انخفاض السكان.. أزمة صينية جديدة تهدد العالم

بسام عباس

للمرة الأولى منذ 60 عامًا، انكمش عدد سكان الصين، ما يحمل مخاطر ليس على اقتصاد بكين فحسب، بل اقتصاد العالم أيضًا.


تراجع عدد سكان الصين، خلال العام 2022، للمرة الأولى منذ 6 عقود، وكذلك ثاني أدنى مستوى نمو في 4 عقود.

وشهدت الصين، التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، انخفاضًا في معدلات المواليد إلى مستويات قياسية، بالتزامن مع تقدم قوتها العاملة في العمر، ما قد يعيق النمو الاقتصادي، ويراكم الضغوط على الخزينة العامة المنهكة.

تباطؤ استجابة

قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، يوم الأربعاء الماضي 18 يناير 2023، إن الصين ينبغي أن تستعد لتقلص عدد السكان ببطء وعدد أقل من العمال. وذكرت أن وسائل الإعلام الحكومية حثت الأزواج الشباب على إنجاب طفلين أو 3 أطفال، لتخفيف الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق.

وأضافت أن الضغوط السكانية المتزايدة تكشف أن بكين لم تقدم ما يكفي لتجنب الخيارات الصعبة، في العقود المقبلة، بشأن الأولويات بين مطالب رعاية الصغار والكبار، وبين دفع تكاليف الرعاية الاجتماعية، وبناء القوة التكنولوجية والعسكرية للبلاد.

تآكل قوة الصين

نقلت الصحيفة عن الأستاذ المشارك في جامعة تافتس، مايكل بيكلي، أن الضغوط الاقتصادية والسكانية، الناتجة عن تراجع عدد السكان، ستؤدي إلى تآكل قوة الصين في العقود المقبلة، ويمكن أن تشجع قادتها على أن يصبحوا أكثر عدوانية، قبل أن يشعروا بتراجع الدعم الشعبي لهم.

وأضاف بيكلي أن الإصلاحات الديموجرافية المقترحة في الصين هي “قطرات في بحر”، لافتًا إلى أن بكين ستفقد ما بين 5 إلى 10 ملايين بالغ في سن العمل، في مقابل نفس النسبة من كبار السن، كل عام في المستقبل المنظور، ولا يمكنها التعويض عن هذا النوع من الأزمة الديمغرافية ببساطة عن طريق رفع سن التقاعد.

الوثبة الكبرى

انخفض عدد سكان الصين أخر مرة في مطلع الستينات، عندما واجهت أسوأ مجاعة في تاريخها الحديث، بسبب السياسة الزراعية الكارثية لمؤسس الجمهورية الشعبية، ماو تسي تونج، المعروفة باسم “الوثبة الكبرى”.

وفي عام 2016، خففت الحكومة من سياسة “الطفل الواحد”، بالسماح بإنجاب طفلين، وفي 2021، رفعت الحد إلى 3، لكن هذا الإجراء لم يعكس مسار التدهور الديموجرافي في الصين، التي تعتمد على القوة العاملة كمحرك للنمو الاقتصادي، لأن معظم الأزواج متمسكين بإنجاب طفل واحد، وتشكك الشباب في تسهيل الحكومة إنجاب الأطفال.

ضغوط اجتماعية

أفادت الصحيفة الأمريكية بأن التداعيات المجتمعية على النساء أكثر عمقًا، موضحة أن الشركات لا ترغب في توظيف النساء في وظائف أفضل وثابتة، لأنها لا تريد التعامل مع سيدات لديهن أطفال، ولفتت إلى أن هذا النوع من البيئة الاجتماعية هو أفضل أشكال منع الحمل، لذلك فجميع سياسات تشجيع الولادة، والانفتاح لن تحقق أي نتائج تذكر.

من جانبها، قالت الأستاذة المساعدة في علم الاجتماع في جامعة بوفالو، ييج دونج، إن الإجراءات، التي يتبناها صانعو السياسة الصينيون، غالبًا ما تتجاهل الضغوط الأوسع على النساء، ما يضعهن في مأزق مؤلم بين الأسرة والعمل، ويقع الكثير من العبء على عاتق الأمهات، اللائي يُتوقع منهن أيضًا رعاية الآباء المسنين وأولياء الأمور.

