديدة في العلاقات والتعاون، بإعلان التوصل إلى “تفاهم كامل” في ملف إنشاء قاعدة عسكرية بحرية روسية في مدينة بورتسودان.
وتوج البلدان بذلك عملاً طويلاً تخللته جولات عدة من المفاوضات حول الموضوع استمرت لسنوات، وتعثرت أكثر من مرة، بسبب تقلبات الأوضاع في السودان. ويتيح الاتفاق، الذي ينتظر أن تتبلور ملامحه النهائية قريباً، توسيع حرية الحركة للسفن الحربية الروسية في البحر الأحمر، ويمنح موسكو الحق في نشر 300 عسكري و4 سفن في القاعدة. في المقابل تعمل روسيا على دعم الجيش السوداني بالأسلحة والمعدات الحربية اللازمة لتطويره.
تفاصيل الاتفاقية وآراء المسؤولين
قاعدة بحرية روسية كان وزير الخارجية السوداني علي يوسف الشريف قد أعلن عن هذا التطور في ختام جولة محادثات أجراها في موسكو مع نظيره الروسي سيرغي لافروف.
وقال الشريف رداً على أسئلة الصحفيين “اتفقت روسيا والسودان على كل شيء فيما يتعلق بإنشاء قاعدة بحرية روسية، وتوصلنا إلى تفاهم متبادل بشأن هذه القضية”.
ولم يوضح الشريف تفاصيل حول بنود التفاهم الحالي، وما إذا كانت صياغة الاتفاق السابق الذي تم التوصل إليه في عام 2017 قد تعرضت لتعديلات أو توسيع. من جهته علّق لافروف، بأن استقرار الوضع في السودان سيخلق الظروف لمزيد من تطوير العلاقات الثنائية، ويعتبر تقديم المساعدة للسودان في تطوير قاعدة الموارد المعدنية في البلاد أحد المجالات ذات الأولوية.
الفوائد الاقتصادية والأمنية للسودان
في تصريحات خاصة لشبكة رؤية الإخبارية، يرى الكاتب والصحفي السوداني عطاف محمد مختار، أن الاتفاقية تُسهم في تحسين علاقات السودان الدولية، وتعزيز قدرات الجيش السوداني حال حصوله على دعم فني ولوجستي مقابِل استضافة القواعد، فضلاً عن أن مثل هذه القواعد من شأنها تعزيز الأهمية الجيواستراتيجية للسودان.
ولفت إلى أنه بموجب اتفاق القاعدة البحرية الروسية فقد برزت معطيات عن أن موسكو تتعهد بدعم قدرات الجيش السوداني. وكان المحلل السياسي السوداني عثمان الميرغني قد قال في وقت سابق، لوسائل إعلام إن “الجيش السوداني في حاجة ماسّة إلى الأسلحة والذخائر وقطع الغيار لطائراته المقاتلة روسية الصنع وأن تقديم قاعدة بحرية لروسيا في المقابل هو الخيار الأفضل”.
تطوير الموارد المعدنية ودور روسيا
يتفق عطاف محمد مختار مع وزير الخارجية الروسي، بأن هذا الاتفاق سوف يساعد على تطوير قاعدة الموارد المعدنية للسودان، كما أنه سيخفف من التهديدات التي يمكن أن تتعرض لها الناقلات والسفن والشواطئ السودانية. كما أن القاعدة الجديدة ستشكل جسراً تجارياً وحيوياً لدول أخرى إلى أفريقيا عبر السودان.
ولفت الانتباه خلال حديثه لرؤية إلى أن مسودة الاتفاق نصت على أن القاعدة البحرية تلبي أهداف الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة، لا سيما أنها دفاعية ولا تستهدف دولا أخرى.
روسيا كضامن للاستقرار
يعتقد مختار أن روسيا بحكم وزنها السياسي على الصعيد الدولي، يمكنها أن تلعب دور ضامن لاستقرار المرحلة الانتقالية في السودان إلى حين إجراء الانتخابات العامة، والحيلولة دون تصاعُد الخلافات بين المكونات السياسية في السودان، وفضلاً عن منع موجات الفوضى في بعض مناطق البلاد، مثل إقليم شرق السودان، خوفاً من تداعيات ذلك على أمن البحر الأحمر.
وقد أثبتت روسيا قدرتها بذلك في مناطق أخرى من العالم. بالإضافة لاحتواء مخاطر الإرهاب والقضاء على أي جماعة إرهابية ممكن أن تظهر وتنشط في السودان.
حماية الملاحة الدولية والأمن الإقليمي
إلى جانب ذلك بحسب محمد مختار، فإن القاعدة الروسية في البحر الأحمر يمكنها أن تحافظ على أمن واستقرار الملاحة الدولية وتتصدى لمساعي الفاعلين من غير الدول في المنطقة مثل جماعة الحوثي في اليمن وحركة الشباب الصومالية، الهادفة إلى تعزيز حضورها في جنوب البحر الأحمر.
وما يمكن أن يترتب عليه ذلك من تعطيلٍ محتمل لمرور ناقلات النفط عبر مضيق باب المندب، وما يرتبط بذلك أيضاً من تهديدات أمنية مثل انتشار القرصنة وجرائم الاتجار بالبشر وتهريب السلاح والمقاتلين وتجارة المخدرات.
منع استغلال الأراضي السودانية
يرى مختار أن القاعدة الروسية يمكنها أن تسهم بمنع استغلال الأراضي السودانية كممر لعبور الأسلحة والمقاتلين والمهاجرين إلى ليبيا، ومنها إلى أوروبا، ومنع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، وضمان عدم تقارب السودان مع حكومات معادية للقوى الدولية.
ومن الجدير بالذكر أن وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم ياسين قد قال خلال زيارة سابقة إلى موسكو إن “الحديث في الواقع لا يدور عن اتفاقية واحدة، بل عن 4 اتفاقيات متعلقة بالتعاون العسكري بين البلدين تقضي بـ: إنشاء ممثلية لوزارة الدفاع الروسية في السودان وتسهيل دخول السفن الحربية الروسية في الموانئ السودانية، ومن ثم الاتفاق على إنشاء مركز دعم لوجيستي روسي في السودان ولفت إلى أن 3 من هذه الاتفاقيات لا تزال مستمرة، وهناك بعض المسائل التكميلية بالنسبة لها.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=2164156