اللعب على جميع الحبال.. ماذا تريد تركيا من السودان؟

محمد النحاس

تثير مشاركة أنقرة في الصراع السوداني تساؤلات جدية بشأن توجهات سياستها الخارجية، حيث تورطت شركات أسلحة تركية في بيع الأسلحة لطرفي النزاع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

وقد كشف تقرير حديث لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية تفاصيل عن دور في الصراع السوداني لشركة “بيرقدار”، وهي شركة أسلحة تركية مملوكة لصهر الرئيس رجب طيب أردوغان، سلجوق بيرقدار، فما دور هذه الشركة تحديدًا؟ وماذا تريد أنقرة من الصراع في السودان؟

دور تركي 

تشير المعلومات التي نشرتها “واشنطن بوست” إلى أن الشركة باعت أسلحة هجومية إلى منظومة الصناعات الدفاعية السودانية (DIS)، وهي الجهة المسؤولة عن المشتريات العسكرية للجيش السوداني، وتمثل هذه الصفقات خرقًا للعقوبات الأمريكية والأوروبية.

وبلغت قيمة الصفقة بين بيرقدار والجيش السوداني نحو 120 مليون دولار، وشملت بيع 6 طائرات مسيّرة من طراز TB2، وثلاث محطات تحكم أرضية، و600 رأس حربي في عام 2023. 

تواصل مع أطراف الصراع 

المثير أن الصفقة تمت في 16 نوفمبر 2023، بعد 5 أشهر فقط من فرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على “منظومة الصناعات الدفاعية السودانية، حسب ما نقلت مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية، في 15 مارس 2025. 

ومن ناحية أخرى، يشير تقرير واشنطن بوست إلى انخراط شركة تركية أخرى،آركا ديفينس” التي أجرت اتصالات مكثفة مع القوني حمدان دقلو موسى، وهو مسؤول بارز في الدعم السريع وشقيق قائدها، إلا أنه لم يتم التأكد من بيعها أسلحة للقوات، فيما نفت الشركة أي تورط لها في ذلك.

الحرب الأهلية السودانية.. صراع دموي 

اندلعت الحرب في السودان في إبريل 2023 إثر تصاعد التوتر بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي).

ورغم أنهما كانا حليفين حتى عام 2021، إلا أن الخلافات بشأن دمج القوات شبه العسكرية في الجيش النظامي أدت إلى اندلاع القتال، وأسفرت الحرب عن كارثة إنسانية كبرى، إذ خلص تقرير أممي في سبتمبر 2024 إلى وقوع “انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم دولية”. 

وتشير التقديرات إلى أن 25 مليون سوداني بحاجة إلى مساعدات إنسانية، فيما تعاني نصف البلاد من انعدام الأمن الغذائي الحاد، كما قدرت الولايات المتحدة أن الحرب أودت بحياة 150 ألف شخص حتى الآن.

لماذا تهتم تركيا بالسودان؟

يعد البحر الأحمر عنصرًا استراتيجيًا في هذا الصراع، إذ أعلنت روسيا في فبراير 2025 عن اتفاق مع السودان لإنشاء قاعدة بحرية في ميناء بورتسودان، ما يزيد من تعقيد المشهد الجيوسياسي.

الوجود التركي

ولطالما سعى أردوغان إلى توسيع النفوذ العسكري والدبلوماسي التركي في القرن الإفريقي؛ وفي ديسمبر 2024، اتصل بالرئيس السوداني عبدالفتاح البرهان، وعرض التوسط لحل النزاع بين السودان والإمارات.

كما وسعت أنقرة وجودها العسكري في إفريقيا، حيث تمتلك قاعدة في الصومال، وأبرمت صفقة لاستخراج اليورانيوم مع النيجر، ما يثير تكهنات بشأن طموحات تركيا النووية.

سياسة تركيا 

ليس هذا أول موقف تتبناه أنقرة في إدارة الأزمات الدولية؛ فقد سبق لها أن لعبت دورًا مزدوجًا في الصراع الأوكراني؛ فمن ناحية، التزمت بواجباتها كعضو في الناتو عبر إغلاق المضائق التركية أمام السفن الحربية الروسية.

ومن ناحية أخرى، سمحت لنظامها المصرفي بأن يكون قناة للأموال الروسية غير المشروعة، إضافة إلى بيع معدات ذات استخدام مزدوج للجيش الروسي.

شركة مثيرة للجدل

إلى جانب ذلك، تبرز شركة SADAT، التي أسسها جنرالات أتراك إسلاميون سابقون، كأداة لتعزيز النفوذ التركي في مناطق النزاعات. 

وتعمل هذه الشركة على تقديم الدعم العسكري للحركات ذات التوجهات الإسلامية في ليبيا، أذربيجان، غرب إفريقيا، سوريا، والعراق، وتطمح إلى تشكيل تحالف “إسلامي عسكري عالمي”.

وإجمالًا تزداد القناعة في العواصم الغربية بأن مواجهة التهديدات الروسية تتطلب دمج تركيا في المنظومة الأمنية الأوروبية؛ فبينما يؤيد رئيس وزراء بولندا وأمين عام الناتو تسريع مفاوضات انضمام أنقرة للاتحاد الأوروبي، يظل السؤال الأهم: هل ستكون تركيا حليفًا موثوقًا للغرب في ظل ما سلف من المعطيات؟.

ربما يعجبك أيضا