مواجهة الضغوط السكانية

أشارت الصحيفة إلى أن الصين يمكنها مواجهة الضغوط السكانية، من خلال توفير تدريب أفضل للعمال، وتحسين إنتاجيتهم، وزيادة الابتكار والأتمتة عبر الصناعات، موضحة أن مثل هذه التغييرات تتطلب المزيد من التزامات الإنفاق من القادة الصينيين، الذين يرغبون أيضًا في الاستثمار بكثافة في التحديث العسكري والتقدم التكنولوجي والأمن الداخلي.

وأوضحت أن بكين نشرت سياسات لتشجيع رعاية المسنين الموسعة، ووعدت بمزيد من الدعم الاجتماعي للنساء الراغبات في إنجاب الأطفال، وكذلك وعدت الحكومة أيضًا بقمع التحرش الجنسي في الجامعات والشركات ووسائل الإعلام، ردًّا على غضب المواطنين العام من تلك السلوكيات.

طريق لا رجعة فيه

في تقرير آخر، أوضحت نيويورك تايمز أن مسؤولين صينيين اعترفوا، العام الماضي، بأن البلاد على وشك الانحدار السكاني، الذي من المحتمل أن يبدأ قبل عام 2025. ما جعل الزعيم شي جين بينج، يضع الأولوية للتحديات الديموغرافية في البلاد، لكن خبراء قالوا إن انخفاض أرقام المواليد في الصين يعكس “اتجاهًا لا رجوع فيه”.

وقال مدير مركز أبحاث الشيخوخة في آسيا، فيليب أوكيف، للصحيفة: “الانخفاض الإجمالي في عدد السكان، والانخفاض في عدد السكان في سن العمل، كلاهما لا رجوع فيه”، مضيفًا: “لا أعتقد أنه يوجد دولة واحدة تراجعت، مثل الصين، من حيث معدل الخصوبة، ثم عادت لمعدل الإحلال”.

إحجام الشباب عن الإنجاب

أوضحت الصحيفة أن الصين تواجه أحد أدنى معدلات الخصوبة في العالم، ويتطلب تغيير هذا المعدل أن ينجب كل زوجين في المتوسط طفلين، مشيرة إلى أن إجراءات الحكومة الصينية فشلت في تغيير الحقيقة الأساسية، المتمثلة في أن العديد من الشباب ببساطة لا يرغبون في الإنجاب، بسبب عدم الاستقرار الاقتصادي.

وأضافت أن عوامل أخرى ساهمت في الإحجام عن إنجاب المزيد من الأطفال، منها ما يتعلق بالرعاية الأسرية. وربما ساهمت أيضًا سياسة الصين الصارمة “صفر كوفيد” لكبح انتشار كورونا، منذ ما يقرب من 3 سنوات، في تراجع أعداد المواليد، بعدما تسبب الإغلاق والحجر الصحي، في فصل بعض العائلات لفترات طويلة.

تداعيات على الاقتصاد العالمي

من جانبها، قالت شبكة سي إن إن الأمريكية، في تقرير آخر، إن الصين لها دور قيادي في الاقتصاد العالمي، وقد يكون للتحديات التي تواجهها تداعيات على بقية العالم، فلن يؤثر الاقتصاد الصيني المتباطئ في النمو العالمي فحسب، بل يهدد طموحات بكين في تجاوز الولايات المتحدة، كأكبر اقتصاد في العالم.

وذكر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، في مقال عبر موقعه في أغسطس الماضي، أن قدرة الصين المحدودة على الاستجابة لهذا التحول الديموجرافي، ستؤدي على الأرجح لنتائج نمو أبطأ خلال 20 إلى 30 عامًا مقبل، وستؤثر في قدرتها بالتنافس على الساحة العالمية مع الولايات المتحدة.

الهند تتجاوز الصين

أفادت وكالة رويترز أن التراجع السكاني في الصين من المحتمل أن يجعل الهند الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم، وتوقع خبراء الأمم المتحدة، العام الماضي، أن يبلغ عدد سكان الهند 1.412 مليار نسمة خلال عام 2022، على الرغم من أنهم لم يتوقعوا أن تتفوق الدولة الواقعة في جنوب آسيا على الصين، حتى هذا العام.

وأضافت أن الهند لا تجري إحصاءً سكانيًّا إلا كل 10 سنوات، وقد تأخر أحدث تعداد سكاني، كان مقررًا في الأصل عام 2021، بسبب الوباء، ولكن على المدى الطويل، يرى خبراء الأمم المتحدة أن عدد سكان الصين يتقلص بمقدار 109 ملايين بحلول عام 2050، أي أكثر من 3 أضعاف انخفاض توقعاتهم السابقة في عام 2019.

ربما يعجبك أيضا