انقسامات داخل طالبان.. تصاعد الصراع على السلطة في أفغانستان

بسام عباس
عناصر طالبان في عرض عسكري

كانت طالبان تقدم نفسها لسنوات جبهة موحدة للعالم الخارجي، وحافظت على غطاء محكم على المعارضة داخل صفوفها، ولكن المظاهر غير المسبوقة للخلاف كشفت عن الخلافات في الجماعة الأفغانية وكشفت عن صراع متصاعد على السلطة.

ورغم ثقافة السرية والوحدة، ظهرت مؤخرًا علامات عامة للانقسام، ما يشير إلى وقوع الحركة تحت ضغط حقيقي، ويحذر الخبراء من أن الانقسامات الداخلية قد تتحول إلى عنف وحرب أهلية جديدة تزيد من زعزعة استقرار المنطقة المتقلبة.

سيطرة أخوندزاده

ذكر موقع راديو أوروبا الحرة، في تقرير نشره الخميس 13 فبراير 2025، أن وزير اللاجئين في طالبان، خليل حقاني، قُتل، في ديسمبر 2024، في تفجير انتحاري، وهو أكبر مسؤول يُقتل منذ استيلاء حركة طالبان على السلطة في عام 2021، ووفقًا للخبراء، اتهم معظم أنصار حقاني منافسيه في طالبان بإصدار أوامر باغتياله.

وزير اللاجئين في طالبان، خليل حقاني

وزير اللاجئين في طالبان، خليل حقاني

وأضاف أن نائب وزير خارجية طالبان، شير محمد عباس ستانيكزاي، غادر البلاد في يناير 2025 بعد وقت قصير من ظهوره منتقدًا في لتسجيل صوتي الزعيم الروحي لطالبان الملا “هيبة الله أخوندزاده”، الذي يملك الكلمة الأخيرة في ظل النظام الذي تقوده جماعة رجال الدين، كما انتقد ستانيكزاي حظر أخوندزاده لتعليم الفتيات، والذي أثار إدانة دولية.

وأشار إلى أن ستانيكزاي فر من أفغانستان بعد أن أصدر أخوندزاده مذكرة اعتقال بحقه وأمر بمنعه من السفر، رغم أنه أكد أنه كان في الإمارات، لكنه قال إن ذلك كان لأسباب صحية. وفي الوقت نفسه، تذمر عدد متزايد من أعضاء طالبان من تأخير دفع رواتبهم.

فوضوية وغير مؤكدة

قال التقرير إن حركة طالبان نفت وجود أي انقسامات داخل الجماعة، وقال المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، لقناة “تولو نيوز” الخاصة إن الحركة “لن تنخرط في خلافات أو تصبح مصدر انقسام أو تتخذ إجراءات قد تؤدي إلى سوء الحظ أو تعيد عدم الاستقرار إلى البلاد”.

لكن العديد من المصادر في طالبان، ممن تحدثوا إلى راديو أوروبا الحرة، شريطة عدم الكشف عن هويتهم لأنهم غير مخولين بالتحدث إلى وسائل الإعلام، وصفوا الأجواء الحالية بأنها “فوضوية” و”غير مؤكدة”، وكشفت مصادر أفغانية أيضًا أن المسؤولين مُنعوا من مغادرة البلاد ما لم يحصلوا على إذن من أخوندزاده.

وقال المستشار السابق للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في أفغانستان، مايكل سِمْبِل: “إن هذه التطورات تشير إلى تحد حقيقي لوحدة الحركة، بين أعضاء طالبان الذين يشعرون بالتهميش وأولئك الذين يشعرون بالتمكين”، مشيرًا إلى أن المعارضة السياسية والعسكرية لطالبان أضعف مما كانت عليه في تسعينيات القرن العشرين، ولكن توقعات الشعب الأفغاني أعلى بكثير ومستويات الإحباط الشعبي إزاء أداء طالبان غير مسبوقة..

منافسة داخلية

أوضح التقرير أن الخلافات الداخلية في حركة طالبان برزت بشكل متزايد منذ استعادتها للسلطة في عام 2021، حيث احتكر أخوندزاده، الذي نادرًا ما يغادر معقله في مدينة قندهار الجنوبية، السلطة، وقام بتهميش الشخصيات الأكثر اعتدالًا، وفرض سياسات متشددة جعلت من أفغانستان دولة منبوذة على المستوى الدولي.

وأضافت أن من بين منافسي أخوندزاده، سراج الدين حقاني، وزير داخلية طالبان وزعيم شبكة حقاني، وهي فصيل قوي يتمتع بنفوذ كبير في شرق أفغانستان، ومن بين المنافسين الآخرين الملا محمد يعقوب، وزير الدفاع وابن مؤسس الجماعة الملا محمد عمر، وكذلك الملا عبدالغني برادار، الذي ترأس المكتب السياسي للجماعة في قطر، وهو نائب رئيس الوزراء في حكومة طالبان.

من جانبه، أوضح مدير مركز أفغانستان للدراسات الاستراتيجية، هاتف مختار، أن التوترات بين الفصائل المختلفة داخل طالبان تشكل تحديًا كبيرًا لوحدة الحركة، لكنها ليست التهديد الوحيد أو الأكبر بالضرورة، لافتًا إلى وجود انقسامات في طالبان على أسس أيديولوجية، فبعض القادة يريدون الاعتراف الدولي والاستثمار الاقتصادي، بينما يعطي آخرون الأولوية لفرض الحكم الإسلامي حتى على حساب العزلة.

تهديدات أمنية واقتصادية

في هذه الأثناء، لا يزال تنظيم داعش في ولاية خراسان يشكل تهديدًا لطالبان، مختبرًا قدرة الحركة على الحفاظ على الأمن، وتأكيدًا لهذا التهديد، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن تفجير انتحاري خارج بنك في شمال أفغانستان في 11 فبراير، ما أسفر عن مقتل 5 أشخاص، حسبما قالت حركة طالبان.

قالت المجلة إن حكومة طالبان، التي تعاني من نقص السيولة وعدم الاعتراف بها، تعرضت لضغوط مالية متزايدة، فقد جمد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جميع المساعدات الأجنبية، بما في ذلك لأفغانستان، ما سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية المدمرة في البلاد، كذلك انخفضت قيمة عملة البلاد، الأفغاني، في الأسابيع الأخيرة، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار.

ويقول الخبراء إنه في حين أظهرت طالبان مرونة في إدارة النزاعات الداخلية، فإن التوترات المتصاعدة قد تهدد تماسك المجموعة، وأوضح مختار أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو “الاقتتال الداخلي على مستوى منخفض، والاغتيالات، والتطهير الداخلي بدلا من المواجهة العسكرية المفتوحة، مضيفًا أنه إذا فشلت طالبان في معالجة انقساماتها الداخلية، فقد تشهد أفغانستان دورة أخرى من الصراع الداخلي.

ربما يعجبك أيضا